عادة ما يتنبأ العلماء بتطور الأنواع بدراسة جيناتها والبيئة التي تعيش فيها. لكنّ دراسة جديدة من جامعة أبردين سلّطت الضوء على عامل أساسي غالبًا ما يتم تجاهله في الدراسات، ألا وهو التفاعلات الاجتماعية. أظهر البحث أن جينات الكائنات الأخرى تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل البيئة التي تخوض فيها الحيوانات تجاربها. نُشرت هذه الدراسة في مجلة إيفولشن ليترز.
في دراسة واسعة شملت 47 بحثًا حول مجموعة متنوعة من الكائنات الحية، توصل باحثون من جامعة أبردين بالتعاون مع زملاء لهم من جامعتي إكستر وبيلفيلد إلى أن التأثيرات الجينية الناتجة عن التفاعلات الاجتماعية، وإن كانت ضئيلة في حد ذاتها، يمكن أن تؤدي إلى تسريع ملحوظ في وتيرة التطور عندما تحدث التفاعلات الاجتماعية بصورة متكررة.
لوحِظت أبرز التأثيرات على السلوكيات والصفات التناسلية، ما يشير إلى أن هذه الخصائص قد تتطور بمعدل أسرع بكثير مقارنة بالصفات الجسدية كشكل الجسم والصفات الفسيولوجية بما في ذلك الوظائف الأيضية. قد يُغير هذا الاكتشاف النظرة العلمية لآليات تطور بعض الصفات، لا سيما في الأنواع الاجتماعية التي تتفاعل بانتظام مع بعضها البعض.
أوضح الدكتور ديفيد فيشر، الباحث في مجال العلوم البيولوجية بجامعة أبردين: «التطور هو المحرك الرئيسي وراء التنوع البيولوجي للحياة على الأرض، وبالتالي نحن بحاجة إلى فهم كيفية عمله. وفي حين أن جميع الحيوانات تقريبًا، سواء عاشت في مجموعات أو منفردة، تخوض تفاعلات اجتماعية في مرحلة ما من حياتها، لكن لم نتمكن حتى الآن من قياس مدى تأثير هذه التفاعلات على تطور الأنواع بصورة منهجية».
«ركزنا في هذا البحث على دراسة كيفية تفاعل الحيوانات مع بعضها البعض. كنا مهتمين بمعرفة مدى تأثر الفرد بتفاعلاته مع أفراد آخرين، فمثلًا، استعرضنا دراسات سابقة تناولت مجموعة معينة من السلوكيات مثل العدوانية عند الأبقار والجداجد الحقلية، والتسلّط بالنقر لدى الدواجن، والتفاعلات بين أزواج الطيور، وتزاوج ذبابة الفاكهة، والتعاون التناسلي في أسماك السيكليد».
«أتاح لنا هذا النهج نظرة شاملة وفريدة من نوعها. ففي حين يعد اكتشاف تأثير التفاعلات الاجتماعية على التطور في دراسة واحدة يعد أمرًا بالغ الأهمية، لكن قدرتنا على دمج ما يقرب من 200 مقياس وإظهار اتساق هذه التأثيرات في كل من الدراسات المخبرية والميدانية وفي جميع أنواع الحيوانات يزيد من قوة نتائجنا بشكل كبير. يسمح لنا منهجنا هذا باستخلاص استنتاجات أكثر عمومية حول آليات التطور، وهو أمر يتجاوز ما يمكن تحقيقه من خلال أي دراسة منفردة».
«بإثباتنا خوض معظم الحيوانات لتفاعلات اجتماعية تساهم بشكل كبير في إمكانية التطور، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسلوكيات والصفات التناسلية، نساهم في إعادة تشكيل فهمنا لكيفية عمل التطور».
«في المستقبل، سيغّير هذا الاكتشاف الجديد من فهمنا لكيفية تطور الحيوانات، سواء في البيئات الاصطناعية مثل مزارع تربية الحيوانات بهدف زيادة الإنتاجية أو في البيئات الطبيعية التي تأثرت بالأنشطة البشرية».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org