دراسة تُظهر أن الأنواع البشرية المبكرة استفادت من التنوع الغذائي في التضاريس الجبلية الوعرة
تُظهر دراسة نُشرت في مجلة ساينس أدفانس أجراها باحثون من مركز فيزياء المناخ التابع لمعهد العلوم الأساسية (ICCP) بجامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية، أن تداخل النظم البيئية المختلفة الموجودة في المناطق الجبلية كان له دورًا رئيسيًا في تطور البشر.
تتميز العديد من المواقع الأثرية للإنسان المبكر، من جنس الهومو المعروفين باسم البشرانيات، بانتشارها غالبًا في المناطق الجبلية أو بالقرب منها.
استخدم فريق الباحثين من ICCP مجموعة واسعة من بيانات الحفريات والقطع الأثرية الخاصة بالبشرانيات، إلى جانب بيانات دقيقة للتضاريس مع محاكاة مناخية للأرض امتدت لثلاثة ملايين سنة، لتقديم صورة أوضح حول كيفية تكيف الإنسان المبكر مع هذه التضاريس الصعبة والسبب وراء ذلك. بعبارة أخرى، ساعدت هذه الدراسة في تفسير سبب تفضيل العديد من أقاربنا التطوريين العيش في المناطق الجبلية الوعرة بدلاً من السهول.
تتمتع المناطق الجبلية بتنوع بيولوجي كبير نتيجة التغيرات في الارتفاعات، ما تسبب بظهور تغييرات مناخية تهيئ ظروفًا بيئية متنوعة مكنت مختلف الأنواع النباتية والحيوانية من الازدهار. أظهر الباحثون أن المناطق الوعرة غالبًا ما كانت تشتمل على تنوع أكبر في النظم البيئية وأنواع النباتات، المعروفة باسم المناطق الحيوية. مثّل هذا التنوع البيئي عامل جذبٍ للإنسان المبكر، إذ وفر له مصادر غذائية متنوعة وقدرة أكبر على التكيف مع التغيرات المناخية، وهي فكرة تُعرف بفرضية «الاختيار بالتنوع».
قالت الباحثة إلكه زيلر، طالبة الدكتوراه من مركز فيزياء المناخ والمؤلفة الرئيسية للدراسة: «عندما قمنا بتحليل العوامل البيئية التي أثرت على أماكن استقرار الأنواع البشرية، فوجئنا بأن وعورة التضاريس كانت العامل الرئيسي لذلك، متفوقة حتى على العوامل المناخية المحلية، مثل درجات الحرارة وهطول الأمطار».
صورة: في الأعلى: مخطط تشتت يوضح خط عرض وزمن المواقع التي تحتوي على أدلة على التواجد البشري، في المنتصف: تنوع المناطق الحيوية المرتبط بمواقع البشرانيات، محسوب باستخدام المتوسط المتحرك لـ 15 موقعًا. الأسفل: وعورة المنطقة المرتبطة بمواقع البشرانيات، محسوبة باستخدام المتوسط المتحرك لـ 15 موقعًا. يُظهر التظليل الرمادي توقيت التحول في منتصف العصر البليستوسيني (MPT) المصدر: معهد العلوم الأساسية.
ومن جهة أخرى، يصعب التنقل في المناطق الوعرة مقارنةً بالتضاريس المسطحة ويتطلب عبورها طاقة أكبر. لذا، كان على البشرانيات التكيف تدريجيًا مع تحديات التضاريس الصعبة للاستفادة من الموارد المتاحة فيها. درس باحثو ICCP كيفية تغير تكيفات الإنسان بمرور الوقت، الأمر الذي أثر على التوازن بين تكلفة العيش في البيئات الوعرة والفائدة منها.
بقي التكيف مع البيئات الأكثر انحدارًا في الأنواع البشرية الأولى، مثل الإنسان الماهر (Homo habilis) والإنسان العامل (Homo ergaster) والإنسان المنتصب (Homo erectus)، ظاهرًا حتى حوالي مليون سنة مضت، واختفى بعدها تأثير التضاريس لمدة تقارب 300 ألف سنة. ثم عاد ليظهر مجددًا قبل حوالي 700 ألف سنة مع ظهور أنواع بشرية أكثر تكيفًا وتطورًا ثقافيًا، مثل إنسان هايدلبرج (Homo heidelbergensis) وإنسان نياندرتال (Homo neanderthalensis) وهي مجموعات كانت قادرة على التحكم بالنار وتتمتع بقدرة أكبر على تحمل المناخات الباردة والرطبة.
قال أكسل تيمرمان، مدير مركز الفيزياء المناخية في معهد العلوم البيولوجية والبيئية والمؤلف المشارك في الدراسة: «تزامن تراجع مستويات التكيف الطوبوغرافي منذ حوالي مليون عام تقريبًا مع عمليات إعادة تنظيم واسعة النطاق في نظامنا المناخي، تعرف باسم تحول منتصف العصر الحديث الأقرب. كما يتماشى مع الأحداث التطورية مثل حدث عنق الزجاجة الجيني الأسلافي الذي اكتشف مؤخرًا، والذي أدى إلى انخفاض كبير في التنوع البشري، ومع توقيت اندماج الكروموسوم 2 في البشرانيات».
وأضاف: «ما زال من الصعب تأكيد ما إذا كان هذا التزامن مجرد صدفة، أو إذا ساهمت التحولات المناخية الجليدية المتزايدة في حدوث التغيرات الجينية لدى الإنسان المبكر».
تعد محاولات فهم كيفية تطور البشر على مدى الثلاثة ملايين سنة الماضية وتكيفهم مع التحديات البيئية المتغيرة من الموضوعات البحثية الساخنة. وتوفر نتائج فريق البحث الكوري الجنوبي جزءًا جديدًا في لغز تطور الإنسان. تُظهر البيانات التي جمعت من فترات تمتد لمئات الآلاف من السنين، وعبر الأنواع والقارات المختلفة، بوضوح أن أسلافنا كانوا «من ساكني الجبال».
قالت زيلر: «تُظهر نتائجنا بوضوح أن البشرانيات تكيفت مع التضاريس الوعرة بمرور الوقت، وأن هذا الاتجاه كان على الأرجح مدفوعًا بزيادة التنوع البيولوجي في المناطق الوعرة. تشير تحليلاتنا إلى وجود فائدة للمجموعات البشرية المبكرة من استوطانها للمناطق الجبلية، مع أنها تطلبت استهلاكًا أكبر للطاقة للعيش فيها».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org