من الفاكهة إلى النباتات الصلبة: رحلة تطور أسنان الديناصورات العاشبة
في نهاية العصر الطباشيري، كانت تعد الديناصورات من نوع الهَادْرُوصَور، التي تمتلك مناقير تشبه البط من أكثر الحيوانات العاشبة تطورًا على وجه الأرض. وكشفت أبحاث جديدة مدى نهم هذه الديناصورات، فقد تآكلت أسنانها في فترة لا تتجاوز الشهرين أثناء تناولها كميات هائلة من النباتات. يُعتقد أن بعض هذه الديناصورات العاشبة الأكثر نجاحًا امتلكت مئات الآلاف من الأسنان على مدار حياتها.
تنتمي الأورنيثوبودات إلى مجموعة من الديناصورات التي تشمل الإيغوانودون والهيبسيلوفودون وأقاربهم، بما في ذلك الرابدودونتيد النادر. ظهرت الأورنيثوبودات لأول مرة في العصر الجوراسي الأوسط، لكنها بلغت أوجها في العصر الطباشيري عندما أصبحت الحيوانات العاشبة مهيمنة في مناطق واسعة من العالم.
اتخذت هذه الرحلة مسارًا ابتدأ من كونها كائنات صغيرة إلى أن أصبحت «آلات أكل النباتات» الكبيرة والمتخصصة التي تنافس الأبقار والأغنام الموجودة في وقتنا الحاضر. ووفقًا للبحث الذي قاده الدكتور أتيلا أوسي من جامعة أوتفوش لوراند في المجر، تمكنت هذه الديناصورات من تحقيق ذلك عبر تطوير أعداد هائلة من الأسنان البديلة، مما سمح لها بأكل حتى أصعب النباتات بكميات كبيرة.
يقول أتيلا: «لقد تغيرت أسنان وفكوك الأورنيثوبودات بشكل جذري خلال تطورها. فالأعضاء الأوائل من هذه المجموعة، مثل الإيغوانودون، احتاجت أكثر من 200 يوم لتكوين أسنانها، واستغرق الأمر وقتًا مماثلاً لتآكلها نتيجة المضغ. ولكن بحلول نهاية العصر الطباشيري، كانت أسنان الهَادْرُوصَور تتآكل في غضون 50 يومًا فقط».
«نعتقد أن سبب ذلك هو أن الأورنيثوبودات المتأخرة كانت تتغذى على نباتات صلبة تسبب تآكل أسنانها بسرعة كبيرة. ومع التآكل السريع، كانت هذه الديناصورات بحاجة إلى تخزين كميات كبيرة من الأسنان داخل جماجمها حتى لا تموت جوعًا».
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «Nature Communications».
التحول إلى حيوانات عاشبة مسيطرة بين الديناصورات
بينما يُعد نمط التغذية العاشبة إحدى الطرق الشائعة للحياة بين الحيوانات، لكن من المدهش أن يكون تناول النباتات أمرًا صعبًا. على عكس اللحم، الذي يُفكك بسهولة في الأمعاء، تتكون النباتات من ألياف قاسية وكربوهيدرات معقدة يصعب هضمها.
تلعب الأسنان دورًا رئيسيًا في هذه المعركة الغذائية، إذ تفتح النباتات وتقطعها إلى قطع أصغر حتى تتمكن بكتيريا الأمعاء من تحليلها بكفاءة أكبر. لكن، وبحسب البروفيسور بول باريت، المؤلف المشارك للدراسة، يؤثر ذلك بشكل كبير على الأسنان.
يقول بول: «على مدار حياة العاشب، تتآكل أسنانه تدريجيًا. يضع ذلك حدًا أقصى لعمر بعض الثدييات، مثل الفيلة أو الأبقار. فعندما تنفد أسنانها، لا تستطيع الحيوان الأكل، مما يؤدي إلى موتها».
«لكن لا يشكل ذلك مشكلة بالنسبة للزواحف، فهي قادرة على تكوين أسنان جديدة باستمرار، إذ يكون هناك دائمًا سن بديل جاهز للظهور بمجرد تآكل السن السابق. لهذا السبب، تُعد أسنان الديناصورات من الحفريات الشائعة، مما يجعلها وسيلة قيمة لدراسة كيفية تطور هذه الحيوانات».
كان الفريق مهتمًا بشكل خاص بدراسة أسنان وفكوك الأورنيثوبودات، التي أصبحت في نهاية المطاف بعضًا من أكثر الحيوانات العاشبة تطورًا التي عاشت على كوكبنا. من خلال دراسة جماجم محفوظة جيدًا، تمكنوا من تتبع كيفية تطور جماجم الديناصورات إلى أشكال أكثر تعقيدًا لتناسب تناول النباتات بشكل أفضل.
يقول بول: «نرى زيادة تدريجية في تعقيد تكيفاتها مع الحياة العاشبة أثناء تطورها. في البداية، كان لديها صفوف فردية من الأسنان البسيطة التي تعرضت لتآكل محدود، ربما لأن هذه الديناصورات كانت تركز على تناول الفاكهة والنباتات الأكثر ليونة».
«بحلول الوقت الذي تطورت فيه الهَادْرُوصَورات، كانت تمتلك أعدادًا هائلة من الأسنان التي تكونت عليها حافة شبيهة بالشفرة على جانب واحد وسلسلة من الحواف خلفها. هذه البنية فريدة من نوعها لهذه الديناصورات، وحافظت على الأسنان العلوية والسفلية حادة أثناء احتكاكها ببعضها البعض».
وطورت الأورنيثوبودات في وقت لاحق طرقًا جديدة لتحريك فكوكها، فقد كانت قادرة على تحريكها للأمام والخلف وللجانبين، مما سمح لها بطحن النباتات بشكل أكثر فعالية. ونمت أجسادها بشكل أكبر، مما أتاح لها استيعاب أمعاء أكبر يمكنها استخلاص العناصر الغذائية من النباتات بشكل أكثر فعالية.
اتبعت الديناصورات المختلفة استراتيجيات مختلفة للحياة العاشبة. لكن لاحظ الفريق أن بعض مجموعات الأورنيثوبودات، مثل التينونتوصوريدات وأقاربها الأكثر تطورًا من الإيغوانودونتات، اتبعت جميعها مسارًا تطوريًا مشابهًا بشكل ملحوظ. ويعتقدون أن هذا يعد مثالاً على التطور المتقارب.
يقول بول: «قبل حوالي 110 مليون سنة، تطورت هذه الأورنيثوبودات بسرعة لتكتسب سلسلة من الخصائص المماثلة. ازدادت أعداد أسنانها، وتداخلت فكوكها بشكل أكثر إحكامًا، وتراكمت لديها المزيد من الأسنان البديلة، مما جعلها حيوانات عاشبة أكثر فعالية».
«حدث ذلك أيضًا في الديناصورات ذات القرون، التي تشمل أنواعًا مثل الترايسيراتوبس. من المغري أن نفترض أن هذه التغييرات حدثت لنفس الأسباب».
هل الأزهار مسؤولة؟
على الرغم من أن الأدلة تشير إلى أن البيئة تغيرت في أوائل العصر الطباشيري، لكن اكتشاف ما حدث بالضبط يمثل تحديًا. في محاولة للكشف عن الأسباب المحتملة، درس الفريق المناطق المتآكلة من أسنان الديناصورات، المعروفة باسم «الأسطح المهترئة»، بحثًا عن التغييرات المجهرية.
يقول أتيلا: «قبل العصر الطباشيري المبكر، كانت أسنان الأورنيثوبودات تحتوي على الكثير من الحفر الكبيرة. يشير هذا إلى أنها كانت تأكل كميات كبيرة من بذور النباتات، وربما تستهلك الكثير من الغبار والتربة أثناء الرعي على مقربة من الأرض».
«تحتوي الأشكال المتأخرة على عدد أقل من الحفر، ولكن على العديد من الخدوش بدلاً من ذلك. ويشير ذلك إلى أنها كانت تأكل نباتات أكثر صلابة، أو تتغذى بطريقة مختلفة».
بدلاً من أن تغير الديناصورات طعامها بشكل نشط، قد يكون التفسير المحتمل هو أن بعض النباتات أصبحت أكثر شيوعًا. من الممكن أن يكون ظهور الزهور مسؤولًا، لكن هذا لا يتناسب تمامًا مع الأدلة المتاحة.
يقول بول: «على الرغم من أنه يثير الشك أن النباتات المزهرة بدأت تتنوع في هذا الوقت، لكنها كانت لا تزال نادرة نسبيًا آنذاك. في الواقع، حتى العصر الطباشيري المتأخر، كانت النباتات مثل ذيل الحصان والسرخسيات والصنوبريات أكثر شيوعًا بالنسبة للديناصورات الباحثة عن طعام».
«نظرًا لصعوبة فك الارتباط بين سجلات النباتات وسجلات الديناصورات الأحفورية، فمن غير المرجح أن نحصل على أدلة كافية لإثبات وجود صلة، حتى لو كانت فكرة مثيرة للاهتمام».
بعد أن انتهوا من عملهم على الأورنيثوبودات، يأمل الفريق في توسيع أبحاثهم تدريجيًا لتشمل ديناصورات عشبية أخرى، مثل الأنكيلوصورات والديناصورات ذات القرون. قد يساعدنا ذلك في فهم أفضل لأسباب نجاح هذه الزواحف، وكيف شكل التطور نظامها الغذائي.
يقول أتيلا: «نود أن نتمكن من دراسة ديناصورات أخرى لمعرفة ما إذا كانت الاتجاهات التي وجدناها في الأورنيثوبودات من زيادة حجم الجسم وعدد الأسنان وتغيرات تآكل الأسنان، أكثر انتشارًا. إذا تمكنا من معرفة التغييرات التي مرت بها الحيوانات العاشبة في ذلك الوقت، سيمنحنا ذلك فرصة أفضل لفهم مكانة هذه الديناصورات في نظم العصر الوسيط البيئية».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org