دراسة الأحماض النووية الطويلة غير المشفرة في جلد الإنسان وعلاقتها بالأكزيما تمنحنا فهمًا أعمق للتطور
أظهرت دراسة علمية حديثة وجود صلة بين نوع معين من الجزيئات الوراثية وأمراض جلدية شائعة مثل الأكزيما والصدفية. ألقى هذا الاكتشاف الضوء على آلية بيولوجية مهمة قد تساهم في تطور هذه الأمراض.
كشفت الدراسة التي أجراها الباحثون في كينجز كوليدج لندن ونُشرت في دورية إيمبو جورنال عن دور جديد للحمض النووي الريبوزي الطويل غير المشفر في تنظيم التوازن بين الخلايا الجذعية التي تولد خلايا جديدة، والخلايا المتخصصة التي تشكل الطبقة الخارجية لحماية الجلد.
عندما اكتشف العلماء طريقة جديدة تعمل داخل خلايا جلد الإنسان، فوجئوا بعدم وجود نفس الطريقة في خلايا جلد القرود ذات القرابة الوراثية مع الإنسان. تشير هذه النتائج إلى أهمية التسلسلات الجينية «غير المشفرة» في تطور وظائف جديدة بالجينوم خلال فترات زمنية تطورية قصيرة.
توجد في الطبقة الخارجية للجلد -البشرة- خلايا جذعية تقوم إما بالانقسام الذاتي لتكوين نسخ مطابقة عن نفسها، أو بالتطور إلى خلايا جلدية متخصصة تعرف بخلايات القرنيّة. تلعب الخلايا القرنيّة دورًا مهمًا في عزل الجسم عن البيئة الخارجية وحمايته.
للحفاظ على التوازن الصحيح بين عدد الخلايا الجذعية والخلايا القرنية المتخصصة، يتم تنظيم عملية دقيقة لتحديد مصير الخلية الجذعية وتحديد ما إذا كانت ستنقسم أو ستتمايز إلى خلية قرنية. من الممكن أن يتسبب الاختلال في هذا التوازن إلى تطور أمراض جلدية مثل الإكزيما أو الصدفية.
ركز باحثون في مختبر وات في كينجز كوليدج على دراسة مجموعة خاصة من الجينات تُعرف بِاسم «جينات حاضنة للحمض النووي الريبوزي الصغير النووي» (إس إن إتش جي إس). ووجدوا أن هذه الجينات تلعب دورًا هامًا في الحفاظ على توازن دقيق داخل الخلية.
تولّد جينات حاضنة للحمض النووي الريبوزي النووي الصغير جزيئات من الحمض النووي الريبوزي الطويل غير المشفر. وفي حين يعرف الحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه) بوظيفته في تقديم التعليمات لتخليق البروتينات من الحمض النووي (دي إن إيه)، لا تشارك جزيئات الحمض النووي الريبوزي غير المشفر بشكل مباشر في هذه العملية، بدلًا من ذلك، يؤدي أدوارًا تنظيمية حيوية داخل الخلية، مثل تعديل جزيئات (آر إن إيه) الأخرى والتأثير على كمية الحمض النووي الريبوزي أو البروتينات الأخرى المُنتَجة.
تحديدًا، لاحظ الفريق في هذه الدراسة أن جينًا حاضنًأ للحمض النووي الريبوزي الصغير يوجّه الخلايا الجذعية في البشرة لزيادة انقسامها، مع منعها من التحول إلى خلايا قرنية. وعند تحليل نماذج من خلايا الجلد البشرية، وجد الفريق اختلافًا في مستويات إنتاج جين حاضن للحمض النووي الريبوزي الصغير بين المناطق المصابة بالتهاب الجلد التأتبي (الإكزيما)، أو الصدفية والجلد السليم المحيط بها في نفس الشخص.
تشير النتائج إلى أن هذه الجزيئات تلعب دورًا محوريًا في التعديلات الجلدية المصاحبة للحالات الالتهابية. كشفت الدراسة أيضًا عن جوانب جديدة في تطور الجينوم، إذ أظهرت التجارب المخبرية أن أحد هذه الأنواع من الآر إن إيه، وهو جين حاضن للحمض النووي الريبوزي النووي الصغير السابع، لا يؤثر على خلايا جلد مستخلصة من نوع من القرود.
يوضح الدكتور ماتيو فيتري رودان: «من منظور تطوري، يمكن للجين الحاضن للحمض النووي الريبوزي النووي الصغير أن يتحول فجأة من حالة خاملة إلى حالة نشطة داخل الخلية. هذا التحول المفاجئ قد يكون محركًا قويًا لتطور صفات بيولوجية جديدة خلال عملية التطور».
يسعى الباحثون في مجالَي الأحياء الجزيئية والتطورية إلى الإجابة على سؤال جوهري: كيف تطور الجينوم ليكتسب وظائف جديدة؟ تكشف هذه الدراسة عن الدور الهام للمناطق غير المشفرة في الجينوم في هذه العملية التطورية المعقدة.
يأمل الباحثون أن تسفر الأبحاث المستقبلية التي تستكشف آليات عمل الجينات الحاضنة للحمض النووي الريبوزي النووي الصغير على المستوى الجزيئي، ودراسة آثارها على العمليات البيولوجية الأخرى مثل التطور، عن توضيح كيفية مساهمة هذه التسلسلات غير المشفرة في تطور صفات جديدة عبر الأنواع وتكيفها مع البيئات المتغيرة ومدى مساهمتها في ذلك.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org