كيف أصبحت الحيوانات ذات الدم الحار أكثر ميلًا إلى النظام الغذائي النباتي؟

كشفت دراسة أجرتها جامعة أريزونا عن علاقة مدهشة بين درجة حرارة جسم الحيوان واحتمالية تطوره إلى حيوان عاشب. وتقدم الدراسة، التي نُشرت في مجلة Global Ecology and Biogeography، رؤىً جديدة حول تطور الأنظمة الغذائية القائمة على النباتات عبر رباعيات الأرجل التي تشمل الفقاريات البرية -البرمائيات والطيور والزواحف والثدييات. وقد تعيد النتائج تشكيل فهم العلماء لتطور الأنظمة الغذائية للحيوانات.

توصلت الدراسة، التي حللت بيانات 1712 نوعًا، إلى نمط ثابت: الحيوانات ذات درجات حرارة جسم أعلى من المرجح أن تتطور إلى حيوانات آكلة للأعشاب. وتنطبق هذه العلاقة على المجموعات الرئيسية من الفقاريات البرية.

يرى الباحث جون وينز، أستاذ علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة أريزونا، وكبير مؤلفي للدراسة، أن هناك صلة وثيقة بين حرارة أجسام الحيوانات ونوع غذائها. فالحيوانات التي تتغذى على النباتات تواجه تحديات خاصة في هضم هذا النوع من الطعام.

«تشير الأبحاث إلى أن ارتفاع درجة حرارة الجسم قد يكون عاملًا حاسمًا في دعم نمو وتكاثر البكتيريا المعوية القادرة على تحليل السليلوز، العنصر الأساسي لجدران الخلايا النباتية. قد تكون هذه العلاقة بين درجة حرارة الجسم والبكتيريا المعوية النافعة مفتاحًا لفهم قدرة بعض الأنواع على التكيف مع النظام الغذائي العشبي والحفاظ عليه»، بحسب الباحث وينز.

وبحسب الباحثة كريستين سابان، المؤلفة الرئيسية للدراسة: «كان اهتمامنا منصبًا بشكل خاص على درجة حرارة الجسم، إذ أنها تُعد أحد أكثر العوامل انتشارًا وقابلية للمقارنة التي قد تحدد النظام الغذائي عبر مختلف المجموعات الحيوانية». كانت سابان طالبة في السنة الثانية بجامعة أريزونا، تتخصص في علم البيئة والأحياء التطورية عندما بدأت الدراسة.

أجرى فريق البحث تحليلات واسعة النطاق، مستكشفًا عوامل أخرى متنوعة قد تؤثر على تطور النظام الغذائي العشبي، بما في ذلك حجم الجسم وأنماط النشاط اليومي والليلي. وفي النهاية، كانت النتيجة الأبرز أن درجة حرارة الجسم هي المؤشر الأقوى على تحول الحيوان إلى نظام غذائي عاشب.

تُضيف سابان: «خلصت دراستنا إلى أن درجة حرارة الجسم المرتفعة تمثل شرطًا أساسيًا لتطور النظام الغذائي العشبي. لم نجد أي حيوانات عاشبة لا تمتلك درجة حرارة جسم مرتفعة. ففي المعتاد، كانت درجة حرارة أجسامها تتجاوز 86 درجة فهرنهايت».

تُشير سابان إلى أن بعض الدراسات السابقة قد تناولت كيفية تأثير النظام الغذائي العشبي على تطور درجة حرارة الجسم لدى الحيوانات. أما هذه الدراسة فتتبع نهجًا معاكسًا، إذ تسعى إلى تحديد العوامل التي دفعت الحيوانات إلى التطور نحو اتباع نظام غذائي عاشب.

جمع الباحثون بيانات ذات صلة من عشرات الدراسات السابقة بهدف تحليلها. تساهم هذه الدراسة أيضاً في إلقاء الضوء على الجدول الزمني التطوري للنظام الغذائي العشبي. وعلى خلاف ما قد يتوقعه المرء بالنظر إلى انتشار الحيوانات العاشبة اليوم، يبدو أن النظام الغذائي العشبي ظاهرة حديثة نسبيًا، كما يقول وينز. تُشير الأدلة إلى أن الفقاريات رباعيات الأرجل كانت من آكلات اللحوم بشكل أساسي. فالسحالي، على سبيل المثال، كانت تتغذى بشكل كبير على اللحوم، بينما تطورت الإغوانا لتصبح آكلة للأعشاب. ويشير وينز إلى أن جميع المجموعات العاشبة الحالية لا يتجاوز عمرها 110 مليون سنة، مع أن عمر رباعيات الأرجل يبلغ 350 مليون سنة.

يقول وينز: «يتزامن هذا التوقيت مع انتشار واسع للنباتات المزهرة (كاسيات البذور) التي هيمنت على المشهد النباتي منذ نحو 110 مليون سنة، وتشكل الآن نحو 90% من جميع أنواع النباتات. تفتح هذه النتائج بابًا واسعًا أمام المزيد من الدراسات، خاصة عندما نفكر بأن الحيوانات العاشبة القديمة مثل الديناصورات لم تستطع البقاء على قيد الحياة حتى وقتنا الحالي، كما يقول الباحث وينز».

أظهرت هذه الدراسة أن النظام الغذائي العاشب يمثل صفة تطورية غير مستقرة. رصد الباحثون العديد من الحالات التي شهدت تكيفيًا عكسيًا لدى بعض الأنواع، أي من النظام الغذائي العاشب إلى آكلات اللحوم. ويضرب وينز مثالًا بالفئران المُغنية (الفئران البنية الألستونية) في أمريكا اللاتينية، التي تطورت من أسلاف نباتية لتعتمد بشكل رئيسي على الحشرات في غذائها. هذه التحولات كانت شائعة بقدر ما كانت بدايات التغذية على النباتات، ولا يزال سبب حدوث هذا التقلب غير معروف حتى الآن، وفقًا لسابان.

صرّح وينز: «تطور النظام الغذائي النباتي لا يعني بالضرورة أنه سيدوم لفترة طويلة. من الممكن أن تتطور بعض المجموعات العاشبة حاليًا لتشمل أنواعًا آكلة للحوم مرة أخرى».

 

ترجمة: علاء شاهين.

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *