لا شك أن من شاهد دلفينًا يسبح قد تساءل عن سبب حركة جسده صعودًا وهبوطًا، على عكس الأسماك التي تتموّج بحركة جانبية. ومع الشبه الظاهري بين جسمها وجسم السمكة، تعد الحيتانيات (وهي مجموعة تضم الحيتان والدلافين والخنازير البحرية) من الثدييات، وتطورت من أسلاف عاشت على اليابسة، شأنها في ذلك شأن القطط والكلاب والفئران والفيلة والأبقار والبشر.
على عكس أسلافها التي عاشت على اليابسة، مرّت الحيتانيات بتغيرات جذرية في تركيب جسمها وهيكلها العظمي لتتلاءم مع الحياة المائية. شملت هذه التغييرات تقلص الأطراف الخلفية وظهور الزعانف الذيلية والصدرية، الأمر الذي أدى إلى اكتسابها جسمًا انسيابيًا.
مع التعديلات التطورية التي طرأت عليها لتتكيّف مع الحياة في الماء، اختفظت الحيتانيات بسمات أساسية تدل على أصولها البرية، كالرئتين والقدرة على إرضاع صغارها. وحافظت أيضًا على الحركات العمودية الشبيهة إلى حد كبير بطريقة الجري السريع للحيوانات البرية. مع ذلك، لا يزال السؤال مفتوحًا حول كيفية تأثير عملية الانتقال من البيئة البرية إلى المائية منذ حوالي 53 مليون سنة، على تركيب العمود الفقري ووظيفته، وهو المحور الأساسي للهيكل العظمي.
في دراسة حديثة نشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، أوضح فريق البحث الدولي كيفية إعادة تنظيم العمود الفقري للثدييات البحرية أثناء تكيّف أسلافها مع الحياة المائية.
وجد الباحثون أن العمود الفقري للحيتانيات، وعلى عكس ما كان يُعتقد سابقًا، مُقسم إلى أجزاء مختلفة، مع أنه يبدو متشابهًا في الشكل على امتداد طوله. مع ذلك، تختلف طريقة تقسيم العمود الفقري إلى أجزاء متفاوتة بشكل جذري عن تقسيم الثدييات البرية.
«عند عودة سلف الحيتان والدلافين إلى الماء، فقدت هذه الكائنات أرجلها الخلفية وتطورت لتكتسب شكلاً انسيابيًا يشبه الأسماك»، وفقًا لما قالته الدكتورة أماندين جيلت، المؤلفة الرئيسية والباحثة في برنامج ماري كوري بمركز علم الأحياء العضوية والتطورية بجامعة هارفارد وقسم علوم الأرض والبيئة بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة.
وأشارت أن هذا التغيير في شكل الجسم يعني أن العمود الفقري أصبح الجزء الأكثر أهمية في الهيكل العظمي الذي يساعد الكائن الحي على الحركة والسباحة في الماء.
يجب على العمود الفقري للثدييات البرية أن يوفر الدعم اللازم لأطرافها لتحمل وزن أجسامها. ومع انتقال الحيتانيات إلى الحياة المائية، تحولت قوى الجاذبية من الهواء إلى الماء الطافِ، ما أدى إلى تخفيف الضغط على العمود الفقري لحمل وزن الجسم. تستلزم البنية الجسدية والحركات الجديدة اللازمة للتحرك في الماء تغييرات في العمود الفقري لهذه الحيوانات لتتكيف مع بيئتها الجديدة .
نظرت الدراسات السابقة إلى العمود الفقري من منظور علم التشكل، مع التركيز على التغيرات في شكل الفقرات. في ورقة بحثية عام 2018 نُشرت في مجلة ساينس، استكشف المؤلفان المشاركان البروفيسورة ستيفاني بيرس والدكتورة كاترينا جونز التاريخ التطوري المعقد للعمود الفقري لدى الثدييات باستخدام طريقة إحصائية جديدة طُورت في الأصل لدراسة العمود الفقري للثعابين.
قام بيرس وجونز بتعديل النموذج ليناسب دراستهما، ما أتاح لهما إثبات أن العمود الفقري للثدييات الأرضية يتميز بمناطق عديدة ومميزة مقارنةً بالبرمائيات والزواحف.
صورة تقترح فرضية الأقسام المتداخلة نموذجًا جديدًا لفهم بنية العمود الفقري للحيتانيات. وفقًا لهذه الفرضية، ينقسم العمود الفقري إلى جزئين رئيسيين، ثم ينقسم كل منهما إلى وحدات مشتركة في جميع أنواع الحيتانيات. يمكن تقسيم كل وحدة إلى عدة أقسام، يتراوح عددها في الحيتانيات البرية بين ستة وتسعة أقسام في جزء ما بعد العنق. حقوق الصورة أماندين جيليت
صرحت البروفيسور بيرس، أستاذة علم الأحياء العضوي والتطوري بجامعة هارفارد والمؤلف الرئيسي للدراسة: «يمثل فهم كيفية ظهور أجزاء موجودة لدى الثدييات البرية في الحيتان والدلافين تحديًا كبيرًا. ويعود ذلك إلى الاختلاف الشديد في البنية التشريحية للعمود الفقري بين هاتين المجموعتين، مع أن نشأتهما التطورية مشتركة».
«فقدت هذه الكائنات العجُز، وهو تركيب عظمي يتكون من مجموعة من الفقرات المتصالبة، التي تدعم الأطراف الخلفية وتعتبر معلمًا تشريحيًا حيويًا للتمييز بين الذيل وبقية أجزاء الجسم».
تزداد تعقيدات الفقرات في الحيتانيات نتيجة تزايد تجانسها التشريحي. إذ يحدث التحول من فقرة إلى أخرى بشكل تدريجي على عكس التحولات الحادة الموجودة في الثدييات البرية، ما يجعل تحديد الأقسام الفقارية أكثر صعوبة.
تشير جونز، الباحثة في قسم علوم الأرض والبيئة بجامعة مانشستر في المملكة المتحدة: «لا تقتصر أوجه التشابه بين الثدييات البحرية والبرية على الفقرات فحسب، إذ تمتلك بعض الأنواع البحرية، وعلى الأخص الدلافين والخنازير البحرية، عددًا أكبر بكثير من الفقرات مقارنة بنظيراتها البرية. وقد يصل عدد الفقرات في بعض الأنواع إلى ما يقرب المئة فقرة».
«يجعل هذا الأمر من الصعب للغاية تتبع تطور أقسام العمود الفقري التشريحية الموجودة في الثدييات البرية ومقارنتها بالعمود الفقري للحيتان والدلافين».
تفرض الأساليب الإحصائية الكلاسيكية المستخدمة في تحديد الأنماط الجغرافية شرطًا أساسيًا، وهو تساوي عدد العناصر في جميع العينات. لكن الطريقة الإحصائية «الأجزاء» التي قدمتها بيرس وجونز تمكنت من تخطي هذا الحاجز من خلال تحليل العمود الفقري لكل عينة بشكل مستقل.
بينما أثبتت الطريقة فعاليتها في التعامل مع العمود الفقري المحدود للثدييات البرية، واجهت تحديات حسابية كبيرة عند تطبيقها على الحيتانيات ذات العدد الكبير من الفقرات. وقد تمكنّت جيلت، بالتعاون مع فريق خدمات علوم البيانات في معهد هارفارد للعلوم الاجتماعية الكمية، من إعادة كتابة الكود البرمجي، ما سمح للبرنامج بإنتاج النتائج خلال دقائق على جهاز كومبيوتر. ونشر الباحثون البرنامج الجديد الذي أطلقوا عليه اسم «مورفو ريجونز»، كحزمة برمجية مفتوحة المصدر ضمن بيئة البرمجة آر، ليتسنى للباحثين في جميع أنحاء العالم الاستفادة منه.
«تمثل هذه النتيجة بلا شك أحد أهم التطورات في دراستنا. فقد قضت أماندين شهورًا في تطوير البرنامج لتمكينه من تحليل نظام يتكون من وحدات متكررة عديدة دون أن يتسبب ذلك في مشاكل تقنية».
استخدمت جيليت برنامج «مورفو ريجونز» على البيانات التي جمعتها خلال أطروحتها للدكتوراه، والتي شملت قياسات شكلية لـ 7500 فقرة من 139 عينة تمثل 62 نوعًا من الحيتانيات البالغ عددها نحو 90 نوع، أي ما يقارب ثلثي الأنواع الحية المعروفة. وقد جُمعت هذه البيانات من خلال زيارة ستة متاحف في أوروبا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة. ثم قامت بإدخال هذه البيانات في نموذج تحليلي متكامل.
لا شك أن من شاهد دلفينًا يسبح قد تساءل عن سبب حركة جسده صعودًا وهبوطًا، على عكس الأسماك التي تتموّج بحركة جانبية. ومع الشبه الظاهري بين جسمها وجسم السمكة، تعد الحيتانيات (وهي مجموعة تضم الحيتان والدلافين والخنازير البحرية) من الثدييات، وتطورت من أسلاف عاشت على اليابسة، شأنها في ذلك شأن القطط والكلاب والفئران والفيلة والأبقار والبشر.
على عكس أسلافها التي عاشت على اليابسة، مرّت الحيتانيات بتغيرات جذرية في تركيب جسمها وهيكلها العظمي لتتلاءم مع الحياة المائية. شملت هذه التغييرات تقلص الأطراف الخلفية وظهور الزعانف الذيلية والصدرية، الأمر الذي أدى إلى اكتسابها جسمًا انسيابيًا.
مع التعديلات التطورية التي طرأت عليها لتتكيّف مع الحياة في الماء، اختفظت الحيتانيات بسمات أساسية تدل على أصولها البرية، كالرئتين والقدرة على إرضاع صغارها. وحافظت أيضًا على الحركات العمودية الشبيهة إلى حد كبير بطريقة الجري السريع للحيوانات البرية. مع ذلك، لا يزال السؤال مفتوحًا حول كيفية تأثير عملية الانتقال من البيئة البرية إلى المائية منذ حوالي 53 مليون سنة، على تركيب العمود الفقري ووظيفته، وهو المحور الأساسي للهيكل العظمي.
في دراسة حديثة نشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، أوضح فريق البحث الدولي كيفية إعادة تنظيم العمود الفقري للثدييات البحرية أثناء تكيّف أسلافها مع الحياة المائية.
وجد الباحثون أن العمود الفقري للحيتانيات، وعلى عكس ما كان يُعتقد سابقًا، مُقسم إلى أجزاء مختلفة، مع أنه يبدو متشابهًا في الشكل على امتداد طوله. مع ذلك، تختلف طريقة تقسيم العمود الفقري إلى أجزاء متفاوتة بشكل جذري عن تقسيم الثدييات البرية.
«عند عودة سلف الحيتان والدلافين إلى الماء، فقدت هذه الكائنات أرجلها الخلفية وتطورت لتكتسب شكلاً انسيابيًا يشبه الأسماك»، وفقًا لما قالته الدكتورة أماندين جيلت، المؤلفة الرئيسية والباحثة في برنامج ماري كوري بمركز علم الأحياء العضوية والتطورية بجامعة هارفارد وقسم علوم الأرض والبيئة بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة.
وأشارت أن هذا التغيير في شكل الجسم يعني أن العمود الفقري أصبح الجزء الأكثر أهمية في الهيكل العظمي الذي يساعد الكائن الحي على الحركة والسباحة في الماء.
يجب على العمود الفقري للثدييات البرية أن يوفر الدعم اللازم لأطرافها لتحمل وزن أجسامها. ومع انتقال الحيتانيات إلى الحياة المائية، تحولت قوى الجاذبية من الهواء إلى الماء الطافِ، ما أدى إلى تخفيف الضغط على العمود الفقري لحمل وزن الجسم. تستلزم البنية الجسدية والحركات الجديدة اللازمة للتحرك في الماء تغييرات في العمود الفقري لهذه الحيوانات لتتكيف مع بيئتها الجديدة .
نظرت الدراسات السابقة إلى العمود الفقري من منظور علم التشكل، مع التركيز على التغيرات في شكل الفقرات. في ورقة بحثية عام 2018 نُشرت في مجلة ساينس، استكشف المؤلفان المشاركان البروفيسورة ستيفاني بيرس والدكتورة كاترينا جونز التاريخ التطوري المعقد للعمود الفقري لدى الثدييات باستخدام طريقة إحصائية جديدة طُورت في الأصل لدراسة العمود الفقري للثعابين.
قام بيرس وجونز بتعديل النموذج ليناسب دراستهما، ما أتاح لهما إثبات أن العمود الفقري للثدييات الأرضية يتميز بمناطق عديدة ومميزة مقارنةً بالبرمائيات والزواحف.
صورة تقترح فرضية الأقسام المتداخلة نموذجًا جديدًا لفهم بنية العمود الفقري للحيتانيات. وفقًا لهذه الفرضية، ينقسم العمود الفقري إلى جزئين رئيسيين، ثم ينقسم كل منهما إلى وحدات مشتركة في جميع أنواع الحيتانيات. يمكن تقسيم كل وحدة إلى عدة أقسام، يتراوح عددها في الحيتانيات البرية بين ستة وتسعة أقسام في جزء ما بعد العنق. حقوق الصورة أماندين جيليت
صرحت البروفيسور بيرس، أستاذة علم الأحياء العضوي والتطوري بجامعة هارفارد والمؤلف الرئيسي للدراسة: «يمثل فهم كيفية ظهور أجزاء موجودة لدى الثدييات البرية في الحيتان والدلافين تحديًا كبيرًا. ويعود ذلك إلى الاختلاف الشديد في البنية التشريحية للعمود الفقري بين هاتين المجموعتين، مع أن نشأتهما التطورية مشتركة».
«فقدت هذه الكائنات العجُز، وهو تركيب عظمي يتكون من مجموعة من الفقرات المتصالبة، التي تدعم الأطراف الخلفية وتعتبر معلمًا تشريحيًا حيويًا للتمييز بين الذيل وبقية أجزاء الجسم».
تزداد تعقيدات الفقرات في الحيتانيات نتيجة تزايد تجانسها التشريحي. إذ يحدث التحول من فقرة إلى أخرى بشكل تدريجي على عكس التحولات الحادة الموجودة في الثدييات البرية، ما يجعل تحديد الأقسام الفقارية أكثر صعوبة.
تشير جونز، الباحثة في قسم علوم الأرض والبيئة بجامعة مانشستر في المملكة المتحدة: «لا تقتصر أوجه التشابه بين الثدييات البحرية والبرية على الفقرات فحسب، إذ تمتلك بعض الأنواع البحرية، وعلى الأخص الدلافين والخنازير البحرية، عددًا أكبر بكثير من الفقرات مقارنة بنظيراتها البرية. وقد يصل عدد الفقرات في بعض الأنواع إلى ما يقرب المئة فقرة».
«يجعل هذا الأمر من الصعب للغاية تتبع تطور أقسام العمود الفقري التشريحية الموجودة في الثدييات البرية ومقارنتها بالعمود الفقري للحيتان والدلافين».
تفرض الأساليب الإحصائية الكلاسيكية المستخدمة في تحديد الأنماط الجغرافية شرطًا أساسيًا، وهو تساوي عدد العناصر في جميع العينات. لكن الطريقة الإحصائية «الأجزاء» التي قدمتها بيرس وجونز تمكنت من تخطي هذا الحاجز من خلال تحليل العمود الفقري لكل عينة بشكل مستقل.
بينما أثبتت الطريقة فعاليتها في التعامل مع العمود الفقري المحدود للثدييات البرية، واجهت تحديات حسابية كبيرة عند تطبيقها على الحيتانيات ذات العدد الكبير من الفقرات. وقد تمكنّت جيلت، بالتعاون مع فريق خدمات علوم البيانات في معهد هارفارد للعلوم الاجتماعية الكمية، من إعادة كتابة الكود البرمجي، ما سمح للبرنامج بإنتاج النتائج خلال دقائق على جهاز كومبيوتر. ونشر الباحثون البرنامج الجديد الذي أطلقوا عليه اسم «مورفو ريجونز»، كحزمة برمجية مفتوحة المصدر ضمن بيئة البرمجة آر، ليتسنى للباحثين في جميع أنحاء العالم الاستفادة منه.
«تمثل هذه النتيجة بلا شك أحد أهم التطورات في دراستنا. فقد قضت أماندين شهورًا في تطوير البرنامج لتمكينه من تحليل نظام يتكون من وحدات متكررة عديدة دون أن يتسبب ذلك في مشاكل تقنية».
استخدمت جيليت برنامج «مورفو ريجونز» على البيانات التي جمعتها خلال أطروحتها للدكتوراه، والتي شملت قياسات شكلية لـ 7500 فقرة من 139 عينة تمثل 62 نوعًا من الحيتانيات البالغ عددها نحو 90 نوع، أي ما يقارب ثلثي الأنواع الحية المعروفة. وقد جُمعت هذه البيانات من خلال زيارة ستة متاحف في أوروبا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة. ثم قامت بإدخال هذه البيانات في نموذج تحليلي متكامل.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org