أشباه البشر الأوروبيين الأوائل عاشوا في شبه الجزيرة الأيبيرية منذ 1.3 مليون سنة

تقنيات التأريخ الجيولوجية الجديدة تشير إلى أن أشباه البشر الأوروبيين الأوائل عاشوا في شبه الجزيرة الأيبيرية منذ 1.3 مليون سنة

الصورة1: البيانات الواردة في هذه الدراسة دقيقة للغاية بفضل التسلسل الرسوبي الطويل للكواشف الصخرية في منطقة أورثي في إسبانيا، والتي تحتوي 15 راسب فقاري متراكب في طبقات مختلفة. حقوق الملكية: Lluís Gibert.

من أهم القضايا المثيرة للجدل حول تطور الإنسان وانتشاره هي تحديد الوقت والمسار الذي سلكه البشراناوية للوصول إلى أوروبا من القارة الإفريقية. حددت تقنيات التأريخ الجيولوجي في مواقع أورثي (حوض بازا، غرناطة) بقايا الإنسان التي وُجدت في هذه المنطقة كأقدم بقايا في أوروبا يعود تاريخها إلى حوالي 1.3 مليون سنة. تعزز هذه النتائج الفرضية القائلة بأن البشر وصلوا إلى أوروبا عبر جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية، عبر مضيق جبل طارق، بدلاً من العودة إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الطريق الآسيوي.

شارك في الدراسة، التي أجراها الباحث والمحاضر في كلية علوم الأرض بجامعة برشلونة لويس جيبرت، باحثون من مركز بيركلي للتاريخ الجيولوجي وجامعة ولاية موراي (الولايات المتحدة).

نُشرت الدراسة في مجلة Earth-Science Reviews.

تحليل منطقة عينات جديدة:

يعتمد التأريخ الجديد على تحليل المغناطيسية القديمة لمنطقة لم تؤخذ أي عينات منها سابقاً في منطقة أورثي التي كانت محمية من التآكل عبر السنين. تعد هذه التقنية طريقة تأريخ نسبية تعتمد على دراسة انقلاب الأقطاب المغناطيسية للكوكب بسبب الديناميات الداخلية للأرض. لا تتمتع هذه التغيرات بدورية محددة، ولكنها تُسجل في المعادن، ما يُتيح إمكانية تحديد فترات زمنية مختلفة من خلال الأحداث المغناطيسية المختلفة.

هذه البيانات الجديدة دقيقة للغاية بفضل التتابع الرسوبي الطويل للكشوفات الصخرية التي تظهر في أورسي. يقول لويس جيبرت: «يكمن تميز هذه المواقع في تراتبها ضمن تتابع رسوبي طويل جدًا، يزيد عن ثمانين مترًا. عادةً ما توجد مثل هذه المواقع في كهوف أو ضمن تتابعات رسوبية قصيرة جدًا، الأمر الذي يحول دون تطوير تسلسلات معناطيسية قديمة طويلة بما يكفي للعثور على الانعكاسات المعناطيسة المختلفة فيها».

تمكن الباحثون من تحديد تسلسل القطبية المغناطيسية «بخمسة أحداث مغناطيسية تُمكّنهم من وضع المواقع الثلاثة في أورسي ذات الوجود بشري بين العصور الفرعية أولدوفاي وجراميلو، أي بين 1.77 و1.07 مليون سنة مضت» وفقًا للباحث. بعد ذلك، طبقوا نموذجًا إحصائيًا للعمر لتحديد التتابع الزمني للمستويات الطبقية المختلفة بدقة، بهامش خطأ لا يتجاوز 70,000 سنة.

تظهر نتيجة هذه المنهجية المبتكرة أن أقدم موقع به وجود بشري في أوروبا هو فينتا ميسينا، بعمر 1.32 مليون سنة، يليه بارانكو ليون بعمر 1.28 سنة، وفوينتي نويفا 3 بعمر 1.23 سنة. يضيف الباحث: «مع هذه البيانات، سيتراجع موقع سيما ديل إليفانتي في أتابويركا، وهو موقع رئيسي آخر في شبه الجزيرة الأيبيرية، إلى المركز الثاني، فهو أحدث من أورثي بـ 0.2 إلى 0.4 مليون سنة».

مجموعة حيوانية تدعم قدم الموقع:

لاستكمال عملية التأريخ، حلل الباحثون أيضًا الحيوانات الموجودة في المواقع المختلفة في أورثي، إذ تختلف هذه الحيوانات باختلاف الفترة الزمنية، وقارنوها بتلك الموجودة في مواقع أخرى من عصر البليستوسيني المبكر في أجزاء أخرى من أوروبا.

في هذا السياق، تقدم الورقة تحليلاً مفصلاً للثدييات الدقيقة والثدييات الكبيرة من جميع مواقع أورثي، وقد أُجري هذا التحليل بواسطة الخبير روبرت مارتن، استنادًا إلى المجموعات الحفرية المحفوظة في متحف معهد علم الحفريات الكتالوني ميغيل كروسافونت (IPS) في ساباديل.

يوضح جيبرت: «تشير النتائج إلى أن الحيوانات الصغيرة والكبيرة في أورثي أكثر بدائية مقارنةً، على سبيل المثال، بتلك الموجودة في موقع سيما ديل إليفانتي، حيث تظهر الأدلة أن القارض Allophaiomys lavocati أكثر تطورًا من نظيرهAllophaiomys  المكتشف في مواقع أورثي».

يمثل غياب أسلاف الخنازير مؤشرًا هامًا آخر لعمر مواقع أورثي. يوضح الباحث: «هاجرت هذه الحيوانات من آسيا ولم يُعثر عليها في أي موقع أوروبي بين 1 و1.5 مليون سنة، بينما وُجدت في موقع سيما ديل إليفانتي، الأمر الذي يدعم فكرة كون الحيوانات في أورثي أقدم».

الصورة2: تُظهر المواقع الرئيسية المؤرخة التوزيع العالمي لأشباه البشر قبل مليون سنة (اللون البرتقالي) وطرق الهجرة والتنقل المحتملة. يسلط الشكل الضوء على المواقع التي استخدمت فيها تقنية Oldowan (النقاط السوداء) التي يزيد عمرها عن 2 مليون سنة في أفريقيا وأقدم من 1 مليون سنة في أوراسيا. حقوق الملكية: Earth-Science Reviews (2024). DOI: 10.1016/j.earscirev.2024.104855.

أدلة على المرور عبر جبل طارق:

يقول الباحث إن هذا التأريخ الجديد يضاف إلى أدلة أخرى ترجح كفة استعمار أوروبا عبر مضيق جبل طارق بدلاً من الطريق البديلة المتمثلة بالعودة إلى البحر الأبيض المتوسط عبر آسيا. تتضمن الأدلة الأخرى على سبيل المثال «وجود صناعة حجرية تشبه تلك الموجودة في شمال القارة الإفريقية، إضافة إلى وجود بقايا حيوانات إفريقية في جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية، مثل فرس النهر الموجود في مواقع أورسي، وقرد Theropithecus oswaldi، الإفريقي المشابه للبابون والموجود في كهف فيكتوريا بالقرب من قرطاجنة (مورسيا)، وغير الموجود في أي مكان آخر في أوروبا».

ويضيف الباحث: «نؤيد أيضاً الفرضية القائلة بأن أسلاف البشر وصلوا من جبل طارق لعدم العثور على أي دليل أقدم على طول الطريق البديل».

التشابه مع البشراناوية من جزيرة فلوريس:

وبناء على هذه النتائج، يشير الباحثون إلى وجود «تناقض زمني» بين أقدم احتلال لآسيا الذي يعود إلى 1.8 مليون سنة وأقدم احتلال لأوروبا الذي يعود إلى 1.3 مليون سنة، ما يعني أن البشر الأفارقة وصلوا إلى جنوب غرب أوروبا بعد أكثر من 0.5 مليون سنة من مغادرتهم أفريقيا لأول مرة منذ حوالي مليوني سنة.

يقول جيبرت: «يمكن تفسير هذه الاختلافات في التوسع البشري من خلال الحواجز الجغرافية الحيوية التي عزلت أوروبا عن آسيا وأفريقيا. وتشمل هذه الحواجز مضيق البوسفور، والدردنيل، وبحر مرمرة من الشرق، ومضيق جبل طارق من الغرب. وصلت البشرية إلى أوروبا فقط عندما امتلكت التقنيات اللازمة لعبور الحواجز البحرية، على غرار الطريقة التي وصلوا بها إلى جزيرة فلوريس (إندونيسيا) قبل أكثر من مليون سنة».

وفي هذا السياق، يشير الباحث إلى أن عبور مضيق جبل طارق الحالي يتطلب تجاوز ما يصل إلى أربعة عشر كيلومترا من البحر، لكن «ربما كانت هذه المسافة أقصر في الماضي بسبب النشاط التكتوني العالي في المنطقة والتقلبات في مستوى سطح البحر التي سهلت الهجرات».

«وكما هو مذكور في الدراسة، فقد حددنا هجرات أخرى للحيوانات الأفريقية عبر جبل طارق في أوقات سابقة، قبل 6.2 و5.5 مليون سنة، عندما كان مضيق جبل طارق أضيق بكثير».

بقايا بشرية في أورثي:

منذ انطلاق أعمال التنقيب في عام 1982 على يد عالم الحفريات جوزيب جيبرت، عُثر على خمس بقايا بشرية في مواقع منطقة أورثي. في البداية، اكتُشفت شظيتان من عظم العضد عضته الضباع في فينتا ميسينا، بالإضافة إلى أجزاء من جزء من الجمجمة بما في ذلك عظمتان جداريتان وعظم قذالي تعود لحيوانات من العصر البليستوسيني المبكر.

كان تحديد الأصول البشرية لهذه البقايا موضوعًا مثيراً للجدل لسنوات، لكن الدراسات المستقلة للبروتينات القديمة التي أجرتها جامعات غرناطة وسان فرانسيسكو حددت البروتينات البشرية في هذه البقايا.
قال لويس جيبرت: «إن الاكتشاف اللاحق في مواقع بارانكو ليون ومنطقة فوينتي نويفا 3 القريبة ضرسين بشريين والآلاف من الأدوات الحجرية القديمة، بالإضافة إلى علامات القطع على العظام «ساعد في تعزيز الأدلة على وجود بشراناوي في العصر البليستوسيني المبكر في أورثي».

 

المصدر: phys.org

ترجمة: علاء شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *