هل تعتبر الحفريّات الحيّة قديمة، أم أنها فريدة من نوعها؟
يُقدم المقياس الجديد، المُسمى «التراث التطوري»، نهجًا مبتكرًا لتقييم ثراء وتعقيد الحياة، من خلال تسليط الضوء على أهمية السمات الفريدة للأنواع، والتي تشمل التكيفات الفسيولوجية، مثل تنوّع المناقير لدى الطيور.
هذا الأمر ذو أهمية خاصة في ظلّ التغيرات المتسارعة التي تُهدد التنوع البيولوجي على كوكبنا. قد يُساعد فهمنا لهذا الأمر في الإجابة على بعض النقاشات الدائمة في هذا المجال، مثل ما إذا كانت «الأحافير الحية»، مثل الأسماك الرئوية التي لا يبدو عليها أي تغيير منذ ملايين السنين، لا تزال تتطور أم لا.
قدم علماء من كلية إمبريال كوليدج لندن وجمعية لندن لعلم الحيوان وجامعة كانتربري في نيوزيلندا مقياسًا جديدًا لتقييم تراكم وفقدان الصفات التطورية المحددة عبر الزمن.
قاد البروفيسور جيمس روزينديل من قسم علوم الحياة في جامعة إمبريال كوليدج لندن فريقًا بحثيًا توصّل إلى هذه النتائج، والتي تم نشرها في مجلة «سيتماتيك بيولوجي».
يُؤكّد البروفيسور روزينديل على أن قياس التنوع البيولوجي لا يقتصر على ثراء الأنواع فحسب، بل يشمل أيضاً غنى السمات التي توارثتها عبر مسار التطور، والتي غالبًا ما تُهمل في قياسات التنوع البيولوجي التقليدية.
من التاريخ إلى التراث
تعدّدت الأساليب المستخدمة في قياس التنوّع البيولوجي في مختلف النظم البيئية. ولعلّ أبسطها كان إحصاء الأنواع المختلفة الموجودة في البيئة ذاتها.
لكن شهدت حقبة التسعينيات نقلة نوعية في هذه الأساليب، تمثلت بالاهتمام بالتاريخ التطوري للأنواع. فأصبح التركيز ينصب على المسافات التطورية بينها، أي مدى قربها من بعضها البعض من حيث الارتباط التطوري.
تخيل شجرة لكل أشكال الحياة على الأرض، تُشبه هذه الشجرة هيكلًا متفرعًا، حيث تمثل كلّ فرع سلالة تطورية مُميزة، بينما تُمثل الأوراق التي تتدلى من الفروع الأنواع الحالية التي نراها اليوم.
يُقاس التاريخ التطوري لمجموعة من الأنواع من خلال جمع الفروع، وتتبع المسار التطوري الذي يربط الأنواع بسلف مشترك، يعتمد هذا القياس على مبدأ أنّ الأنواع ذات القرابة الأبعد تميل إلى الاختلاف بشكلٍ أكبر عن بعضها البعض، مقارنة بالأنواع التي انفصلت عن بعضها البعض مؤخرًا نسبيًا.
مع ذلك، تكمن إحدى عيوب التنوع التطوّري بأنه غالبًا ما يفشل في الإحاطة الكاملة بالسمات الوظيفية التي تجعل الأنواع مختلفة جسديًا وبيئيًا عن بعضها البعض.
قد تكون الأنواع وثيقة الصلة ببعضها البعض، لكنها تتمتع بسمات مختلفة تمامًا، مثل الفيلة الآسيوية والأفريقية التي تطورت للتكيف مع بيئاتها المختلفة. فالفيلة الأفريقية تمتلك آذانًا أكبر وتجاعيدًا أكثر على جلدها الأمر الذي يساعدها على إشعاع المزيد من الحرارة. وهذا ما يبرز أهمية التراث التطوري.
وقال البروفيسور روزيندل: «بفضل التراث التطوري، نسعى إلى استخلاص جميع السمات الفريدة التي نفترض وجودها، والتي قد يكون لها جميع أنواع الاستخدامات الهامة، لكن لم يتم تحديدها وقياسها رسميًا بعد».
لا يقتصر الموروث التطوري على تراكم السمات البيولوجية عبر الزمن فحسب، بل يشمل أيضًا تناقصها، أي الفقدان التدريجي للسمات من خلال آليات أخرى غير الانقراض.
لا تتميز الأنواع عن بعضها البعض فقط من خلال اكتساب سمات جديدة على طول فروعها التطورية، بل تفقد أيضًا سمات ورثتها من سلفها المشترك.
يمكن دراسة هذه الظاهرة من خلال حسابات أو محاكاة باستخدام خوارزميات تُشير إلى فرصة عشوائية لاكتساب أو فقدان سمة موجودة.
يقول الدكتور ويل بيرس، الباحث المشارك في الدراسة، والمدرس في قسم علوم الحياة في جامعة إمبريال: «لقد تمكنا من الاحاطة بمفهوم لطالما اهتم به علماء الأحياء التطورية، لكننا واجهنا صعوبة في التعبير عنه رياضيًا».
ليُتبع القول البروفيسور مايك ستيل، عالم الرياضيات البيولوجية من جامعة كانتربري، وأحد القائمين على الدراسة: «اعتُبر التنوع التطوري مقياسًا لتنوع السمات، لكنه يغفل حقيقة أن السمات لا تنشأ فحسب، بل تُفقد أيضًا عبر شجرة التطور».
ويُضيف: «يقدّم التراث التطوري طريقة للتعامل مع هذه العملية من الكسب والفقدان بطريقة متكاملة وطبيعية رياضيًا».
شرح مفهوم «الحفريات الحية»
يُعد مفهوم «الحفريّات الحية» موضوعًا مثيرًا للجدل لدى العلماء، إذ يشير إلى أنواع حية تُظهر تغيرات طفيفة جدًا على مدار فترات جيولوجية طويلة، ممّا يُضفي عليها مظهرًا مشابهًا بشكل كبير لأسلافها القدماء. سعى فريق من الباحثين لتطبيق إطار عملهم لفهم هذا المفهوم وتسوية الجدل الدائر حوله.
مع ذلك، ينفر العديد من العلماء من هذا المصطلح لأنه يوحي بأن الأنواع التي نشاهدها اليوم متطابقة حرفيًا مع أسلافها. صرح الأستاذ روزنديل قائلاً: «هذه الفكرة خاطئة؛ لا يمكن ببساطة إيقاف التطور. ستستمر الكائنات الحية في التحول الجيني ولن تنجو جميعها لتتكاثر، لذا سيحدث التطور».
تُقدم دراسة التراث التطوري عدسة جديدة لفهم الحفريّات الحية، حيث تُعرّف هذه الدراسة وتُحدد الحفريّات الحية من خلال تفرّدها ونُدرة سماتها التطورية المُتوقعة، بدلًا من تشابهها السطحي مع الأنواع القديمة.
تطرح هذه الورقة البحثية نهجًا جديدًا لتحديد الحفريّات الحية، لا يعتمد على مجموع سمات أسلاف هذه الكائنات، بل على تفرّد أو ندرة هذه السمات بين الأنواع الحية الأخرى التي تنحدر من نفس السلف.
أوضح البروفيسور روزينديل قائلًا: «إذا تأملنا في مجموعة من السمات الوراثية للأسلاف، سنلاحظ أن بعضها لن يبقى على الإطلاق، بينما سينجو البعض الآخر في عدد قليل جدًا من الأنواع الحية، وربما نجد البعض الآخر موجودًا في آلاف الأنواع المنحدرة اليوم».
وأضاف: «وفقًا لطريقتنا، فإن الأنواع التي تتمتع بسمات سلافية نادرة هي تلك التي تبرز وتُصنف كحفريّات حية».
يواصل الفريق حاليًا التحقق من صحة أفكاره باستخدام بيانات الجينات والسمات، إلى جانب تطوير نماذجه بشكل أكبر للاستخدام المحتمل في تطبيقات الحفاظ على البيئة وبحوث علم البيئة.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org