كيف سمح التطور للطيور الصغيرة باستكشاف تنوع مذهل في أنماط الطيران؟
تُظهر الطيور الصغيرة تنوعًا هائلاً في تقنيات الطيران، بدءًا من التحليق المتقن لطائر الطنان في الهواء، إلى القفزات المتقطعة للعصافير، وصولًا إلى التحليق الشاهق للصقور والسنونو. دراسة جديدة من جامعة كورنيل كشفت النقاب عن أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التنوع.
اكتشف الباحثون أن العظام الحاملة للثِقل داخل أجنحة الطيور الصغيرة، تتمتع بمرونة أكبر في التطور مقارنة بنظيراتها من الطيور الكبيرة. يعود ذلك إلى أن الطيور الأكبر حجمًا بحاجةٍ إلى مقاومة مستويات أعلى من الإجهاد على هياكلها العظمية.
يُوضح أندرو أوركني، الباحث الرئيسي في الدراسة، والأستاذ المساعد في العلوم الطبية، وباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر براندون هيدريك، قائلاً: «تخضع الطيور الكبيرة لإجهادات ميكانيكية أكبر أثناء الطيران، ما يحدّ من قدرتها على تطوير أشكال أجنحة متنوعة مقارنة بالصغيرة».
تُقدم هذه الدراسة، التي نُشرت في دوريّة نيتشر كوميونيكيشنز، تأثيرات هامة على فهمنا للتطور البيولوجي للحيوانات، بما يتجاوز فهمنا لتطور الطيور.
أوضح الدكتور هيدريك قائلاً: «لاحظنا أنّ في حالة الطيور ذات الحجم الأكبر، لا بدّ من حدوث تغييرات متزامنة في مكونات هيكلية متعددة لأجنحتها، بدلاً من إمكانية تطوّر أجزاء مختلفة من الأجنحة بشكل مستقل. إن تعديل جزء صغير من الجناح أسهل بكثير من تعديل الجناح بأكمله. ما قد يُشير إلى أن الحيوانات ذات الحجم الكبير أقلّ قدرة على التطور بسرعة والانتقال لمواطن بيئية جديدة بشكل عام».
تتميز الطيور بتنوع هائل في كتلة أجسامها، حيث تختلف بنحو 10 آلاف مرة من نوع لآخر. يجعل هذا التنوّع من الطيور نموذجًا مثاليًا لدراسة مدى تأثير كتلة الجسم على أساليب الطيران بشكل عام، كما يرى الباحثون. يُفسِّر هذا التنوع أيضًا النجاح التطوري الاستثنائي لبعض سلالات الطيور ذات الأجسام الصغيرة، فعلى سبيل المثال، من بين 11,000 نوع من الطيور، يصل عدد أنواع الطيور المغرّدة، التي تتميز بأجسامها الصغيرة، إلى 6,500 نوع تقريبًا.
يُشير الباحث هيدريك قائلًا : «تمثّل الطيور الطنانة مجموعة صغيرة ناجحة للغاية، لكن لا تُضاهيها أيّ مجموعة أخرى ضمن الطيور من حيث النجاح سوى الطيور المغردة».
استخدم الباحثون مجموعات بيانات مفتوحة المصدر نُشرت سابقًا تضمّنت قياسات دقيقة جُمعت من 228 هيكل عظميّ لطائر خضع لفحص التصوير المقطعي المُحوسب الدقيق (ميكرو سي تي). وُضعت علامات مرجعية على كلّ عظمة لتحديد مواضعها. وباستخدام هذا الأرشيف، طبق كلّ من أوركني وهيدريك أساليب إحصائية لتقييم مدى ترابط تطوّرات العظام المختلفة، سواءً معًا أو بشكلٍ مستقلٍّ عن بعضها البعض، عبر شجرة عائلة الطيور. يُعرف هذا الترابط باسم «التكامل التطوري» للعظام.
في دراساتهم المستقبلية، يعتزم الباحثون التحقيق في كيفية تفاعل التغييرات التي تحدث داخل القفص الصدري والبطن مع الجناح عند الطيور الصغيرة، مع محاولة الإجابة على سؤال ما إذا كان تكامل أجزاء الجسم للطيران يختلف بين الطيور التي تولد قادرة على الطيران مباشرة بعد الفقس، والطيور التي تولد عاجزة عن الطيران. بالإضافة إلى ذلك، سيدرس الباحثون الخفافيش التي تطورت قدرة الطيران لديها بشكل مستقل عن الطيور، لمعرفة ما إذا كانت تتبع نفس القواعد التطورية أم أنّ هناك طرق أخرى لبناء جسم الفقاريات القادرة على الطيران.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org