غالبًا ما تُفقد السمات أثناء التطور، إما لأنها لم تعد مفيدة أو لأن الحفاظ عليها أصبح مكلف للغاية. عندما يحدث هذا، يُعتقد أن الجينات الكامنة وراء السمة ستتحلل أيضًا في النهاية، وبذلك ستختفي هذه السمة إلى الأبد. ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة الطبيعية على سمات كانت مفقودة في السابق، ولكنها عادت إلى الظهور في السلالات المنحدرة.
وفقًا لغيوب فورني، زميل باحث في جامعة بولونيا: «يشير رسم خريطة للسمات التي تظهر وتختفي على شجرة الأنواع إلى أن بعض السمات التي اختفت عند بعض الأنواع، عادت لتظهر بعد ذلك عند أنواع أخرى منحدرة منها. تعتبر أجنحة الحشرات العصوية واحدة من الأمثلة الأكثر شهرة لهذه العملية التطورية».
فالجينات الكامنة وراء هذه السمات يمكن الحفاظ عليها، في بعض الحالات لملايين السنين. ولسوء الحظ، فإن الأبحاث حول الأساس الجزيئي لمثل هذا الظهور متناثرة، مما يترك الآليات الأساسية المسؤولة عن هذا الحفاظ غير معروفة بشكل واضح حتى الآن.
وفي دراسة جديدة نشرت في مجلة Genome Biology and Evolution، سلط فورني وزملاؤه الضوء على سمة معقدة أخرى فقدت في بعض الحشرات العصوية، وهي إنتاج الذكور.
يؤدي فقدان القدرة على إنتاج الذكور إلى وجود إناث فقط، والتي تتكاثر عن طريق التوالد العذري، وهو شكل من أشكال التكاثر اللاجنسي. تكشف الدراسة أن الجينات المرتبطة بشكل كبير بالشبكات التنظيمية والمشاركة في عمليات بيولوجية متعددة يمكن الحفاظ عليها لفترة طويلة بعد فقدان السمة، مما يوفر وسيلة محتملة لإعادة ظهور هذه السمة على نطاقات زمنية تطورية طويلة.
في الدراسة الجديدة، أجرى فورني وزملاؤه باربرا مانتوفاني، وألكسندر س. ميخييف، وأندريا لوتشيتي تحليلًا مقارنًا لثلاثة أنواع من الحشرات العصوية في جنس العصوية. تتكون مجموعات الحشرات العصوية غراندي ماريتيمي Bacillus grandii marettimi من ذكور وإناث تتكاثر جنسيًا، ومجموعات الحشرات العصوية أتيكوس Bacillus atticus من مجموعات من الإناث فقط تتكاثر عن طريق التوالد العذري.
يشمل النوع الثالث، وهو الحشرات العصوية روسيوس Bacillus rossius كلًا من المجموعات التي تتكاثر جنسيًا والتي تتكاثر عن طريق التوالد العذري. من خلال دراسة مصير الجينات المشاركة في تكاثر الذكور في هذه الأنواع الثلاثة، سعى المؤلفون إلى التحقق من مدى الحفاظ على الجينات بعد فقدان السمات والآليات المحتملة التي تقود هذا الحفظ.
حدد الباحثون أولاً شبكات الجينات التي ارتبط تعبيرها بتكاثر الذكور أو الإناث في الأنواع الجنسية ماريتيمي، ثم قيموا نفس الجينات في أتيكوس وروسيوس، والمثير للدهشة أن الجينات المرتبطة بالذكور لم تظهر أي علامات على ضعف الانتقاء أو التطور المتسارع مقارنة بالجينات المرتبطة بالأنثى في الأنواع التوالدية. علاوة على ذلك، كانت أنماط التعبير الجيني المرتبطة بالذكور في كلا النوعين المتوالدين محفوظة جزئيًا.
وبالتعمق أكثر، وجد الباحثون أن هناك تعبير عن الجينات الموجودة في الشبكات المرتبطة بالإناث بشكل أساسي في الأنسجة التناسلية الأنثوية، في حين أن التعبير عن الجينات الموجودة في الشبكات المرتبطة بالذكور موجود في الأنسجة التناسلية الذكرية والأنثوية، بما في ذلك الأنواع التي تتوالد عذريًا والتي تتكاثر جنسيًا. ويشير هذا إلى أن الجينات المرتبطة بالذكور قد تلعب أيضًا دورًا في تكاثر الإناث.
يُعرف تورط الجين في عمليات بيولوجية متعددة باسم تعدد الأشكال، وقد تفسر هذه الظاهرة الحفاظ على الجينات المرتبطة بالذكور في هذه الحشرات العصوية العذرية.
وجد الباحثون أيضًا أن الجينات المرتبطة بشكل كبير بالعديد من الجينات الأخرى في الشبكة يُعبر عنها غالبًا في الأنسجة التناسلية عند أنواع التوالد العذري، مما يشير إلى أن اتصال شبكة الجينات قد يؤثر أيضًا على الحفاظ على الجينات بعد فقدان السمة.
تشير هذه النتائج مجتمعة إلى أنه «قد يكون السبب في استمرار وجود الأساس الجيني لإنتاج الذكور هو التأثيرات متعددة المظاهر لهذه الجينات على السمات الأخرى‘ إذ تتأثر الجينات المختلفة بمسارات مختلفة من الحفظ والتحلل اعتمادًا على مستوى تعدد الأشكال داخل شبكتها التنظيمية».
لا تلقي هذه الدراسة الضوء على استمرارية الهندسة الوراثية بعد فقدان السمات فحسب، بل تقدم أيضًا لمحة محتملة عن ظهور الذكور النادر والجنس الخفي (أي الجيل العرضي للذكور والتكاثر الجنسي)، والتي لوحظت في عدد متزايد من الأنساب التي كان يعتقد أنها فقدت القدرة على إنتاج الذكور منذ فترة طويلة. يفتح ذلك آفاقًا جديدة محتملة للبحث، مع آثار قد تصل إلى ما هو أبعد من الحشرات العصوية.
بحسب فورني: «إن النظر إلى مدى انتشار الحفاظ على الجينات بعد فقدان السمات على نطاق أوسع أمر أساسي للتأكد من نتائجنا. على الرغم من أن مجموعة أنواع الحشرات العصوية تقدم إطارًا جيدًا في فهم هذه الظواهر، لكن سيكون من المفيد دراسة أنواع أخرى أكبر حدثت لديها تحولات متعددة في استراتيجيات التكاثر».
في حين أنه من الضروري في كثير من الأحيان الاعتماد على الأنواع النموذجية لاكتشاف وتشريح العمليات البيولوجية، لكن الأهم من ذلك هو اختبار فرضياتنا في سياق أوسع. ولن يكون هذا ممكنا إلا إذا كرسنا المزيد من الجهد لمراقبة وتحليل التنوع المذهل للكائنات الحية وتكيفاتها المعقدة.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org