فكّ الشفرة الجينومية لأقدم أشكال الحياة النباتية الأرضية
ظهرت الحياة النباتية لأول مرة على الأرض منذ حوالي 550 مليون سنة. فك فريق بحث دولي بقيادة عالم الأحياء الحسابي بجامعة نبراسكا لينكولن، يانبين يين، الشفرة الجينية لبداياتها المتواضعة، والتي مكنت جميع أشكال الحياة الأرضية الأخرى على الأرض من الوجود، بما في ذلك البشر.
وأنتج الفريق المؤلف من حوالي 50 عالمًا من ثمانية بلدان أول تسلسل جينومي لأربعة سلالات من طحالب زيغنيما Zygnema، وهي أقرب الأقارب الحية للنباتات البرية. تسلط النتائج التي توصلوا إليها الضوء على قدرة النباتات على التكيف مع البيئة وتوفر أساسًا غنيًا للأبحاث المستقبلية.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature Genetics.
وقال يين، الذي قاد فريق البحث مع عالم من ألمانيا: «يقدم لنا هذا البحث قصة تطورية. إنه يجيب على السؤال الأساسي حول كيفية تطور النباتات البرية المبكرة من طحالب المياه العذبة المائية».
يتمتع مختبر يين في مركز نبراسكا للأغذية التابع لقسم علوم وتكنولوجيا الأغذية بتاريخ طويل في دراسة كربوهيدرات جدار الخلايا النباتية، وهي مكون رئيسي للألياف الغذائية للإنسان وحيوانات المزرعة، وأحد الحواجز الطبيعية لحماية المحاصيل من مسببات الأمراض والضغوط البيئية.
انفجرت جميع أشكال الحياة النباتية الحالية على الأرض من حدث تطوري لمرة واحدة يُعرف باسم «تريض النباتات» (أي غزو الأراضي الجافة بالنباتات)، وبدأ ذلك من طحالب المياه العذبة القديمة. ظهرت النباتات البرية الأولى، المعروفة باسم الجنينية ضمن فرع العقديات، على الأرض منذ حوالي 550 مليون سنة، وأدى وصولها إلى تغيير سطح الكوكب والغلاف الجوي بشكل أساسي.
جعل ذلك جميع أشكال الحياة الأرضية الأخرى، بما في ذلك البشر والحيوانات، فقد شكلت هذه الخطوة الأساس التطوري للنباتات والغذاء للحيوانات في المستقبل.
عمل الباحثون مع أربع سلالات من الطحالب من جنس زيغنيما Zygnema، اثنتان من مجموعة استزراع في الولايات المتحدة واثنتان من ألمانيا. دمج العلماء مجموعة من تقنيات تسلسل الحمض النووي المتطورة لتحديد تسلسل الجينوم الكامل لهذه الطحالب.
مكنت هذه الأساليب العلماء من توليد جينومات هذه الكائنات على مستوى الكروموسومات بشكل كامل، وهو أمر لم يحدث من قبل على هذه المجموعة من الطحالب. أدت مقارنة الجينوم مع تلك الموجودة في النباتات والطحالب الأخرى إلى اكتشاف وفرة محددة من إنزيمات جدار الخلية، وجينات الإشارة وعوامل الاستجابة البيئية.
إحدى السمات الفريدة لهذه الطحالب والتي عُرفت من خلال التصوير المجهري الذي أُجري في جامعة إنسبروك في النمسا، وجامعة هامبورغ في ألمانيا، ومركز التكنولوجيا الحيوية التابع لجامعة نبراسكا UNL، هي وجود طبقة سميكة ولزجة للغاية من الكربوهيدرات خارج جدران الخلايا، تسمى طبقة الصمغ.
طور شوان فينغ، وهو المؤلف الأول للورقة البحثية وباحث مشارك في مرحلة ما بعد الدكتوراه في هاسكر طريقة جديدة وفعالة لاستخراج الحمض النووي لإزالة طبقة الصمغ هذه للحصول على نقاوة عالية وحمض نووي جزيئي عالٍ.
وقال إيكر إيريساري من جامعة هارفارد، معهد لايبنيز لتحليل تغير التنوع البيولوجي والمؤلف الأول المشارك لهذه الورقة: «من المثير للدهشة أن وحدات البناء الجينية، التي تسبق أصولها النباتات البرية بملايين السنين، تضاعفت وتنوعت في أسلاف النباتات والطحالب، وبذلك مكنت من تطور آلات جزيئية أكثر تخصصًا».
وقال القائد المشارك الآخر للفريق، جان دي فريس من جامعة غوتنغن: «نحن لا نقدم فقط مصدرًا قيمًا وعالي الجودة للمجتمع العلمي النباتي بأكمله، والذي يمكنه الآن استكشاف بيانات الجينوم هذه، بل نقدم أيضًا ما كشفته تحليلاتنا عن تعقيدات الروابط بين الاستجابات البيئية».
تنتمي طحالب زيغنيما الأربع متعددة الخلايا إلى فئة الطحالب المترابطة أو الطحالب التزاوجية Zygnematophyceae، وهي أقرب الأقارب الأحياء للنباتات البرية. تضم هذه الفئة من طحالب المياه العذبة وطحالب شبه الأرضية أكثر من 4000 نوع موصوف.
تمتلك هذه الفئة تكيفات تسمح لها بتحمل الضغوطات الأرضية، مثل الجفاف والأشعة فوق البنفسجية والتجميد وغيرها من الظروف القاسية. ويكمن المفتاح في فهم هذه التعديلات بالتسلسل الجينومي. قبل هذه الورقة، كانت تسلسلات الجينوم متاحة فقط لأربعة فطريات أحادية الخلية.
وقال يين إن هذا البحث يتماشى مع واحدة من الأفكار العشر الكبرى لمؤسسة العلوم الوطنية وهي قاعدة: «فهم قواعد الحياة» لمواجهة التحديات البيئية، من المياه النظيفة إلى القدرة على التكيف مع المناخ. ويحمل هذا الاكتشاف أيضًا أهمية في العلوم التطبيقية، مثل الطاقة الحيوية واستدامة المياه وعزل الكربون.
وتابع يين: «تكشف تحليلات شبكة الجينات لدينا عن التعبير المشترك للجينات، وخاصة الجينات المتعلقة بتخليق جدار الخلية وإعادة التعديل التي توسعت واكتُسبت في آخر سلف مشترك للنباتات البرية والفطريات الزيغنيمية».
«لقد سلطنا الضوء على الجذور التطورية العميقة لآليات موازنة الاستجابات البيئية ونمو الكائنات متعددة الخلايا».
يضم التعاون البحثي الدولي حوالي 50 باحثًا من 20 مؤسسة بحثية في ثماني دول هي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والنمسا وكندا والصين وإسرائيل وسنغافورة. ومن بين الباحثين الآخرين في فريق هوسكر، تشي تشانغ، أستاذ العلوم البيولوجية، وجيفري موور، أستاذ الهندسة الزراعية والبستنة.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org