دراسة تبكر تاريخ أقدم مثال مسجل سابقًا لظاهرة الإضاءة الحيوية لدى الحيوانات قرابة 300 مليون عام
بينت نتائج دراسة جديدة أجراها علماء من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة سميثسونيان في العاصمة الأمريكية، واشنطن، أن الإضاءة الحيوية ظهرت لأول مرة عند الحيوانات منذ 540 مليون سنة على الأقل، في مجموعة من اللافقاريات البحرية تسمى المرجانيات الثمانية أو ذوات اللوامس الريشية.
نُشرت نتائج الدراسة بتاريخ 23 أبريل في مجلة وقائع الجمعية الملكية البريطانية: علم الأحياء (Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences)، وبينت الدراسة أن تاريخ أقدم ظهور موثق لصفة الإضاءة في الحيوانات يعود إلى 540 مليون سنة على الأقل بالمقارنة مع أحدث دراسة سابقة قدرت تاريخ ظهور الإضاءة في الحيوانات إلى 276 مليون سنة، وقد يساعد ذلك العلماء في يوم ما على معرفة سبب تطور القدرة على إنتاج الضوء في المقام الأول.
تطورت الإضاءة الحيوية، التي تعرف بأنها قدرة الكائنات الحيّة على إنتاج الضوء من خلال تفاعلات كيميائية بشكل مستقل، في الطبيعة 94 مرة على الأقل، ولها دور رئيسي في مجموعة واسعة من السلوكيات بما في ذلك التمويه والمغازلة والتواصل والصيد. قبل وضع هذه الدراسة، كان يعتقد أن أقدم أصل مؤرخ للإضاءة الحيوية لدى الحيوانات يعود إلى حوالي 267 مليون سنة مضت عند القشريات البحرية الصغيرة التي تسمى الصدفيات.
مع أن السمة المدروسة هي سمة إضاءة بالمعنى الحرفي، إلا أن أصول الإضاءة الحيوية ظلت غامضة. قالت أندريا كواتريني، أمينة قسم الشعاب المرجانية في المتحف والمؤلفة الرئيسية للدراسة: «لا أحد يعلم حقًا سبب تطور صفة الإضاءة الحيوية لأول مرة في الحيوانات». بالنسبة لكواتريني والمؤلفة الرئيسية للدراسة والباحثة المشاركة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة سميثسونيان والزميلة السابقة لدرجة ما بعد الدكتوراه، دانييل دي ليو، كان هناك حاجة لمعرفة متى ظهرت الإضاءة الحيوية لأول مرة عند الحيوانات، بهدف الحصول على إجابة حول السؤال الأكبر المرتبط بسبب تطورها.
سعى الباحثون للكشف عن الأصول الأولى لهذه الخاصية، لذا قرروا العودة بتاريخ تطور المرجانيات الثمانية، وهي مجموعة حيوانات بحرية قديمة جداً تضيء حيويًا بشكل متكرر، وتشمل المرجانيات الرخوة ومراوح البحر وأقلام البحر.
على غرار المرجانيات الصلبة، تتكون المرجانيات الثمانية من مستعمرات صغيرة من السليلات التي تفرز هيكلًا يصبح ملجأً لها، ولكن على عكس أقاربها الصخرية، يكون هذا الهيكل ليّنًا عادةً. لا تضيء المرجانيات الثمانية عادةً إلا عند اضطرابها أو تحريكها، ما يجعل الوظيفة الدقيقة لقدرتها على إنتاج الضوء غامضة إلى حد ما.
قالت دي ليو: «أردنا تحديد تاريخ نشأة الإضاءة الحيوية، وتعد الشعب المرجانية الثمانية واحدة من أقدم مجموعات الحيوانات على كوكب الأرض التي يُعرف عنها امتلاكها هذه الخاصية. لذا كان السؤال: متى طوّرت هذه القدرة؟».
في تطور لافت للنظر، أكمل كل من كواتريني وماكفادن من كلية هارفي مود في عام 2022، شجرة تطورية مفصلة للمرجانيات الثمانية. وضعت كواتريني وفريق البحث الخاص بها هذه الخريطة للعلاقات التطورية، أو شجرة تطور السلالات، باستخدام البيانات الجينية المستخلصة من 185 نوعًا من المرجانيات الثمانية.
وبعد وضع دي ليو وكواتريني الشجرة التطورية بالاعتماد على أدلة جينية راسخة، أضافتا اثنين من أحافير المرجانيات الثمانية ذات الأعمار المعروفة داخل الشجرة استنادًا إلى خصائصها الفيزيائية. تمكن العلماء من استخدام أعمار الأحافير ومواقعها المقابلة في شجرة تطور المرجانيات الثمانية لتقدير الفترات التقريبية التي انفصلت فيها سلالات المرجانيات الثمانية لتتفرع إلى فرعين أو أكثر.
بعد ذلك، رسم الفريق خريطة لفروع شجرة تطور السلالات التي تضم الأنواع الحية التي تمتلك سمة الإضاءة الحيوية. وبعد تحديد عمر الشجرة التطورية ووضع علامات على الفروع التي تحوي أنواعًا مضيئة، استخدم الفريق سلسلة من التقنيات الإحصائية لإجراء تحليل «إعادة بناء الحالة الأصلية».
قالت كواتريني: «إذا علمنا أن هذه الأنواع من الشعاب المرجانية الثمانية الحية تضيء حيويًا اليوم، يمكننا استخدام الإحصائيات لاستنتاج ما إذا كان من المحتمل جدًا أن تكون أسلافها مضيئة حيويًا أم لا، فكلما زاد عدد الأنواع الحية ذات السمة المشتركة، زاد احتمال أن يكون لأسلافها أيضًا هذه الصفة عند العودة بالزمن إلى الوراء».
استخدم الباحثون العديد من الأساليب الإحصائية المختلفة لإعادة بناء الحالة الأصلية، وتوصلوا إلى نتيجة واحدة: يُحتمل جدًا أن يكون السلف المشترك لجميع الشعاب المرجانية الثمانية ذو القدرة على الإضاءة الحيوية قد ظهر منذ حوالي 540 مليون سنة، أي قبل ظهور قشريات الصدفيات المتوهجة التي كانت تحمل سابقًا لقب صاحبة أقدم ظهور للضوء الحيوي عند الحيوانات بحوالي 273 مليون سنة.
أشارت كل من دي ليو وكواتريني إلى أن وجود الآلاف من الممثلين الأحياء للشعاب المرجانية الثمانية والنسبة العالية نسبيًا من الإضاءة الحيوية توحي بأن هذه السمة كان لها دور في النجاح التطوري للمجموعة. وبينما يثير هذا الأمر المزيد من التساؤلات حول الغرض الحقيقي من استخدام الشعاب المرجانية الثمانية للإضاءة الحيوية، أشارت الباحثتان إلى أن حقيقة احتفاظها بهذه الخاصية لفترة طويلة تسلط الضوء على مدى أهمية هذا الشكل من التواصل لسلامتها وبقائها.
بعد إدراكهم لاحتمالية امتلاك السلف المشترك لجميع الشعاب المرجانية الثمانية القدرة على إنتاج ضوئه الخاص، اهتم الباحثون بإجراء إحصاء أكثر تفصيلاً لتحديد أي من الأنواع الحية في المجموعة التي تضم أكثر من 3000 نوع احتفظ بقدرته على الإضاءة وأيها فقد هذه الخاصية. يمكن أن يساعد هذا الأمر في تحديد مجموعة من الظروف البيئية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على الإضاءة الحيوية وإمكانية الكشف عن وظيفتها.
تحقيقًا لهذه الغاية، ذكرت دي ليو أنها تعمل مع بعض المؤلفين المشاركين لها على إنشاء اختبار جيني لتحديد ما إذا كان نوع من الشعاب المرجانية الثمانية يمتلك نسخًا وظيفية للجينات الأساسية لإنزيم لوسيفيراز الذي يملك دورًا في الإضاءة الحيوية. سيُمكّن مثل هذا الاختبار الباحثين من الحصول على إجابة أسرع وأسهل حول الأنواع التي لم يُعرف عنها إذا كانت تضيء أم لا.
إضافة لكشفها أسرار نشأة الإضاءة الحيوية، تقدم هذه الدراسة سياقًا تطوريًا ومعلومات قيّمة يمكن أن تفيد في رصد الشعاب المرجانية وإدارتها في الوقت الحالي. تواجه هذه الشعاب مخاطر عديدة بسبب التغيّر المناخي وأنشطة استخراج الموارد ولا سيما الصيد واستخراج النفط والغاز والانسكابات النفطية، إضافة إلى استخراج المعادن البحرية الذي بدأ مؤخرًا.
يساهم هذا البحث في دعم مركز علوم المحيطات بالمتحف الذي يهدف إلى تعزيز المعرفة حول المحيطات مع العالم وتبادلها. أشارت كل من دي ليو وكواتريني إلى وجود الكثير لتعلمه قبل أن يتمكن العلماء من فهم سبب تطور القدرة على إنتاج الضوء لأول مرة، ومع أن نتائج الدراسة تعود بأصولها إلى عمق الزمن التطوري، إلا أن احتمال إرجاع الدراسات المستقبلية لظهور الإضاءة الحيوية لفترة أقدم مايزال قائمًا.
تضم هذه الدراسة مؤلفين تابعين لجامعة فلوريدا الدولية، ومعهد أبحاث خليج مونتري باي للأحياء المائية، وجامعة ناغويا، وكلية هارفي مود، وجامعة كاليفورنيا، سانتا كروز.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org