التكيفات الجينية واختلاف مكونات الدم

دراسة حديثة تفسر كيف أدت التكيفات الجينية إلى اختلافات في مكونات الدم بين مجموعتين سكانيتين من بابوا غينيا الجديدة

تتميز بابوا غينيا الجديدة بتنوعها البيئي الواسع ما يُشكل تحديات فريدة من نوعها لبقاء الإنسان حيًا. ويشكل سكان المرتفعات والسفوح في بابوا غينيا الجديدة أمثلة حية على المجتمعات التي تواجه ضغوطًا بيئية مميزة. ففي حين يواجه سكان المرتفعات نقصًا في توفر الأكسجين بسبب الارتفاع، يتعرض سكان السفوح لمسببات الأمراض المحددة التي لا توجد في المرتفعات كالملاريا. وعلى الرغم من هذه الضغوط البيئية القوية، ظلت التكيفات الخاصة بهذه التجمعات غير ملحوظة.

تُلقي دراسة حديثة، نُشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، الضوء على التكيفات الجينية لشعب بابوا غينيا الجديدة استجابةً لضغوطات بيئية فريدة.

تستند الاكتشافات الجديدة المقدمة إلى تسلسلات جينوم كاملة جديدة خاصة بسكان المرتفعات والسهول في بابوا غينيا الجديدة. جُمِعت البيانات من قبل مشروع «بابيوان باست» الذي يضم باحثين من جامعات تارتو (إستونيا) وتولوز (فرنسا) وبابوا غينيا الجديدة.

يشرح البروفيسور فرانسوا كزافييه ريكو، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية التابع لمركز أبحاث التنوع البيولوجي والبيئة (في جامعة تولوز، فرنسا)، قائد المشروع والمؤلف المسؤول عن المراسلات: «قمنا بدراسة بصمات الانتقاء الطبيعي في الجينومات الكاملة المُتسلسلة حديثًا لـ 54 من سكان مرتفعات بابوا غينيا الجديدة من جبل ويليام (مقاطعة تشيمبو) و 74 من سكان الأراضي المنخفضة من جزيرة دارو (مقاطعة ويسترن). افترضنا أن جينومات كلتا المجموعتين السكانيتين قد تشكلت بشكل مختلف للتخفيف من الآثار الضارة لبيئاتهما الخاصة».

تُوضح المؤلفة الرئيسية للدراسة، الدكتورة ماتيلد أندريه من معهد علم الجينوم في جامعة تارتو، إستونيا: «يُظهر التحليل الجيني المتغيرات المُنتقاة في دراستنا ارتباطاتٍ مع الأنماط الظاهرية المُتعلقة بالدم».

من المرجّح أن يؤثر أحد المتغيرات الجينية المُنتقاة لدى سكّان مرتفعات بابوا غينيا الجديدة على عدد خلايا الدم الحمراء. فارتفاع عدد خلايا الدم الحمراء يساعد سكّان المرتفعات على التكيّف مع انخفاض تركيز الأكسجين في تلك المناطق. بينما يرتبط المتغير المُنتقى لدى سكّان المناطق المنخفضة بنسبة خلايا الدم البيضاء.

وتُضيف الدكتورة أندريه: «يُعزّز هذا الرأي فكرة أنّ نقص الأكسجين قد شكّل القوة الدافعة الرئيسية للانتقاء الطبيعي الذي أثّر على سكان مرتفعات بابوا غينيا الجديدة. مع ذلك، من الممكن أن تكون  مسببات الأمراض المحددة قد شكّلت جينوم سكان الأراضي المنخفضة من خلال عملية الانتقاء الطبيعي».

أما الدكتور نيكولاس بروكاتو، الباحث المشارك من جامعة تولوز، فقد صرّح: «من المثير للاهتمام أن كلا الطفرات تؤثر أيضًا على معدل ضربات القلب لدى حامليها. تُظهر هذه التعددية تعقيد تفسير دور الطفرات الجينية، إذ يمكن أن تؤثر طفرة واحدة على العديد من الأنماط الظاهرية في آن واحد».

بدوره، يُضيف الدكتور مايوخ موندال، من معهد علم الجينوم، الذي شارك في قيادة المشروع: «ما يثير الاهتمام بشكل خاص، أن أحد المرشحين الأوائل للإنتقاء في المناطق المنخفضة ينحدر من أصل غير بشري».

الدينيسوفان: شعوب من أشباه البشر، سكنوا آسيا قبل استيطان الإنسان الحديث لبابوا غينيا الجديدة قبل حوالي 50,000 سنة. انقرض الدينيسوفان سريعًا في تلك الفترة لكنهم تزاوجوا مع أسلاف أبناء بابوا غينيا الجديدة وتركوا إرثهم في جينوم سكانها الحاليين. تشير هذه الدراسة إلى أن طفرة جينية في الدينيسوفان تؤثر على بنية بروتين محدد قد نُقلت مباشرة إلى جينومات بابوا غينيا الجديدة.

يخلُص الدكتور موندال إلى أن هذا البروتين المُتحور من شأنه أن يُقدم فوائد صحية لسكان الأراضي المنخفضة، تُساعدهم على البقاء على قيد الحياة في بيئتهم. بينما لا يزال السبب الدقيق وراء هذا الانتقاء غير معروف، ويطرح فرضية مفادها أن هذه الطفرة قد تُساعد سكان الأراضي المنخفضة على مقاومة مرض الملاريا.

تُلقي هذه الرؤية الجديدة الضوء على كيفية تأثير التكيف المحلي على الجينوم والظواهر الشكلية لسكان المرتفعات وسكان المناطق المنخفضة في بابوا غينيا الجديدة بشكل مختلف، ما يُبرز ضرورة دراسة مجموعات سكانية ذات خلفيات متنوعة لفهم الجوانب الرئيسية للبيولوجيا البشرية.

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *