تطوّر ضفادع الخشب في مواجهة الملوحة: درسٌ في قدرة التكيف وقابلية البقاء
لطالما ارتبط مفهوم التطور في أذهاننا بالفترات الزمنية الطويلة التي تمتد لمئات أو آلاف السنين. إلا أن دراسة حديثة نُشرت في مجلة «إيكولوجي آند إيفولوشن» بقيادة أستاذ العلوم البيولوجية البروفسو ريك ريليا، وكبير الباحثين في معهد رينسيلر للفنون التطبيقية ديفيد م. دارين، قد كشفت عن ظاهرة استثنائية: تطور نوع من الضفادع خلال 25 عامًا فقط. يعود هذا التطور السريع إلى عامل مُحفّز قد يعتبره البعض غير ضار: الملوحة.
«طوال الأعوام الثمانين الماضية، اعتمدنا في الولايات المتحدة على رش الملح في الطرقات لإذابة الجليد والحدّ من حوادث السيارات في الظروف الثلجية والجليدية»، هذا ما صرّح به البروفسور ريليا، مُشيرًا إلى أن كمية الملح التي نستخدمها على الطرقات تضاعفت أربع مرات مقارنة بما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي.
وأضاف: «مع ذلك، لا تزال الدراسات حول تأثيرات هذه الممارسة على بيئتنا محدودة. نبدأ الآن بالتعرف على أن تسرّب الملح إلى المياه العذبة قد يتسبب بموت الحيوانات، ويُعيق نمو الأسماك، ويؤدي إلى تغيرات في جنس الضفادع، ويجعلها أكثر عرضة للأمراض».
يقول عالم الأحياء، ريك ريليا: «تميل البرمائيات إلى التكاثر في الأراضي الرطبة التي تتميز بكميات مائية أصغر من البحيرات. نتيجة لذلك، تتراكم تركيزات الملح في هذه البيئات لتصل إلى مستويات مرتفعة للغاية».
ويُضيف: «اكتشفنا خلال دراستنا لمستويات الملوحة في المناطق الرطبة أن أعلى تركيز للملح كان في منطقة رطبة مجاورة لموقف سيارات تم إنشاؤه منذ 25 عامًا. وبالمقارنة مع المناطق الرطبة البكر، كانت مستويات الملوحة في هذه المنطقة أعلى بحوالي 100 مرة. ولاحظنا قدرة ضفادع الخشب على تطوير مقاومة عالية للملوحة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا وهي 10 أجيال فقط».
جمع فريق البحث بيوض الضفادع من تسعة مجموعات تعيش في بيئات متفاوتة الملوحة، ثم سمحوا للبيوض أن تفقس وتتحوّل إلى شراغيف. بعد ذلك، فحص الفريق ما إذا كانت مجموعات شراغيف ضفادع الخشب من المياه الأكثر تلوثًا بالملح قد تطورت لتتحمل مستويات أعلى من الملح.
أظهرت الدراسة أن ضفادع الخشب التي جُمعت من الأراضي الرطبة ذات الملوحة العالية، قد عاشت لفترة أطول بشكل ملحوظ عند تعرضها للملح مقارنة بثمانية مجموعات أخرى جُمعت من مناطق أخرى قريبة من الطرق مع مستويات ملوحة متفاوتة.
يشير هذا الاختلاف في قدرة التحمل إلى حدوث تكيف تطوري لدى ضفادع المستنقعات المالحة. مع ذلك، فإن قدرة الضفادع على التكيف لا تعني بالضرورة أنها ستتمكن من البقاء على قيد الحياة إذا استمرت مستويات الملوحة في الارتفاع بشكل أكبر.
يأمل ريليا أن تساعد الأفكار المكتسبة من هذه الدراسة في حماية العديد من أنواع النباتات والحيوانات التي تتعرض للتلوث الملحي.
يقول ريليا: «تُشير حقيقة تطوير هذه البرمائيات لقدرة سريعة على التكيف مع مستويات الملوحة المرتفعة في بيئتها، إلى أننا نملك الوقت لتجنب انقراض هذه الأنواع، وربما العديد من الأنواع الأخرى».
لحسن الحظ، تُبذل جهودٌ متزايدة في المدن والبلدات لتقليل استخدام أملاح إزالة الجليد دون المساس بسلامة الطرقات.
وتتضمن هذه الجهود تقنيات أكثر ذكاءً في رش الملح، مثل استخدامه بكميات أقل في الأماكن الأكثر عرضة للجليد، يُمكن تحقيق توافق بين كافة الأطياف السياسية حول هذا المقترح الذي يعود بالنفع على الجميع، حيث نستطيع خفض استخدام الملح مع حماية البيئة، والحفاظ على سلامة الطرق وتوفير المال للحكومات والمُكَلّفين.
أكّد الدكتور كيرت برينمان، عميد كلية العلوم في معهد رينسيلير، على ضرورة فهم آثار النشاط البشري على بيئتنا والسعي للتخفيف من هذه الآثار.
وأشار الدكتور برينمان إلى أهمية أبحاث الدكتور ريليا التي قدمت أدلة دامغة على تأثير ملح الطرق على أحد أنواع البرمائيات. وأضاف: «بينما تُظهر هذه النتائج قدرة بعض البرمائيات على التكيف بسرعة مع بعض السموم البيئية، تُطلق النتائج أيضًا ناقوس الخطر حول الحاجة إلى إيجاد حلول علمية وسياسية للتخفيف من هذا النوع من التلوث».
شارك ريليا في البحث كل من بريان ماتيس، وكانديس شيرميرهورن، وإسحاق شيبارد من جامعة رينسيلير.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org