تتفاعل أنثى الدودة الخيطية ذات الجنسين عندما تلتقي بذكرها في طبق بتري بشكل سريع وجذاب. فهي تستطيع تتبّع رائحته، وتتّجه نحوه مباشرة، وتصبح حاملًا في غضون لحظات من الاتصال الجسدي. يختلف الأمر كثيرًا مع الدودة الخيطية المخنّثة، مع أنها تمتلك أعضاء تناسلية أنثوية، تعتمد الدودة الخيطية على التخصيب الذاتي باستخدام مخزونها من الحيوانات المنوية. يبقى اهتمام الدودة الخيطية بالتزاوج معدومًا حتى ينضب مخزونها من الحيوانات المنوية؛ عندها فقط تبحث عن ذكور للتزاوج.
تُشير دراسة حديثة نُشرت في مجلة «كارّينت بيولوجي» إلى أن التفاصيل الدقيقة لسلوكيات التزاوج، التي كانت مجهولة سابقًا، قد تُقدم أدلة جوهرية لفهم أفضل للآليات الوراثية للانجذاب. لا تقتصر نتائج الدراسة على سدّ الثغرات الجوهرية في المعرفة حول نموذج حيواني رئيسي فحسب، بل تُلقي أيضًا ضوءًا جديدًا على تطور الاستراتيجيات التكاثرية.
تقول عالمة الأعصاب في جامعة روكفلر، كوري بارغمان: «لا يزال علماء الأحياء في بداية رحلتهم لفهم كيفية تطور السلوكيات، وتعدّ سلوكيات التودد من بين أكثر السلوكيات التي نراها إثارة». وتضيف: «درسنا طقوس التزاوج لدى الديدان الخيطية لفهم كيفيّة تغيّر السلوكيات بين الأنواع بصورة أفضل».
الديدان الخيطية الأنثوية
تُعد الديدان الخيطية، المعروفة أيضًا باسم الديدان المستديرة، مجموعة متنوعة من الكائنات الحية الموجودة في جميع أنحاء العالم. ومن بين بعض الأنواع، توجد الديدان الخنثى القادرة على التلقيح الذاتي. اختار فريق بارغمان مقارنة استراتيجيات التزاوج بين الأعضاء الخنثى وغير الخنثى من جنس ديدان الربداء.
تقول مارغريت إيبرت، المؤلفة الرئيسية للدراسة باحثة مساعدة في مختبر بارغمَان: «تبدو جميع هذه الحيوانات متشابهة»، «لكنها تستخدم أنظمتها العصبية بشكل مختلف لإنتاجِ سلوكيات تزاوج مختلفة تمامًا».
بدأ الباحثون دراستهم بمراقبة التفاعلات بين ذكور الديدان الخيطية وإناثها من جنس (الربداء الرشيقة)، وأشارت بارغمان بأنهم لم يكونوا على دراية كافية بسلوك الإناث، فقيل دراسة الأعضاء الخنثوية، كان السؤال الأول هو: «ما الدور الذي تلعبه الإناث؟».
لاحظ الفريق ثلاثة سلوكيات تزاوج بين إناث الديدان الخيطية: إذ يتبعن الذكور عن طريق الرائحة، ويتوقفن عن الحركة ما إن يتم الاتصال الجسدي بالذكر، عندها يفتحن أعضائهن التناسلية لتسهيل عملية التزاوج. تُشير الباحثة مارغريت إيبرت إل أن: «الأنثى هي نموذج للكفاءة، إذ تُظهررغبةً قوية في العثور على الشريك، وتتعاون معه بمجرد التواصل. وخلال دقيقة من لقاء الذكر، تصبح حاملاً».
تقول بارغمان: «كان أحد أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة هو أن الإناث يتبّعن الذكور عن طريق الرائحة. لم نكن نعرف ذلك، إذ يُفترض بشكل عام أن يقوم الذكور بالاختيار».
الديدان الخيطية الخنثوية
بعد ذلك، اتجه الفريق إلى دراسة الديدان الخيطية الخنثى من جنس الربداء التي تبدأ حياتها بمجموعة من خلايا الحيوانات المنوية والبويضات ولا تُتبع الذكور من خلال الرائحة. على العكس من ذلك، تتجنب هذه الديدان التزاوج بشكل نشط، وإذا ما حاول الذكور التزاوج، «يكون الأمر أشبه بثيران رياضة الروديو الهائجة»، بحسب وصف إيبرت. «تقوم الديدان بحركات مفاجئة لإبعاد الذكور والهروب».
تواصل الديدان الخيطية الخنثى إنتاج البويضات وتتوقف عن إنتاج الحيوانات المنوية كلّما تقدّمت بالعمر، وبذلك يبقى لها أمشاجًا لا يمكنها تلقيحها ذاتيًا. فجأة، تصبح الديدان الخيطية الذكور جذابة. تقول بارغمان: «بمجرد نفاذ الحيوانات المنوية، تبدل سلوكها». «لا يعني ذلك أن الكائنات الخنثى قد نسيت وظائف الذكور، بل يتعلق الأمر فقط بإخفاء هذه السلوكيات خلال جزء من حياتها، ومن ثم إطلاقها لاحقًا في فترة أخرى من حياتها، ما يكشف عن مستوى مذهل من المرونة السلوكية».
تُظهر مرونة التزاوج هذه معنىً تطوريًا. فمن منظور اللياقة البيولوجية، يجب أن يسعى أي حيوان إلى زيادة مساهمته الجينية لحدّها الأقصى. طالما يمكن للحيوانات الخنثى أن تنتج ذرية بمفردها، فلا تمتلك أي حافز للاختلاط مع الذكور.
مع ذلك، بمجرد أن تصبح الكائنات عاجزة عن الإنجاب، يصبح التزاوج، وإنتاج ذرية تحمل نصف مادتها الوراثية على الأقل، استراتيجية تطورية. يشتبه الفريق بلعب الحيوانات المنوية أو السائل المنوي دور المنظّم الذي يرسل إشارات تُفسر بوجوب تأجيل سلوكيات التزاوج.
تُشكل النتائج خطوة أساسية نحو الإجابة على الأسئلة الأساسية حول كيفية تطور الحيوانات لتحسين نقل حمضها النووي. تقول بارغمان: «تُضيف نتائجنا قطعة أخرى إلى هذه الأحجية، إذ تُغير هذه الأنواع نهجها لتزيد العدد الإجمالي للجينات التي يمكنها نقلها إلى الجيل التالي لأقصى حد. وكأن الكائنات الخنثى قد قرأت كتابًا مدرسيًا في علم الوراثة وسألت: كيف يمكنني زيادة لياقتي؟».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org