تُستخدم الرتب التصنيفية في علم الأحياء لتنظيم وتصنيف الكائنات الحية بناءً على خصائصها المشتركة، وعادة ما تُستخدم العبارة الإنجليزية الشهيرة: «Dear King Phillip Came Over For Good Spaghetti»، للمساعدة على تذكر التصنيفات الرئيسية في علم الأحياء، إذ يُمثل أول حرف من كلمات العبارة مرتبة تصنيفية محددة وهي: النطاق (Domain)، والمملكة (Kingdom)، والشعبة (Phylum)، والصف (Class)، والرتبة (Order)، والعائلة (Family)، والجنس (Genus)، وأخيرًا النوع (Species). يُمثل النطاق أعلى مستوى في التصنيف ويَقسم الكائنات الحية إلى مجموعتين رئيسيتين: بدائيات النوى (البكتيريا والعتائق) وحقيقيات النوى (الفطريات والنباتات والحيوانات).
تتطور حقيقيات النوى من خلال عملية نقل الجينات من الآباء إلى الأبناء (النقل الرأسي للجينات). أما في بدائيات النوى، يمكن أن يحدث التطور من خلال النقل الأفقي للجينات (HGT)، إذ يتم تبادل المعلومات الوراثية مباشرة بين البكتيريا. تسمح هذه العملية للكائنات الحية الفردية، وحتى الأنواع بأكملها، باكتساب جينات جديدة بسرعة، بما في ذلك الجينات الخطيرة كتلك التي تمنح مقاومة للمضادات الحيوية.
مؤخرًا، اكتشف الباحثون في جامعة ديلاوير، وتحديدًا في مختبر البروفيسور إليفثيريوس «تيري» بابوتساكيس، الحاصل على منحة يونيديل يوجين دو بونت لكرسي الأستاذية باختصاص الأبحاث في قسم الهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية بكلية الهندسة، وفي قسم العلوم البيولوجية ومعهد التكنولوجيا الحيوية بالجامعة، آلية جديدة لنقل الجينات بصورة أفقية في البكتيريا.
تُقدم هذه الدراسة، التي قادها الدكتور كامل شاروبين ومرشح الدكتوراه جون هيل، فهمًا أوسعًا للتطور ولاستراتيجيات بقاء الميكروبيومات المعقدة، ولا يقف تأثيرها عند هذا الحد بل يتعداه إلى مجالات أخرى من علم البيئة إلى التكنولوجيا الحيوية وحتى الطب. نُشِرت الدراسة في دوريّة إم بايو.
بدأت أبحاث الفريق حول البحث بعد ملاحظة الدكتور شاروبين أن نوعين من البكتيريا (المطثية المنتجة للخلون والبوتيل ومطثية ليجينغدالي) تتبادل المواد الغذائية ومنتجات الإستقلاب والمواد الخلوية بمعدلات عالية عندما تكون على مقربة من بعضها البعض. اكتشف الباحثون أن الخلايا كانت تستخدم آلية دمج الخلايا غير المتجانسة بهدف نقل المواد فيما بينها، ورغبوا بمعرفة فيما إذا كان بإمكان البكتيريا أيضًا نقل المعلومات الجينية باستخدام نفس الآلية.
يُوضح هيل: «لم تكن هذه العملية محصورة بعدد قليل من البروتينات فحسب، بل شملت معظم المواد الموجودة في السيتوبلازم. دفعتنا هذه النتائج إلى التحقق من إمكانية تبادل المواد الوراثية عبر هذه الآلية، بما في ذلك البلازميدات».
أجرى الباحثون تعديلًا للتقنيات المخبرية لتتبع حركة جينوم البكتيريا والبلازميدات (قطع دائرية من الحمض النووي تستخدمها البكتيريا بشكل منفصل عن جينومها)، للتحقق من نقل الجينات عند حدوث تواصل وثيق بين الخلايا البكتيرية. استُخدمت تقنيات الزرع الانتقائي لعزل خلايا بكتيريا المطثية الآسيتوبوليتية بعد امتصاصها للبلازميدات من قِبل بكتيريا مطثية ليجينغدالي، وبعدها تم تأكيد نقل الجينات باستخدام بيانات باك بايو التي تسمح بقراءة تسلسلات الحمض النووي في نفس الوقت الذي يتم فيه تصنيعه، والمعروفة اختصارًا باسم (SMRT).
تُظهر نتائج البحث أن نوعين من البكتيريا المطثية يمكنها بالفعل تبادل المعلومات الجينية عبر اندماج الخلايا غير المتجانسة. وبحسب تعبير البروفيسور بابوتساكيوس: «يُعدّ هذا الاندماج آلية جديدة للنقل الأفقي للجينات لم يسبق أن لوحظت سابقًا ولم يفكر بها أحد من قبل. من خلال هذه الآلية، وجدنا تبادلًا للحمض النووي بين الكائنات الميكروبية، ولاحظنا احتواء الخلايا الهجينة الناتجة على كميات كبيرة من الحمض النووي الجينومي من كلا الكائنين».
يؤكد الفريق البحثي على أهمية هذه الآلية وعلى أنها تقدّم فهمًا جديدًا للعمليات والعوامل المحركة لتطور البكتيريا.
يُشير هيل إلى أن الحياة الميكروبية قد تطوّرت في مجتمعات طبيعية، وأن وجود تفاعلات بين الأنواع، بما في ذلك تبادل الجينات، يكشف عن جانب آخر من تطور الميكروبات. ويُضيف: «يُمكن أن تُشير هذه النتائج إلى أنّ الميكروبات لا تتطور بشكل مستقل عن بعضها البعض، بل هناك تعددًا في المسارات التطورية داخل البيئات المحلية، مدفوعًا بمجموعة متنوعة من الضغوط الخارجية، بما في ذلك الانتقال الأفقي للجينات».
وفقًا لباوبتساكي، قد تُفضي هذه الدراسة إلى تطبيقات مُتعددة في مجالات علمية شتّى، لا سيما إذا ما أثبتت هذه الآلية الجديدة القدرة على نقل الصفات بين البكتيريا، بما في ذلك مقاومة المضادات الحيوية.
يُوضح باوبتساكي: «تتّسم الميكروبيومات الطبيعية، بمستوى عالٍ من التعقيد والتفاعل بين الميكروبات، مثل تلك الموجودة في البيئة أو الأمعاء البشرية. لذلك، قد تُحدث هذه الآلية للنقل الأفقي للجينات تأثيرات فسيولوجية وطبية ذات أهمية كبيرة».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org
