تقدم دراسة نشرت في مجلة Diversity رؤية جديدة عن كيفية تنقل الدلافين الحيتان المسننة في عالم البحار باستخدام الموجات الصوتية.
تعتمد الحيتان والدلافين، التي تفتقر إلى آذان خارجية، على تقنية تسمى تحديد الموقع بالصدى للتنقل والصيد في الظلام. تشبه إلى حد كبير الصراخ والاستماع إلى الصدى الناتج عنه، تصدر هذه الحيوانات أصواتًا عالية النبرة ترتد عن الأشياء وتنعكس عليها، مما يسمح لها برسم خريطة لمحيطها.
جماجمهم والأنسجة الرخوة بالقرب من فتحة النفخ وداخلها غير متماثلة، مما يعني أن الهيكل الموجود على أحد الجانبين أكبر أو يختلف شكله عن نظيره على الجانب الآخر. يمكّن «عدم التوازن» هذا من إنتاج الصوت. وفي الوقت نفسه، ينقل عظم الفك السفلي المملوء بالدهون موجات صوتية إلى الأذن الداخلية، مما يسمح للحيوانات بتحديد مصدر الأصوات (السمع الاتجاهي).
ومع ذلك، فإن كيفية تطور الحيتان والدلافين لهذا «السونار المدمج» المتطور ليس مفهومًا تمامًا.
شارك في تأليف البحث الحاصل على درجة الدكتوراه جوناثان جيزلر، أستاذ ورئيس قسم التشريح في معهد نيويورك للتكنولوجيا، والمؤلف الأول والحاصل على درجة الدكتوراه روبرت بوسينكر، وهو عالم حفريات وباحث مشارك في متحف علم الحفريات بجامعة كاليفورنيا، ويوفر هذا البحث الكثير من الأدلة الحيوية.
حلل الباحثون مجموعة كبيرة من الحفريات التي شملت نوعين قديمين من الدلافين ضمن جنس الكسينورفوس Xenorophus، أحدهما جديد على العلماء. هذه الأنواع هي بعض الأعضاء البدائية في الحيتان المسننة Odontoceti، وهي رتبة فرعية من الثدييات البحرية التي تشمل جميع الحيتان والدلافين الحية التي تحدد موقعها بالصدى.
كانت الحيتان المسننة مخلوقات كبيرة يبلغ طولها حوالي ثلاثة أمتار، وكانت تسبح في مياه شرق أمريكا الشمالية منذ 25-30 مليون سنة، ومن المحتمل أنها كانت تتغذى على الأسماك الصغيرة وأسماك القرش والسلاحف البحرية والثدييات البحرية الصغيرة. خارجيًا، كانت تشبه الدلافين الحديثة ولكن كان لديها عدة أسنان متشابكة كالأضراس التي تشبه إلى حد كبير أسلاف الثدييات البرية.
على غرار الحيتان المسننة الموجودة اليوم، كان لدى الكسينورفوس Xenorophus عدم تناسق حول فتحة النفث، على الرغم من أن ذلك غير واضح مثل أقاربه الأحياء. والجدير بالذكر أنه كان يملك أيضًا التواء واضح وتحول في الخطم عدة درجات إلى اليسار. تشير الدراسات السابقة التي أجريت على الحيتان القديمة الأخرى (الحيتان البدائية) إلى أن «انحناء الخطم» قد يكون مرتبطًا بوضع غير متماثل للأجسام الدهنية في الفك، مما يزيد من قدرات السمع الاتجاهي.
ومع ذلك، اتخذ الكسينورفوس هذه الخطوة إلى الأمام. كانت الأجسام الدهنية في فكيه السفليين، والتي تعمل مثل الأذن الخارجية في الثدييات البرية، مائلة، مما أدى إلى المبالغة في السمع الاتجاهي (تضخيم الموجات الصوتية الواردة). ربما كان انحناء الخطم وإمالة الأجسام الدهنية مشابهًا لآذان البوم غير المتماثلة، والتي يمكنها اكتشاف الموقع الدقيق للفريسة بناءً على أصواتها.
تشير الأدلة الجديدة إلى أن الكسينورفوس، الذي يتمتع بعدم تناسق أقل وضوحًا بالقرب من فتحة النفخ، لم يكن ماهرًا في إنتاج أصوات عالية النبرة أو سماع ترددات عالية مثل الحيتان المسننة الحية. ومع ذلك، كان قادرًا على تحديد موقع الأصوات. لذلك، من المحتمل أن يمثل الكسينورفوس تحولًا رئيسيًا في تاريخ كيفية استخدام الحيتان والدلافين لتحديد الموقع بالصدى.
وقال بوسينكر: «في حين أن هذا التباين يظهر في الحيتان القديمة الأخرى، يظهر الكسينورفوس على أنه الأقوى من أي حوت أو دولفين أو خنزير بحر، سواء كان حيًا أو منقرضًا. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن عدم التماثل الذي يركز على ثقب النفخ في الحيتان المسننة اليوم يمكن إرجاعه إلى الكسينورفوس وأقاربه الآخرين، لكن التواء وتحول الخطم لم يعد مرئيًا اليوم. وهذا يشير إلى أن الكسينورفوس هو لغز مهم في فهم كيفية عمل الحيتان وتطويرها للقدرة على تحديد الموقع بالصدى».
بالإضافة إلى ذلك، بينما يركز العديد من العلماء على التماثل في الطبيعة، يقول جيزلر إن دراستهم الجديدة توضح أهمية فحص عدم التماثل أيضًا.
«إن التماثل البيولوجي، أو التصوير المرآة لأجزاء الجسم عبر المستويات التشريحية، هو سمة رئيسية في التاريخ التطوري للحيوانات والبشر. ومع ذلك، يظهر بحثنا الدور المهم لعدم التماثل في التكيف مع البيئات المختلفة، ويجب أن يكون عدم التماثل ميزة مفحوصة عن كثب في الحفريات، بدلاً من استبعادها باعتبارها تباينًا فرديًا أو افتراض أنها ناجمة عن تشويه جيولوجي».
كخطوة تالية، سيفحص الباحثون الحيتان المسننة الأخرى ويبحثون عن الخطم المنحني إلى جانب واحد. يمكن أن تساعد هذه الدراسات المستقبلية في تحديد ما إذا كانت هذه الميزة منتشرة على نطاق واسع.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org