«لا تظهر التماسيح الحية اليوم إلا جزءًا باهتًا من التنوع الذي كانت تظهره مع أقاربها في الماضي»
لم تكن التماسيح القديمة لتتخيل أن تماسيحًا من نسلها ستصبح يومًا ما مصدر إلهام لصناعة الأحذية الأكثر شهرة في العالم.
تُعدّ التماسيح من الحيوانات القديمة التي عاشت على الأرض لما يقارب الملايين من السنين، وبينما يُعتقد غالبًا بأنّها لم تتغير كثيرًا منذ نشأتها، كشفت دراستان جديدتان أنّها تمتلك في الواقع تاريخًا تطوريًا غنيًا ومتنوّعًا.
قصة الأصل
في إحدى الدراسات تمكّن الباحثون، من تتبع أصل مجموعة أشباه التمساحيات، تضم أشمل مجموعة للتماسيح وبعض الحيوانات المنقرضة من أقاربها ظهرت لأول مرة في أوروبا منذ نحو 145 مليون سنة. بعد تلك الفترة، وعند هجرة بعض هذه الزواحف إلى مكان ما في أمريكا الشمالية، تفرّعت المجموعة إلى مجموعتين رئيسيتين: تلك التي يمكنها تحمل المياه المالحة، التماسيح، والأخرى التي لا تستطيع ذلك، القواطير.
في بيانٍ له، صرّح البروفيسور بول باريت، عالم حفريات في المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي في لندن شارك في إعداد كِلا الدراستين: «يبدو أنّ قدرة عبور المسطحات المائية المالحة سمحت للتماسيح بالانتشار في نطاق جغرافي أوسع بكثير من القواطير؛ وهذا هو السبب وراء تواجد التماسيح في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المحيطات الاستوائية، في حين لا يزال تواجد القواطير مقتصرًا على المياه العذبة، فهي غير قادرة على الوصول إلى بعض المناطق».
بالطبع، لا تزال التماسيح الحديثة تظهر سرعة مميزة عند الافتراس، ولكن في حال عدم وجود فريسة، يبدو أنها تميل إلى الحياة البطيئة بشكل كبير. لماذا حدث هذا التحول.
تكبر بسرعة
درست الورقة البحثية الثانية مدى سرعة نمو التماسيح القديمة المحتملة. على عكس ما نعرفه عن التماسيح الحديثة التي اتسمت ببطء كل من حركتها ونموّها على حد سواء، كان لدى أجدادها القدماء معدلات نمو عالية وحركات سريعة. توصّل الباحثون لهذا الاكتشاف المثير للاهتمام من خلال دراسة الهياكل العظمية المتحجرة للتماسيح القديمة. أظهرت هذه الهياكل علامات نمو سريع، ما يعني أن هذه الحيوانات كانت قادرة على الوصول إلى أحجام أكبر في وقت أقصر مقارنة بالتماسيح الحديثة.
يُعتقد أن سلف التماسيح الحديثة، تيريستريسوكس، قد عاش على اليابسة فقط، وكان يتمتع بقدرة على الركض السريع.
يشير البروفيسور بول باريت إلى وجود سؤالين رئيسيين: «السؤال الأول هو: هل يرتبط هذا الانخفاض في معدل النمو بالطبيعة المائية لحياة التماسيح، أم أنه سِمة كانت موجودة قبل انتقالها إلى الحياة المائية؟. ثانيًا، في أي مرحلة من تطور التماسيح تخلت هذه الكائنات عن معدل التمثيل الغذائي المرتفع الذي كان لدى أسلافها، ومتى بدأت بالتطور مرة أخرى بمعدل نمو أبطأ يشبه العودة إلى حالة أكثر بدائية؟».
كشفت الأدلة الأحفورية عن وجود أسلاف صغيرة الحجم ونشطة عاشت على اليابسة، وكانت سرعة نموّها مماثلة لسرعة نمو التماسيح الحديثة. يشير هذا الاكتشاف المهم إلى أن معدل النمو البطيء ليس نتاجًا ضروريًا للحياة المائية، الأمر الذي يفتح الباب للباحثين أمام تفسيرات أخرى لتطور هذا السلوك لدى التماسيح. قد يكون هذا التطور استجابة لعيش التماسيح في بيئة فقيرة بالموارد، لكن، لا يزال هذا التحليل محل نقاش ويتطلّب مزيدًا من البحث.
تغيير في الصورة النمطية؟
بأي حال، قد يغير هذا البحث الصورة النمطية التي يتبناها كثيرون عن التماسيح باعتبارها مخلوقات خاملة لم تتغير بمرور الزمن. قال باريت: «خاضت التماسيح وأقاربها بالفعل العديد من نماذج الحياة المختلفة». ووفقًا لعالم الحفريات: «تغذى أفراد جزء من مجموعة أشباه التمساحيات القديمة على اللحوم، بما في ذلك لحوم الديناصورات، وبقي حال أحفادها المعاصرين مماثلًا، في حين اقتصرت حمية أجزاء أخرى على النباتات فقط. تماسيح نباتية! من كان يتخيّل ذلك؟
يعيد هذا المقطع إحياء السيموسوكوس (التمساح الأفطس)، تمساح عاشب قديم وأحد أقارب التمساح الحديث.
«إنهم يصلون لنتائج مدهشة للغاية تتناقض تمامًا مع ما نعرفه عن التماسيح الحية، فكلها مفترسة، وتعيش فقط في المناطق الاستوائية مع أنماط حياة شبه مائية أو برمائية».
«لا تظهر التماسيح الحية اليوم إلا جزءًا باهتًا من التنوع الذي كانت تظهره مع أقاربها في الماضي».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: iflscience