اكتشاف جينات جديدة قد تكون نشأت من العدم

يكمن تعقيد الترميز عند الكائنات الحية داخل جيناتها، فمن أين تأتي هذه الجينات؟ حل الباحثون في جامعة هلسنكي الأسئلة المتعلقة بأصل الجينات التنظيمية الصغيرة، ووصفوا الآلية التي تنتج تناظر الحمض النووي فيها. تتطور هذه التسلسلات المتناظرة إلى جينات microRNA، عندما تصبح الظروف ملائمة لذلك.

يحوي الجينوم البشري نحو 20 ألف جين يستخدم في بناء البروتينات. تُنسق أعمال هذه الجينات بواسطة آلاف الجينات التنظيمية، يشفر أصغرها جزيئات microRNA البالغ طولها 22 زوجاً قاعديًا. يبقى عدد الجينات ثابتاً نسبياً. مع ذلك، تظهر في بعض الأحيان جينات جديدة أثناء التطور. استمر أصل الجينات الجديدة في إثارة إعجاب ودهشة العلماء، على غرار نشأة الحياة البيولوجية.

تتطلب جميع جزيئات الحمض النووي الريبي (RNA) مجموعات متناوبة من القواعد التي تثبت الجزيء في شكله الوظيفي. والأهم من ذلك، أن فرص حدوث طفرات قاعدية عشوائية، تشكل مثل هذه المسارات المتناوبة تدريجياً، ضئيلة للغاية، حتى بالنسبة لجينات الرنا الميكروي البسيطة (microRNA).

حير أصل هذه التسلسلات المتناوبة الباحثين. حل خبراء في معهد التكنولوجيا الحيوية، جامعة هلسنكي، فنلندا، هذا اللغز، ووصفوا آلية يمكنها توليد متناظرات كاملة للحمض النووي، وبالتالي إنشاء جينات microRNA جديدة من تسلسلات الحمض النووي غير المشفرة سابقاً.

درس الباحثون في مشروعهم الأخطاء في تكرار الحمض النووي. يقارن آري لويتينوجا، المشرف على المشروع، تكرار الحمض النووي بآلية طباعة النص.

«ينسخ الحمض النووي قاعدة نووية واحدة في كل مرة، وعادة ما تكون الطفرات عبارة عن قواعد فردية خاطئة، مثل الكتابة الخاطئة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر. درسنا آلية تؤدي إلى حدوث أخطاء أكبر، مثل نسخ ولصق النص من سياق آخر. كنا مهتمين بشكل خاص بحالات نسخ النص بشكل عكسي إذ ينتج عنه إنشاء متواليات متناظرة».

أدرك الباحثون أن أخطاء تكرار الحمض النووي قد تكون مفيدة في بعض الأحيان. وصفوا هذه النتائج لميكو فريلاندر، الخبير في بيولوجيا الحمض النووي الريبوزي (RNA). فأدرك على الفور الارتباط بين ببنية جزيئات الحمض النووي الريبي (RNA) وتلك النتائج.

وعلّق: «يمكن لقواعد التسلسلات المتناظرة المتجاورة في جزيء الحمض النووي الريبي (RNA) أن تقترن وتشكل هياكل شبيهة بدبوس الشعر. تعتبر مثل هذه الهياكل ضرورية لوظيفة جزيئات الحمض النووي الريبي (RNA)».

قرر الباحثون التركيز على جينات الرنا الميكروي microRNA بسبب بنيتها البسيطة: الجينات قصيرة جداً ويبلغ طولها فقط بضع عشرات من القواعد النووية، وعليها أن تنثني في بنية شبيهة بدبوس الشعر لتعمل بشكل صحيح.

كانت الفكرة الأساسية تكمن بصياغة تاريخ الجينات باستخدام خوارزمية حاسوبية خاصة. وفقا لباحثة ما بعد الدكتوراه هيلي مونتينن، «يمكن لذلك أن يتيح لنا الاقتراب من معرفة حقيقة أصل الجينات أكثر من أي وقت مضى».

تقول مونتينين: «إن الجينوم الكامل لعشرات الرئيسيات والثدييات معروف. كشفت مقارنة جينوماتها أيُّ الأنواع تمتلك زوجاً متناظراً من الرنا الميكروي microRNA وأيها تفتقر إليه، ومن خلال النمذجة التفصيلية للمعلومات التاريخية، يمكننا ملاحظة ظهور المتناظرات الكاملة من طفرة واحدة».

من خلال التركيز على البشر والرئيسيات الأخرى، أثبت الباحثون في هلسنكي أن الآلية المكتشفة حديثاً يمكن أن تفسر ما لا يقل عن ربع جينات microRNA الجديدة، ونظرا للعثور على حالات مماثلة في سلالات تطورية أخرى، فإن آلية الأصل تبدو عامة.

من حيث المبدأ، يعد ظهور جينات microRNA، سهلًا للغاية، لدرجة إمكانية تأثير الجينات الجديدة على صحة الإنسان. وترى هيلي مونتينن أهمية كبيرة في العمل على نطاق أوسع لتحقيق فهم أوسع للمبادئ الأساسية للحياة البيولوجية.

وأوضحت «أذهل ظهور جينات جديدة من العدم الباحثين. لدينا الآن نموذج جيد لتطور جينات الحمض النووي الريبي».

يعتقد الباحثون أنه من الممكن تعميم نتائج الدراسة على جينات وجزيئات الحمض النووي الريبي الأخرى، حتى لو اعتمدت النتائج على جينات تنظيمية صغيرة. باستخدام النتائج الأولية من الآلية المكتشفة حديثاً، على سبيل المثال، نلاحظ إمكانية أن يؤدي الانتقاء الطبيعي إلى إنشاء هياكل ووظائف رنا RNA أكثر تعقيداً.

نشرت الدراسة في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *