منذ أن وصلت سفينة بيغل إلى جزر غالاباغوس مع تشارلز داروين لمقابلة عائلة مصيرية من طيور الحسون، ناضل علماء البيئة لفهم سؤال محير بشكل خاص: لماذا توجد وفرة من الأنواع في بعض الأماكن على الأرض وندرة في أماكن أخرى؟ ما هي العوامل التي تحرك التنوع الحيواني بالضبط؟
من خلال الوصول إلى مجموعة ضخمة من البيانات المناخية على نطاق عالمي واستراتيجية جديدة، حدد فريق من قسم علوم مستجمعات المياه في كلية كويني للموارد الطبيعية ومركز البيئة عدة عوامل للمساعدة في الإجابة على هذا السؤال البيئي الأساسي. لقد اكتشفوا أن ما يأكله الحيوان (وكيف يتفاعل مع المناخ) يشكل تنوع الأرض.
نُشر العمل مؤخرًا في مجلة Ecology Letters.
قالت تريشا أتوود، مؤلفة الدراسة من قسم علوم مستجمعات المياه ومركز البيئة: «لقد تجاهلت الدراسات التاريخية التي تبحث في توزيع الأنواع عبر التدرج العرضي للأرض دور البيئة الغذائية، وكيف يؤثر ما تأكله الحيوانات على مكان وجودها. يظهر هذا العمل الجديد أن الحيوانات المفترسة والحيوانات آكلة اللحوم والحيوانات العاشبة ليست منتشرة بشكل عشوائي في جميع أنحاء العالم. هناك أنماط خاصة حيث نجد هذه المجموعات من الحيوانات.
توجد في بعض المواقع وفرة غير متوقعة من الحيوانات المفترسة آكلة اللحوم، مثل أجزاء من أفريقيا وأوروبا وجرينلاند. تنتشر الحيوانات العاشبة في المناطق الباردة، وتميل الحيوانات آكلة اللحوم إلى أن تكون أكثر هيمنة في الأماكن الدافئة. ظهر عاملان رئيسيان لهما أهمية حاسمة في تشكيل هذه الأنماط: هطول الأمطار ونمو النباتات.
وقالت أتوود إن أنماط هطول الأمطار عبر الزمن تلعب دورًا كبيرًا في تحديد المكان الذي تزدهر فيه مجموعات مختلفة من الثدييات. تمتلك المناطق الجغرافية التي يختلف فيها هطول الأمطار حسب الموسم، من دون أن يكون شديدًا للغاية، أعلى مستويات تنوع الثدييات.
وقال جارون أدكينز، المؤلف الرئيسي للبحث: «يجب علينا الانتباه إلى أننا لا نتحدث هنا عن الكمية الإجمالية للأمطار. فبالنسبة للنظم البيئية في جميع أنحاء العالم يختلف نطاق هطول الأمطار ومواسمها، فإن أماكن معينة في ولاية يوتا وغابات الأمازون المطيرة تكون ذات تقلبات منخفضة، إذ تمتلك مستويات ثابتة من هطول الأمطار على مدار العام. وفي مناطق أخرى، مثل جنوب كاليفورنيا، يوجد تقلبات عالية جدًا، إذ يحدث حوالي 75 بالمئة من هطول الأمطار السنوي بين ديسمبر ومارس فقط».
يقع المكان المناسب للحيوانات المفترسة والحيوانات العاشبة في منطقة وسطى بين الطرفين. تمتلك أماكن مثل مدغشقر، حيث كانت أنماط هطول الأمطار مقسمة بالتساوي بين موسم ممطر وموسم جاف (ستة أشهر لكل منهما)، الكوكتيل البيئي المثالي لتعزيز الظروف لهاتين المجموعتين. يميل تنوع الحيوانات آكلة اللحوم إلى الازدهار في الأماكن ذات المناخ المستقر للغاية.
العامل المهم الثاني المرتبط بتنوع الثدييات الذي كشف عنه البحث هو قياس مقدار نمو النبات في منطقة ما، والذي قاسه العلماء على أنه «إجمالي الإنتاجية الأولية».
وقال أدكينز: «من المنطقي أن تستفيد الحيوانات التي تأكل النباتات من نمو النبات».
لكن أثر هذا العامل في الواقع على الحيوانات آكلة اللحوم بشكل أكبر. تسلط العلاقة القوية بين الحيوانات المفترسة ونمو النباتات الضوء على أهمية وفرة النباتات وعلى السلامة الهيكلية للسلسلة الغذائية بأكملها.
وقالت أتوود: «كان من المدهش أن هذا العامل أكثر أهمية بالنسبة للحيوانات المفترسة من الحيوانات الحيوانات العاشبة. لماذا ما يزال ذلك لغزًا».
على الرغم من أن العمليات التطورية هي المسؤولة في نهاية المطاف عن تحفيز الاختلافات في الأنواع، لكن قد تؤثر الظروف المناخية على العوامل ذات الصلة، مثل معدلات التغير التطوري والانقراض وتشتت الحيوانات، التي تؤثر على الأنواع والثراء القائم على السمات، وفقًا للبحث.
يتناقص التنوع الحيواني بسرعة في العديد من النظم البيئية حول العالم بسبب فقدان الموائل وتغير المناخ. يترتب على ذلك عواقب سلبية على النظم البيئية. وقالت أتوود إن التنبؤ بكيفية تأثير تغير المناخ على النظم الحيوانية في المستقبل أمر في غاية الأهمية، وهذا البحث هو خطوة أولى في إدارة الظروف المستقبلية للحيوانات في جميع أنحاء العالم بشكل أفضل.
وتابعت أتوود: «قد يكون التنوع الحيواني بمثابة نظام إنذار لاستقرار النظم البيئية. إن تحديد الآليات البيئية التي تساعد في دفع أنماط الثراء يوفر نظرة ثاقبة لإدارة أفضل والتنبؤ بكيفية تغير التنوع في ظل المناخات المستقبلية».
بالإضافة إلى آدكنز وأتوود، شمل البحث سبعة مؤلفين مرتبطين حاليًا أو سابقًا بقسم علوم مستجمعات المياه ومركز البيئة: إد هاميل، وعمر فاروق عبد الوهاب، وجون دريبر، ومارشال وولف، وكاثرين مكلور، وأدريان غونزاليس أورتيز وإيميلي تشافيز.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org