خلصت دراسة مجموعة من الباحثين من معهد فرانسيس كريك وجامعة هايدلبرغ في ألمانيا إلى أن الاختلافات الجنسية في الحيوانات تختلف بشكل جذري عبر الأنواع والأعضاء والمراحل التطوّرية، وتتطور بسرعة على مستوى الجينات وببطء على مستوى نوع الخلية.
تختلف خصائص الثديات وفقًا لجنسها، ويمكن لنا أن نستخدم قرون ذكر الأيل مثالًا على ذلك. تُعرف هذه الصفات باسم «الصفات ثنائية التشكيل الجنسي»، ومن ضمنها الاختلافات التي لا يمكن رؤيتها مثل تلك الموجودة في الأعضاء الداخلية. مع ذلك، لم يتأكد المختصون من معرفة متى وأين تظهر الاختلافات الجنسية، وما هي الجينات والخلايا المسؤولة عنها.
في هذه الدراسة المنشورة في مجلة ساينس بتاريخ 2 من نوفمبر 2023، حلل الباحثون نشاط جينات ذكور وإناث البشر وأربعة أنواع من الحيوانات (الفئران والجرذان والأرانب والأبوسوم والدجاج) لفترة من الزمن، وغطّت الدراسة تطور خمسة أعضاء (الدماغ والمخيخ والقلب والكلى والكبد)، ولاحقت نشاط الجينات حتى سن البلوغ عند الحيوانات وحتى الولادة عند البشر.
استخدمت الدراسة نهجًا مختلف للبشر عن ذلك المستخدم للحيوانات، إذ لا تتجاوز البيانات المتاحة سوى فترة وجيزة بعد الولادة. درس الباحثون الجينات ذات التحيز الجنسي حتى فترة وجيزة بعد الولادة، ثم تحققوا فيما إذا استمرت نفس هذه الجينات بإظهار اختلافات جنسية عند البالغين، معتمدين في دراستهم على مورد عام (مورد التعبير الجيني النسيجي المعروف اختصارًا باللغة الإنجليزية باسم GTEx Resource). ما يعني أن قائمة الجينات ذات التحيز الجنسي عند البشر تضمنت الجينات التي أظهرت اختلافات قبل أو بعد الولادة مباشرة فقط، بينما في حالة الحيوانات، تضمنت القائمة الجينات ذات التحيز الجنسي في أي مرحلة من مراحل النمو.
كشف الباحثون في هذه الدراسة أن الأعضاء التي تختلف بين الجنسين تختلف عبر الأنواع. على سبيل المثال، وفي حالة الفئران والجرذان كان الكبد والكليتين أكثر الأعضاء اختلافًا بين الجنسين، أما عند الأرانب، فكان القلب العضو الأكثر اختلافًا بين الجنسين، وعلى عكس الفئران والجرذان، لم تظهر الأرانب أي اختلافات لا في الكبد ولا في الكلى.
أظهر الباحثون في الدراسة أيضًا إلى وجود اختلافات جنسية بسيطة أثناء نمو الأعضاء عند البشر وعند جميع الحيوانات، فيما زادت حدة هذه الاختلافات بشكل حاد حول سن البلوغ.
أيضًا، توصّل الباحثون في الدراسة إلى أن الجينات المسؤولة عن الاختلافات الجنسية تختلف عبر الأنواع. وجدوا أن عددًا محدودًا جدًا من الجينات المتحيزة جنسياً (يُعبَّر عنها بشكل مختلف اعتمادًا على الجنس) كانت مشتركة عبر الأنواع، ما يشير إلى أن الاختلافات الجنسية تطورت بسرعة. عادةً ما كانت الجينات القليلة المشتركة متوضعة على الصبغيات الجنسية (X و Y).
تختلف الجينات المتحيزة جنسياً بين الأنواع. لكن، مع ذلك، أظهرت الدراسة أن أنواع الخلايا التي تظهر تمايزًا جنسيًا لا تختلف عبر الأنواع. على سبيل المثال، ظهرت الجينات المختلفة والمتحيزة جنسياً عند الفئران والجرذان في الكبد. في كلتا الحالتين، كانت الجينات المتحيزة جنسياً نشطة في الخلايا الكبدية (النوع الرئيسي من خلايا الكبد)، وهو الأمر الذي من الممكن له أن يفسر سبب التباين الذي يظهره الكبد في كيفية تعامله ومعالجته للأدوية بين الجنسين.
قالت ليتيسيا رودريغيز-مونتيس، طالبة دكتوراه في جامعة هايدلبرغ والباحثة الأولى في الدراسة: «كان إظهار عدد قليل من الجينات المتوضعة على الكروموسومات الجنسية X وY لاختلافات بين الجنسين في جميع أنواع الثديات، مع أخذ التطور السريع للتباينات الجنسية بعين الاعتبار، أمرًا مثيرًا للاهتمام. من المحتمل أن تكون هذه الجينات بمثابة محفزات وراثية أساسية تعمل على تطوير الخصائص المحددة لكل جنس في جميع الثدييات».
تُعلّق مارغريدا كاردوسو موريرا، رئيسة مجموعة مختبر علم الأحياء التنموي التطوري في معهد فرانسيس كريك، والمسؤولة المشاركة في الدراسة مع هنريك كيسمان في جامعة هايدلبرغ قائلة: «لاحظنا، من خلال اتباع نهج تطوري، أن الاختلافات الجنسية تتطور بسرعة على مستوى الجينات، لكنها تتباطأ على مستوى الخلية، الأمر الذي له تداعيات قد تؤثر على كيفية استخدامنا للنماذج الحيوانية بغرض فهم الاختلافات الجنسية في البشر، فمن المفيد معرفة أن نوعًا معينًا من الخلايا ثنائي التشكيل الجنسي في جميع الأنواع، حتى لو كانت هناك اختلافات أخرى».
وتُضيف: «فوجئنا أيضًا بوجود عدد محدود من الاختلافات الجنسية حتى سن البلوغ. كنا نتوقع ظهور معظم الاختلافات عند البالغين، باعتبار البلوغ الوقت الذي تكون فيه الاختلافات الجنسية أكثر وضوحًا، وكنا نتوقع أيضًا رؤية زيادة تدريجية في الاختلافات الجنسية أثناء نمو الأعضاء، بدلاً من ارتفاع مفاجئ فيها حول سن البلوغ. يعدّ هذا البحث محاولة جديدة لفهم الصورة الكاملة لكوننا ثنائيي التشكيل الجنسي ولكيفية تأثير ذلك علينا».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org
