كيف تطورت النباتات لأول مرة إلى أشكال وأحجام مختلفة؟
رسم العلماء لمعرفة ذلك خريطة لمليار سنة من تاريخ النباتات
تتراوح النباتات من الأعشاب البحرية البسيطة والأشنيات أحادية الخلية إلى الطحالب والسراخس والأشجار الضخمة. تساءل علماء الحفريات منذ فترة طويلة عن كيفية ظهور هذا النطاق المتنوع من الأشكال والأحجام، وما إذا كانت النباتات قد انتشرت من الطحالب إلى أشكال متعددة الخلايا وثلاثية الأبعاد في تنوع تدريجي أو أنها انتشرت على شكل انفجار كبير واحد.
للإجابة على هذا السؤال، لجأ العلماء إلى السجل الأحفوري. واستنتجوا من تلك الأمثلة المحفوظة بشكل أفضل، مثل ثلاثية الفصوص، والأمونيت، وقنافذ البحر، أن نطاق التصميمات البيولوجية للمجموعة محققة منذ الفترات الأولى في تاريخها التطوري.
أدى هذا بدوره إلى فرضيات مفادها أن السلالات التطورية لديها قدرة أعلى على الابتكار في وقت مبكر، وبعد هذه المرحلة الأولى من الوفرة، تمسكت بما وصلت إليه. وهذا ينطبق علينا أيضًا: فقد تطورت جميع الثدييات المشيمية المختلفة من سلف مشترك بسرعة مدهشة. فهل ينطبق الأمر نفسه على المملكة النباتية؟
في دراستنا الجديدة، سعينا للإجابة على هذا السؤال من خلال البحث عن سمات معينة في كل مجموعة نباتية رئيسية. وتراوحت هذه السمات بين الخصائص الأساسية للنباتات (مثل وجود الجذور أو الأوراق أو الزهور) إلى التفاصيل الدقيقة التي تصف التنوع والزخرفة في كل حبة لقاح. في المجمل، جمعنا بيانات عن 548 سمة من أكثر من 400 نبات حي وأحفوري، وهو ما يصل إلى أكثر من 130 ألف ملاحظة فردية.
حلّلنا بعد ذلك كل هذه البيانات، وجمعنا النباتات بناءً على أوجه التشابه والاختلاف الشاملة بينها، ورسمناها كلها ضمن ما يمكن اعتباره «مساحة التصميم». وبما أننا نعرف العلاقات التطورية بين الأنواع، يمكننا أيضًا التنبؤ بسمات أسلافهم المشتركين المنقرضين وإدراج هؤلاء الأسلاف الافتراضيين ضمن مساحة التصميم أيضًا.
فمثلًا، لن نجد أبدًا حفريات لأسلافنا من النباتات المزهرة، ولكننا نعرف من أقرب نسلها من الأحياء أنها كانت ثنائية الجنس، ومتناظرة شعاعيًا، ولها أكثر من خمس كرابات (أو خباءات) مرتبة حلزونيًا (الجزء التناسلي الأنثوي من الزهرة الذي يحمل البويضة). تكشف نقاط البيانات من الأنواع الحية والحفريات والأسلاف المتوقعين كيف تنقلت الحياة النباتية في مساحة التصميم عبر التاريخ التطوري وعبر الزمن الجيولوجي.
لقد توقعنا أن تهيمن النباتات المزهرة على مساحة التصميم لأنها تشكل أكثر من 80% من أنواع النباتات، لكنها لا تفعل ذلك. في الواقع، تحقق النباتات الطحلبية الحية، مثل الطحالب، والحشائش الكبدية، والحشائش الزهقرنية نفس القدر تقريبًا من التنوع في أشكال أجسامها.
قد لا يكون هذا مفاجئًا تمامًا نظرًا لأن السلالات الثلاثة من النباتات الطحلبية تنوعت لمدة أكثر من ثلاثة أضعاف مدة تنوع النباتات المزهرة. وعلى الرغم من طبيعتها الصغيرة، حتى الطحالب المتواضعة تكون معقدة ومتنوعة بشكل غير عادي عند النظر إليها من خلال المجهر.
تُظهر العلاقات التطورية التي تنقلها سلسلة الأنساب المتفرعة في المخطط أعلاه أن هناك، بشكل عام، هيكلًا معينًا يحتل مساحة التصميم، فقد توسعت في مناطق جديدة مع ظهور مجموعات جديدة. ومع ذلك، هناك بعض الأدلة على التقارب أيضًا، إذ تقترب بعض المجموعات مثل عاريات البذور الحية (الصنوبريات) والنباتات الزهرية من بعضها البعض أكثر مما تفعل مع سلفها المشترك.
ومع ذلك، من الواضح أن بعض ما يميز المجموعات المختلفة في مساحة التصميم هو نتيجة للانقراض. ويتجلى ذلك إذا أخذنا في الاعتبار توزيع الأنواع الأحفورية (النقاط السوداء) التي تحدث غالبًا بين مجموعات الأنواع الحية (النقاط الملونة).
فكيف تطور التنوع النباتي؟
بشكل عام، النمط الواسع هو أحد أشكال الاستكشاف التدريجي لتصميمات جديدة نتيجة للأنواع الجديدة التي ترتبط عادة بالتكاثر، مثل الأجنة والأبواغ والبذور والأزهار. يمثل ذلك حلول تطورية للتحديات البيئية التي تواجهها النباتات في احتلالها التدريجي للمنافذ الجافة والصعبة بشكل متزايد على سطح الأرض. فمثلًا سمح تشكل البذور للنباتات التي تحملها بالتكاثر حتى في غياب الماء.
وعلى مر الزمن الجيولوجي، تحدث هذه التوسعات على شكل نبضات عرضية، مرتبطة بظهور هذه الابتكارات الإنجابية (مثل البذور). يبدو أن دوافع التطور التشريحي للنبات هي مزيج من الإمكانات الجينومية والفرص البيئية.
يشير التباين النباتي إلى أن الانفجار الأعظم كان بمثابة بداية الإفلاس
لا يتناسب أي من هذا مع التوقعات بأن السلالات التطورية تبدأ بشكل مبتكر قبل أن تُستنفَذ. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الأشكال الأساسية للنباتات قد ظهرت بشكل هرمي عبر التاريخ التطوري، وتوسعت في الهيكل التشريحي الموروث من أسلافها. ولم تفقد قدرتها على الإبداع على مدى مليار سنة أو أكثر من طول عمرها التطوري.
فهل هذا يجعل النباتات مختلفة عن الحيوانات، التي تشكل دراساتها الأساس لتوقع الابتكار التطوري المبكر والإرهاق؟ لا، مُطلقًا. تظهر الدراسات المماثلة التي أجريناها على الحيوانات والفطريات أنه عندما تدرس هذه الممالك متعددة الخلايا في مجملها، تُظهر جميعها نمطًا من التنوع التشريحي المتزايد بشكل عرضي. قد تستنفد السلالات الفردية نفسها قريبًا، لكن بشكل عام، تستمر الممالك في الابتكار.
يشير هذا إلى وجود نمط عام للابتكار التطوري في الممالك متعددة الخلايا، ويشير أيضًا إلى أن الحيوانات والفطريات والنباتات لا تزال تحتوي على الكثير من العصارة التطورية في خزاناتها. دعونا نأمل أن نكون مازلنا موجودين لنرى ما هو الابتكار الذي سيظهر بعد ذلك.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org