تعد المتبرعمة الكيسية واحدة من أكثر الميكروبات شيوعًا الموجودة في أمعائنا، ولكن دورها في صحة الإنسان غير مفهوم جيدًا. يمكن أن تؤدي عدوى المتبرعمة الكيسية إلى الإسهال والغثيان وفقدان الوزن والتعب، ولكن يعتبر البعض وجود هذه الأوليات علامة على صحة الأمعاء.
يقول جويل داكس، أستاذ الأمراض المعدية في كلية الطب وطب الأسنان، وشارك في قيادة بحث جديد منشور في مجلة Current Biology، وهو يسعى إلى إلقاء الضوء على علم الأحياء التطوري لبكتيريا المتبرعمة الكيسية: «يعاني واحد من كل ستة أشخاص على هذا الكوكب من هذا المرض، ولا نعرف ما إذا كان يمكن أن يؤذيك أم لا. ربما ينبغي لنا أن نعرف كيف يعمل هذا الشيء».
يقول داكس، وهو أيضًا أستاذ مساعد في العلوم البيولوجية في كلية العلوم: «إننا ندرك أن الميكروبيوم المعوي يعد مُعدِّلًا رائعًا لصحة الإنسان. فعندما يكون صحيًا يبدو وقائيًا تمامًا، ولكن عندما يكون غير منظم، فإنه يسبب جميع أنواع المشاكل».
شارك داكس في قيادة فريق بحث دولي جنبًا إلى جنب مع أنستاسيوس تساوسيس، الباحث الرئيسي في مختبر علم الطفيليات الجزيئي والتطوري في كلية العلوم البيولوجية بجامعة كينت في المملكة المتحدة، سعيًا إلى فهم كيف ولماذا يبدو أن المتبرعمة الكيسية تتبع مسارًا تطوريًا نحو الازدهار في البيئة الخالية من الأكسجين في أحشائنا، وهو مسار مشابه لذلك الذي سلكته بالفعل طفيليات أخرى، مثل تلك التي تسبب التهاب المهبل، والزحار الأميبي، وحمى القندس.
يوضح داكس: «لقد مروا جميعًا بهذه العملية، لذا من خلال دراسة الطفيليات المختلفة بشكل مستقل، يمكنك فهم ما إذا كان هناك شيء مشترك. ما هي القوى الأكبر؟ كيف يحدث التحول؟ ماذا يحدث للخلايا والجينومات؟
«الطفيليات مثيرة للاهتمام لأنها مهمة لصحة الإنسان، وأيضا لأنها غريبة بشكل رائع».
مهم وغريب
المتبرعمة الكيسية هي خلية حقيقية النواة، أو خلية ذات نواة، تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في الأجسام البشرية والنباتات. وهو عضو في مجموعة سترامينوبيلا Stramenopila، وهي مجموعة من الكائنات الحية التي تشمل الطحالب وعشب البحر والعفن المائي Phytophthora infestans، والتي تسببت في مجاعة البطاطا الأيرلندية. تنحدر الستراتامينوبيلا من كائنات لها هياكل متخصصة تشبه الشعر على أسواطها تساعدها على التحرك في البيئات السائلة، على الرغم من أن المتبرعمة الكيسية لا تمتلك الآن أي منها. لكنها تبدو أشبه بكرة التنس تحت المجهر. تنتقل المتبرعمة الكيسية من شخص لآخر عن طريق ملامسة البراز المصاب أو المياه الملوثة.
ولدراسة تطور المتبرعمة المتبرعمة، قارنها الفريق بقريبتها القريبة جدًا البروتيروموناس لاكيرتيا Proteromonas Lacertae، التي تعيش في أحشاء الزواحف ولا تزال تمتلك العديد من السمات الخلوية لمجموعة السترامينوبيلا، ومن خلال ذلك تمكنوا من الكشف عن العديد من السمات المهمة.
مثلًا، اقتُرح سابقًا ثلاثة جينات فقط بأنها مسؤولة عن السوط. ومن خلال مقارنة التسلسل الجيني للميكروبَين، حدد الفريق حوالي 40 جينًا يمكن أن يلعب دورًا. ويمكن الآن تضييق نطاقها في الدراسات المستقبلية عن طريق إلغاء تنشيطها واحدة تلو الأخرى.
يقول داكس: «لقد تمكنا من فتح وسيلة للتحقيق في البنية الأساسية لهذه الكائنات التي لها تأثير عالمي هائل، مثل الدياتومات، المسؤولة عن حوالي 30% من إنتاج الأكسجين على الكوكب، أو الفطريات، والتي لا تزال أحد مسببات أمراض المحاصيل الخطيرة».
بشكل عام، وجد الباحثون أن المتبرعمة الكيسية فقدت العديد من الجينات من سلفها المشترك؛ لأنها تخصصت للعيش في الأمعاء البشرية. هناك وظيفة أخرى يُعتقد أن كلا الميكروبين فقداها بمرور الوقت هي وظيفة البيروكسيسومات، وهي أجزاء من الخلية تشارك في عملية التمثيل الغذائي.
وكما هو متوقع، لم يعثر الفريق على أي آثار للبيروكسيسومات في المتبرعمة الكيسية؛ ومع ذلك، من خلال تطوير الأجسام المضادة لاختبارها، اكتشفوا آثار البيروكسيسومات في البروتيروموناس لاكيرتيا. يقول داكس: «مرة أخرى، إنه اكتشاف سيحتاج إلى مزيد من البحث لفهمه بشكل أفضل».
ويقول: «على حد علمنا، هذا هو الشكل الأكثر اختزالًا لهذه العضية الذي أُبلغ عنه على الإطلاق. يبدو أن هذه هي الحلقة المفقودة في عملية التطور التنكسية. والسؤال الآن هو ما إذا كانت هناك كائنات حية أخرى تظهر شيئًا مماثلًا».
ما يزال هناك المزيد لنتعلمه
وكشف فريق البحث أيضًا عن أدلة جديدة على التغيرات التطورية في أنظمة النقل ضمن أغشية الميكروبات، والتي تسمح للخلايا بنقل الوقود والنفايات وغيرها من المواد داخل الخلية وخارجها، تمامًا مثل نظام فرز البريد. هذا هو مجال تخصص مختبر داكس، وهو يقترح أن المعلومات الجديدة قد تساعد العلماء على فهم كيفية حصول المتبرعمة الكيسية على المواد من مضيفها البشري.
ويشير داكس إلى أنه لا يزال هناك الكثير مما يمكن تعلمه عن المتبرعمة المريمية وتأثيرها على صحة الإنسان. ويشير إلى أنه تم الآن تحديد ما لا يقل عن 12 نوعًا فرعيًا من الميكروب لدى البشر.
ويقول: «من المحتمل أن بعضها يتسبب في إصابة الناس بالمرض والبعض الآخر لا يسبب المرض، لكننا نطلق عليهم الشيء نفسه. الاحتمال الآخر هو أنه في بعض الظروف يكون غير ممرض، ولكن عندما تكون بيئته تحت ضغوط معينة، قد يسبب المرض».
ويوضح داكس أن هذا التأثير يشبه إلى حد كبير ما يحدث لمرجان المحيط، حيث تكون الطحالب التكافلية صحية للشعاب المرجانية حتى ترتفع درجات حرارة المحيط وتؤدي التغيرات في الطحالب إلى ابيضاض المرجان والموت في النهاية.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org