منذ حوالي 350 مليون سنة، كان أسلاف البشر (وأسلاف جميع الفقاريات الحديثة) مجرد حيوانات ذات أجسام رخوة تعيش في المحيطات. ومن أجل البقاء والتطور، احتاجت هذه الحيوانات إلى الحصول على بعض الحماية والميزات التي تجعلها تنجو من الحيوانات المفترسة في المحيط، والتي كانت تهيمن عليها القشريات في ذلك الوقت.
كان تطور الدرع الجلدي، مثل الأشواك الحادة الموجودة في سمك السلور المدرع، أو الحراشف العظمية التي تشبه الألماس، والتي تسمى الحراشف، وتغطي سمك الحفش، بمثابة استراتيجية ناجحة. استخدمت آلاف الأنواع من الأسماك أنماطًا مختلفة من الدروع الجلدية، المكونة من العظام و/أو مادة تسمى العاج، وهو مكون مهم في أسنان الإنسان الحديث. ساعدت الطبقات الواقية مثل هذه الفقاريات على البقاء والتطور إلى حيوانات جديدة وفي نهاية المطاف إلى البشر.
ولكن من أين جاء هذا الدرع؟ كيف تطور أسلافنا القدماء تحت الماء وحصلوا على هذا الغلاف الواقي؟
الآن، باستخدام سمك الحفش، وجدت دراسة جديدة أن مجموعة معينة من الخلايا الجذعية، تسمى خلايا العرف العصبي الجذعي، هي المسؤولة عن تطور الحراشف العظمية الكبيرة في الأسماك. أنجز كل من جان ستوندل، وهو الآن باحث ما بعد الدكتوراه في ماري سكلودوفسكا كوري في مختبر ماريان برونر، وأستاذ علم الأحياء ومدير معهد بيكمان في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إدوارد بي لويس هذا البحث العلمي. تصف ورقتهم المنشورة في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences في 17 يوليو بحثهم بشكل أكثر دقة.
لطالما اهتم مختبر برونر بدراسة خلايا العرف العصبي. توجد هذه الخلايا في جميع الفقاريات بما في ذلك الأسماك والدجاج ونحن البشر، وتصبح متخصصة بناءً على ما إذا كانت تنشأ من مناطق الرأس (الجمجمة) أو من الجذع (الحبل الشوك). تهاجر كل من خلايا العرف العصبي القحفية والجذعية من نقاط البداية إلى جميع أنحاء الجسم النامي للحيوان، مما يؤدي إلى ظهور الخلايا التي تشكل الفكين والقلب وغيرها من الهياكل المهمة.
بعد أن أظهرت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2017 أن خلايا العرف العصبي الجذعي تؤدي إلى ظهور درع جلدي عاجي في نوع من الأسماك يُسمى السمكة الصغيرة، افترض ستاندل وزملاؤه أن نفس مجموعة الخلايا قد تؤدي أيضًا إلى ظهور درع عظمي في الفقاريات على نطاق واسع.
ولدراسة ذلك، لجأ ستاندل وفريقه إلى أسماك الحفش، وتحديدًا سمك الحفش الستيرليت (Acipenser ruthenus). ولا يزال سمك الحفش الحديث، الذي يشتهر بإنتاج أغلى الكافيار في العالم، يتمتع بالعديد من الخصائص نفسها التي كان يتمتع بها أسلافه منذ ملايين السنين. وهذا يجعلهم مرشحين رئيسيين للدراسات التطورية.
باستخدام أجنة سمك الحفش المزروعة في معهد أبحاث تربية الأسماك وعلم الأحياء المائية في جمهورية التشيك، استخدم ستاندل وفريقه صبغة الفلورسنت لتتبع كيفية هجرة خلايا العرف العصبي لجذع السمكة في جميع أنحاء جسمها النامي. يبدأ سمك الحفش في تطوير حراشفه العظمية بعد بضعة أسابيع، لذلك احتفظ الباحثون بالأسماك المتنامية في مختبر مظلم حتى لا يفسدوا صبغة الفلورسنت بالضوء.
عثر الفريق على خلايا العرف العصبي الجذعي ذات العلامات الفلورية في المواقع المحددة التي تتشكل فيها الحراشف العظمية الكبيرة لسمك الحفش. ثم استخدموا تقنية مختلفة لتسليط الضوء على الخلايا العظمية للأسماك، وهو نوع من الخلايا التي تشكل العظام. عثروا على التوقيعات الجينية المرتبطة بتمايز الخلايا العظمية في الخلايا الفلورية الموجودة في الحويصلات النامية للأسماك، مما يوفر دليلًا قويًا على أن خلايا العرف العصبي الجذعي تؤدي في الواقع إلى ظهور خلايا مكونة للعظام.
بالإضافة إلى النتائج التي توصل إليها العلماء عام 2017 عن دور خلايا العرف العصبي في تكوين الدرع العاجي، يُظهر هذا العمل البحثي أن خلايا العرف العصبي الجذعي هي المسؤولة عن ظهور الدرع الجلدي العظمي الذي مكّن النجاح التطوري للأسماك الفقارية.
يقول ستوندل: «إن العمل مع الكائنات غير النموذجية أمر صعب؛ فالأدوات الموجودة في الكائنات المختبرية القياسية مثل الفئران أو أسماك الزرد إما لا تعمل أو تحتاج إلى تكييفها بشكل كبير مع الكائنات الجديدة المدروسة. على الرغم من هذه التحديات، لكن المعلومات التي نحصل عليها من الكائنات غير النموذجية مثل سمك الحفش تسمح لنا بالإجابة على الأسئلة الأساسية في علم الأحياء التطوري بطريقة غير قابلة للشك».
يقول برونر: «من خلال دراسة العديد من الحيوانات على شجرة الحياة، يمكننا استنتاج الأحداث التطورية التي حدثت سابقًا. يزيد ذلك من قوة ومصداقية المعلومات التي نحصل عليها خاصة إذا تمكنا من التعامل مع المسائل التطورية من منظور البيولوجيا التطورية، فقد حدثت العديد من التغييرات التي أدت إلى أنواع مختلفة من الخلايا من خلال تعديلات صغيرة في التطور الجنيني».
عنوان الورقة البحثية «تطور الدرع الجلدي للفقاريات القديمة من العرف العصبي للجذع».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org