تفتقر بعض الحيوانات إلى العظام والأدمغة وبعضها إلى القناة الهضمية كاملة، وتمتلك الحيوانات البسيطة مثل شقائق النعمان البحرية القليل من القواسم المشتركة في مخططات جسمها مع البشر وأقاربهم من الفقاريات. ومع ذلك، أظهر بحث جديد للباحث والدكتور مات جيبسون من معهد ستويرز للأبحاث الطبية أن المظاهر قد تكون خادعة، وأنه قد تؤدي مجموعة أدوات وراثية مشتركة لدفع التطور الجنيني لإنتاج تكوين جسم بالغ مختلف تمامًا بطرق مختلفة.
من المعروف جيدًا أن شقائق النعمان البحرية والشعاب المرجانية وأقاربهم من قناديل البحر يشتركون في سلف مشترك مع البشر الذين غمروا محيطات الأرض القديمة منذ أكثر من 600 مليون سنة. تركز دراسة جديدة من مختبر جيبسون، نُشرت في مجلة Current Biology، على الأساس الجيني لتطور تكوين الجسم في شقائق النعمان البحرية نيماتوستيلا فيكتينتيس Nematostella vectensis. ترسم هذه المعلومات الجديدة صورة حية لكيفية تقدم بعض أقدم الحيوانات على الأرض من بيضة إلى جنين إلى حيوان بالغ.
قال جيبسون إن دراسة علم الوراثة التطورية للنيماتوستيلا تشبه إلى حد ما السفر في الزمن إلى الماضي البعيد جدًا. «يتيح لنا عملنا أن نسأل كيف كانت تبدو الحياة منذ زمن بعيد (قبل مئات الملايين من السنين وقبل الديناصورات). كيف تطورت الحيوانات القديمة من بيضة إلى حيوانات بالغة، وإلى أي مدى استمرت الآليات الجينية التي توجه التطور الجنيني عبر آلاف السنين؟».
تتطور معظم الحيوانات المعاصرة من الحشرات إلى الفقاريات، عن طريق تكوين سلسلة من القطع أو الأجزاء من الرأس إلى الذيل، وتتخذ هذه القطع أشكالًا ووظائف مميزة اعتمادًا على موقعها. في مقطع معين، يوجد محور قطبي خاص يخبر الخلايا عن موقعها في الجزء الأمامي أو الخلفي من المقطع. يشار إلى كل هذا باسم استقطاب المقطع.
كشف شونان هي، دكتوراه وباحث سابق لما قبل الدكتوراة من مختبر جيبسون عن أن الجينات المشاركة أثناء تطور شقائق النعمان البحرية نيماتوستيلا فيكتينتيس Nematostella vectensis، والتي توجه تكوين المقاطع والاتجاهات القطبية المقطعية تشبه بشكل لافت للنظر تلك الموجودة عند الكائنات الحية في أعلى شجرة الحياة التطورية، بما في ذلك البشر.
قال جيبسون: «أهمية ذلك هو أن التعليمات الجينية الكامنة وراء بناء تكوينات مختلفة للغاية لأجسام الحيوانات، مثل شقائق النعمان البحرية والإنسان، متشابهة بشكل لا يصدق. المنطق الجيني هو نفسه إلى حد كبير».
تستند هذه الدراسة الجديدة إلى دراسة نُشرت عام 2018 في مجلة Science من مختبر جيبسون والتي أظهرت أن شقائق النعمان البحرية تملك تماثلًا ثنائيًا داخليًا في وقت مبكر من تطورها، إذ تمتلك ثمانية قطاعات شعاعية. أظهرت الدراسة أن جينات Hox (جينات التطور الرئيسية التي تعتبر حاسمة للتطور البشري) تعمل على تحديد الحدود بين الأجزاء ومن المحتمل أن يكون لها دور في بناء القطع.
يبحث أحدث اكتشاف للفريق كيف تتشكل المقاطع وما الذي يفسر الاختلافات في هوياتهم. باستخدام النسخ المكانية، أو الاختلافات في التعبير الجيني بين المقاطع، اكتشف الفريق المئات من الجينات الجديدة الخاصة بالقطاعات. يتضمن ذلك جينين أساسيين يشفران عوامل النسخ التي تتحكم في استقطاب القطع، واللذان يتبعان لجينات Hox، وهما ضروريان لوضعية عضلات شقائق النعمان البحرية الصحيحة.
يمكن مقارنة التنوع المذهل للكائنات الحية على الأرض بتجميع قطع الليغو. قال جيبسون: «سواء كنت تبني ديناصورًا، أو شقائق النعمان، أو إنسانًا، فإن العديد من اللبنات الجينية الأساسية هي نفسها إلى حد كبير على الرغم من اختلاف أشكال الحيوانات بشكل جذري».
هذه هي المرة الأولى التي يمتلك فيها العلماء دليلًا على وجود أساس جزيئي لاستقطاب القطع في حيوان ما قبل الثنائيات، لكنها مدروسة على نطاق واسع في الأنواع الثنائية مثل ذباب الفاكهة والبشر، كانت فكرة امتلاك الحيوانات المجوفة لميزة المقاطع هذه غير متوقعة. يمتلك الفريق الآن دليلًا على أن هذه الأجزاء مستقطبة أيضًا.
قال جيبسون إن هذا يوفر دليلًا إضافيًا على أن البحث في التنوع الواسع من الحيوانات قد يكون له آثار مباشرة على فهم المبادئ العامة، بما في ذلك تلك التي تنطبق على علم الأحياء البشري. يمكننا اعتمادًا على ما نراه في الفقاريات، استقراء الزمن الماضي لفهم كيف تطورت الحيوانات منذ مئات الملايين من السنين».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org