اكتشف فريق جامعة المنصورة للحفريات الفقارية «سلام لاب» حفرية لأحد أقدم الحيتان كاملة المعيشة في الماء وُجدت في صخور عمرها 41 مليون سنة في منطقة الفيوم. المؤلف الرئيسي للبحث هو الدكتور محمد سامح الذي اكتشف حفرية حوت توتسيتس رايانينسيس Tutcetus rayanensis عام 2012 وهو خبير اليونسكو للتراث الطبيعي وإدارة المحميات بالوطن العربي، والذي عمل مع الدكتور عبدالله جوهر منذ عام 2017 حتى اليوم على وصف الحفرية وتوثيقها. وعمل الفنان أحمد مرسي على الرسم العلمي للكائن المُكتشف، لتنتج بذلك جامعة المنصورة قسم الحفريات أول عمل من هذا النوع بأيادٍ مصرية.
مقدمة عامة:
بعد فترة وجيزة من نشوء الحيتان في أواخر العصر الأيوسيني المبكر من أسلاف أسلاف أرتوداكتيل الأرضية الرباعية الأرجل الصغيرة في جنوب آسيا، انتشرت الحيتان شبه المائية بسرعة غربًا إلى شمال إفريقيا، وغرب إفريقيا، وأمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية خلال أوائل العصر الأيوسيني الأوسط. مع تقدم العصر الأيوسيني المتأخر (Priabonian)، حلت الأثريات الباسيلوصورية المائية بالكامل محل الأركوسيتات البرمائية وكانت أكثر الحيتان وفرة وامتدت في النهاية إلى النطاقات الجغرافية التي تشغلها الحيتانيات الحديثة.
الباسيلوصوريات Basilosauridae هي أول عائلة من الحيتان الأثرية التي عرفها العلم. تتميز هذه الحيتان بفقدان ضرس الفك العلوي الثالث، وتعديل أطرافها الأمامية إلى زعانف تفتقر إلى أي اتصال عظمي بالعمود الفقري، وعدد أكبر من الفقرات الصدرية والقطنية الخلفية.
الباسيلوصوريات هي أشهر الأثريات المعروفة في العصر الباليوجيني الأفريقي. لم تكن الغالبية العظمى من الاكتشافات في مصر فحسب، بل اكتُشفت أكثر أنواع الباسيلوصورات الموثقة بدقة، بما في ذلك أول الحيتان المائية بالكامل في منخفض الفيوم بمصر، وهو موطن لموقع وادي الحيتان للتراث العالمي، أحد أكثر مواقع الحيتان الأحفورية إنتاجية في العالم. اكتشف عالم الطبيعة الألماني جورج شفاينفورث أول حيتان أحفورية من نصف الكرة الشرقي (وفي الواقع القارة الأفريقية بأكملها) في مصر عام 1879. منذ ذلك الحين، شكّل ثراء حفريات الحوتيات في السجل الأحفوري الأفريقي (بشكل رئيسي مصر) فهمنا لتطور الحيتان المبكر. وقد أدى ذلك إلى فهم أكبر لتنوع الحيتان القديمة وتشريحها وسلوكها وتكيفها.
الاكتشاف الحالي:
حوت توتسيتوس رياننسيس (Tutcetus rayanensis) من عائلة الباسيلوصورات Basilosauridae، وهي من الحيتانيات المنقرضة التي عاشت في جميع القارات بما في ذلك أنتاركتيكا، وكانت أول مراحل المعيشة الكاملة للحيتان في الماء. الحفرية المكتشفة هي جمجمة غير مكتملة مع الفك السفلي، والجهاز اللامي، وفقرات أطلس لحوت باسيلوصوري صغير الحجم شبه بالغ في كتلة من الحجر الجيري المتصلب.
بعد دراسته تبين أن طول الحوت كان حوالي 2.5 مترًا، ووزنه حوالي 187 كيلوجرام، وبالتالي هو الأصغر حجمًا من بين أفراد عائلته المكتشفين سابقًا على مستوى العالم.
التسمية
يدل الجزء الأول من اسم توتسيتس وهو «توت» إلى توت عنخ آمون، أحد ملوك الأسرة الـ18، والذي حكم منذ 1334 حتى 1325 ق.م، مع وجود بعض التشابهات بين الاثنين، فالحوت المكتشف مات في سن الصبا مثل الملك توت، وكذلك كان هذا الحوت ملك على قمة السلسلة الغذائية في المنطقة اللي عاش فيها.
أما الجزء الثاني من الاسم، فهو يدل إلى متكون وادي الريان الجيولوجي في منخفض الفيوم الذي اكتشف فيه الحوت، والذي يُعد كنزًا مليئًا بالحفريات الأخرى التي لم تُكتشف بعد.
المميز كذلك في التشابه بين توتسيتس وتوت عنخ آمون أن كلًا منهما مختلف عن أقرانه تمامًا، إذ امتلك الحوت المُكتشف نمطًا فريد من الأسنان مكنه من استكشاف بيئات بحرية مختلفة.
أهمية البحث:
بالإضافة إلى أن هذا الاكتشاف يوسع بشكل ملحوظ نطاق حجم الباسيلوصورات ويوضح أن الحيتان حققت تفاوتًا كبيرًا خلال العصر الأيوسيني الأوسط، فهو يبين أيضًا أهمية الحفريات المصرية في فهم السجل التطوري لهذه المخلوقات الفريدة، إذ تُعد هذه الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة nature الدراسة الثانية من نوعها التي يقود فيها فريق مصري وصف وتسمية جنس ونوع جديد من الحيتان، بعد أن كان هذا العلم قاصرًا على علماء الدول المتقدمة لفترة طويلة من الزمن، رغم ثراء التراث الطبيعي المصري بحفريات مهمة لأسلاف الحيتان.
إعداد: ولاء سليمان
مصدر 1: phys.org
مصدر 2: nature
مصدر 3: theguardian
مصدر 4: pgsr.mans.edu.eg
