ساعدت الحفريات المحفوظة جيدًا بشكل استثنائي من العصر الكمبري في سد فجوة في فهمنا لأصل وتطور مجموعات الحيوانات الرئيسية على قيد الحياة اليوم.
ساعد تحليل جديد للحفريات التي تنتمي إلى لافقاريات منقرضة تسمى روتاديسكوس غرانديز Rotadiscus grandis في وضع هذا النوع في شجرة الحياة الحيوانية، وكشف كيف أن بعض خصائص الأنواع الحية تطورت بشكل مستقل بدلًا من نشأتها في سلف واحد مشترك.
منذ نصف مليار عام، زحف حيوان يبدو غير عادي فوق قاع البحر، مستخدمًا مخالب لالتقاط جزيئات الطعام على طول الطريق.
عاش هذا الحيوان، المعروف باسم روتاديسكوس غرانديز Rotadiscus grandis، خلال العصر الكمبري عندما يُعتقد أن نشاطًا تطوريًا أدى إلى ظهور العديد من مجموعات الحيوانات الرئيسية التي نراها اليوم.
اكتُشفت بقايا روتاديسكوس القديمة لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، لكن العينات غير المكتملة زادت من صعوبة تحديد أهميتها التطورية.
تصف الآن دراسة جديدة نُشرت في مجلة Current Biology روتاديسكوس غرانديز بمزيد من التفصيل بعد اكتشاف حفريات نادرة ومحفوظة بشكل استثنائي من الكائنات الحية في تشينغيانغ Chengjiang في مقاطعة يونان في الصين. ألقت الحفريات التي يبلغ عمرها 518 مليون عام ضوءًا جديدًا على تطور الأنواع الأوائل لمجموعات الحيوانات الرئيسية.
يقول الدكتور عمران الرحمن، الباحث الرئيسي في المتحف والمؤلف الرئيسي للدراسة، «روتاديسكوس ليس مثل أي شيء نراه على قيد الحياة اليوم. ولهذا السبب أجد هذه الأنواع من العجائب الغريبة رائعة للغاية».
«استنتجنا أن بعض الميزات التي ربما افترضنا أنها كانت موجودة في السلف المشترك لمجموعات الحيوانات الرئيسية، مثل ذيل ما بعد الشرج، تطورت في الواقع بشكل مستقل. حفريات العصر الكمبري أساسية لفهم هذه الأنواع من العمليات».
لماذا كان من الصعب وصف روتاديسكوس؟
منذ أكثر من نصف مليار سنة، شهدت العصر الكمبري انفجارًا غير عادي في التطور أدى إلى تنوع مذهل في الحياة. ظهر خلال هذا الوقت أنواع من العديد من مجموعات الحيوانات الرئيسية والتي لا تزال على قيد الحياة اليوم، بما في ذلك الحبليات التي تنتمي إليها الفقاريات.
تمتلك العديد من الحيوانات في هذه الفترة تشريحًا فريدًا يبدو مختلفًا تمامًا عن أي شيء نراه اليوم. لكن عدم وجود سجل أحفوري يجعل فك رموز ماهية هذه الأنواع أو مكان تواجدها في شجرة الحياة أمرًا صعبًا لعلماء الحفريات.
في الماضي وضع العلماء روتاديسكوس Rotadiscus وأقرب أقربائه من الأحافير في عدد من المجموعات المختلفة، بما في ذلك خيار البحر وقنديل البحر. لكن الحفريات الجديدة للروتاديسكوس من منطقة تشينغيانغ تساعد في توضيح هذا الأمر.
تشتهر منطقة تشينغيانغ بحفريات الكمبري المحفوظة بشكل استثنائي. والسبب المحتمل هو أن هذه الحيوانات دفنت بواسطة تدفق طيني بسرعة كبيرة بينما كانت ما تزال على قيد الحياة، مما أدى إلى دفنها ومنع تسوسها بواسطة البكتيريا والحيوانات الأخرى.
وحفريات الروتاديسكوس الجديدة ليست استثناءً، فقد أظهر حفظها الاستثنائي هياكل بتفاصيل أكثر مما لوحظ سابقًا، مثل آثار الأعصاب المحتملة في الزوائد وهيكل حلزوني مزدوج جديد.
يقول عمران: «لم نكن متأكدين من نوع حيوان الروتاديسكوس، مما زاد من صعوبة استخدامه كأداة لفهم تنوع الحياة».
«لذلك كان هدفنا الرئيسي في هذه الورقة هو معرفة ماهية الروتاديسكوس ومن ثم الكشف عن أهميته التطورية».
لماذا تعتبر حفريات الروتاديسكوس مهمة؟
إن الحفظ الاستثنائي لعينات الروتاديسكوس في تشينغيانغ يعني أن العلماء يمكنهم تحديد ميزات جديدة للمساعدة في تحديد الأهمية التطورية للحيوان.
حلل الباحثون 330 سمة من حوالي 60 مجموعة مختلفة من الحيوانات المنقرضة والباقية، بحثًا عن أوجه التشابه التي يمكن أن تشير إلى وجود صلة. حُدد الروتاديسكوس ليكون عضوًا مبكرًا جدًا في مجموعة من الحيوانات تسمى قنابيات الحركة ambulacrarians، والتي تحتوي على ديدان البلوط وشوكيات الجلد مثل نجم البحر وقنافذ البحر.
ساعدت الشجرة التطورية الجديدة بما في ذلك الروتاديسكوس Rotadiscus وغيرها من الحفريات الباحثين في إعادة بناء تطور سمات الحيوانات الرئيسية. كانت إحدى السمات ذات الأهمية الخاصة هي وجود ذيل يمتد خلف فتحة الشرج.
اعتقد العلماء في الأصل أن ذيل ما بعد الشرج كان موجودًا في السلف المشترك لجميع الأسماك وديدان البلوط. ومع ذلك، نظرًا لأن الروتاديسكوس Rotadiscus يفتقر إلى ذيل ما بعد الشرج، يبدو الآن أن هذه السمة ربما تطورت بشكل مستقل داخل هذه المجموعات المختلفة.
تُعرف هذه العملية بالتطور المتقارب، إذ تتطور نفس الميزة بشكل منفصل عدة مرات، غالبًا استجابة لضغوط بيئية.
يقول عمران: «من خلال تحليلنا، يمكننا سد فجوة تطورية عند دراسة روتاديسكوس وأقاربه. هذا مهم لأن أحد أهداف علماء الأحافير هو محاولة فهم شجرة الحياة وكيف ترتبط الأشياء ببعضها البعض».
«ولكنه مثير أيضًا لأنه يتيح لنا فهمًا أفضل لتطور مجموعات الحيوانات الرئيسية الأخرى، بما في ذلك المجموعة التي تشمل البشر. وهذا يساعد أيضًا في تعزيز الأهمية الحاسمة للحفريات، فالتنبؤات التي قدمناها في هذا التحليل لا يمكن أن تكون على أساس الحيوانات الحية وحدها».
«فقط من خلال دمج هذه العجائب الغريبة التي يصعب فهمها في أشجارنا التطورية يمكننا البدء في الحصول على فهم أفضل للأصل والتطور المبكر لمجموعات الحيوانات الرئيسية».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org