يعتمد تدريب العلماء غالبًا على البحث عن أفضل حل مطلق لمشكلة معينة. فمثلًا عند التعامل مع رسم بياني على لوح الطباشير، سيبحثون عن الحد الأدنى أو الحد الأقصى للنقطة المطلوبة. عند تصميم محرك نفاث توربيني، قد يعني ذلك تعديل زوايا شفرات الدوار بدرجة صغيرة لتحقيق زيادة بنسبة عُشر بالمئة في الكفاءة.
كان أدريان بيجان الأستاذ المتميز في الهندسة الميكانيكية في جامعة ديوك، مشغولًا بشرح محاضرة لفصل مليء بالطلاب عندما خطرت بباله فكرة: الطبيعة لا تعمل بهذه الطريقة. التطور هو سلسلة من تغييرات في التصميم تحدث من تلقاء نفسها في اتجاه واضح، إنه لا يربط نفسه أبدًا بنقطة واحدة على لوح الطباشير.
إن النظام أو الحيوان المتطور له الحرية في اتباع ما ينجح. ليس لدرجة تجعله يعاني بشكل هائل، ولكن لدرجة كافية يستطيع فيها الوصول إلى خيارات أخرى قريبة لما يسمى بالتصميم الأمثل.
نظرًا لأن العلم غالبًا ما يبحث عن أدلة في الطبيعة لحل التحديات التي تمثل أمامه، تساءل بيجان عما إذا كان يستطيع النظر في الاتجاه المعاكس، أي هل يستطيع التنبؤ بالطبيعة قبل النظر إليها. إذا كان القائمون على حل المشكلات والبنائين أحرارًا في تفويت أعلى علامة مطلقة، فإلى أي مدى يمكن أن تصل التصاميم التي يعتبرونها معقولة؟
طرح بيجان هذا السؤال في ورقة بحثية جديدة نُشرت على الإنترنت في 16 مايو في مجلة Biosystems. باستخدام مثالين بسيطين نسبيًا، ممرات تنقل الركاب من قطار وطائر يرفرف بجناحيه. اكتشف أن الإجابة هي: «كثير جدًا».
قال بيجان: «في الهندسة أو التصميم أو المسرح أو الهندسة المعمارية أو حتى تنظيم هذه الجامعة، يستفيد أي شكل من أشكال التصميم من القدرة على اتخاذ قرارات جيدة ولكنها غير كاملة وحرية المضي قدمًا والتفكير في فرص أخرى للتحسين. إذا تمسك المرء بفكرة الأفضل على الإطلاق، فلن يبني الإنسان شيئًا جديدًا أبدًا».
في ورقته البحثية، يشرح بيجان أولًا مثال الركاب الذين يصلون بالقطار ويمشون عبر غرفة فيها العديد من نقاط الخروج. مع بقاء المساحة الإجمالية للغرفة ثابتة ولكن يمكن تغيير طول وعرض الغرفة بحرية، يستطيع بيجان أن يقرر الشكل الأمثل للغرفة لنقل جميع الركاب إلى حيث يتجهون بشكل أسرع. مع وجود معادلات الحل في متناول اليد، يوضح أن السماح بالمناورة بالعيوب بنسبة 1% بعيدًا عن أفضل أداء يفتح مساحة التصميم بنسبة 28%.
في مثاله الثاني، ينظر بيجان إلى حركة خفقان الطيور على ارتفاع وسرعة ثابتين تقريبًا. بالنظر إلى القوى المختلفة المتضمنة، السحب أثناء الانزلاق، والرفع الناتج عن حجم الجناح وسرعته وحجم الجسم، من بين أمور أخرى، يصوغ معادلة لإيقاع الأجنحة اللازم للحفاظ على سرعة ثابتة بأقل جهد. على الرغم من وجود إجابة مثالية، يوضح بيجان مرة أخرى أن السماح بنسبة 1% فقط من النقص فوق الحد الأدنى من الجهد النظري يفتح مساحة التصميم بنسبة 20%.
يقول بيجان إنه اختار هذه الأمثلة لأنها تضمنت تغيير متغير واحد فقط، درجة واحدة من الحرية، شكل الغرفة أو إيقاع الرفرفة للجناح. في الأمثلة الأكثر تعقيدًا التي تتضمن العديد من المتغيرات، تخلق هذه التفاوتات الصغيرة للعيوب نطاقًا أوسع من الحلول «الجيدة بدرجة كافية».
الدرس المستفاد هو أن العلم لديه الآن فكرة تنبؤية عن كيفية عمل الطبيعة. يستطيع الباحثون الآن من خلال تركيزهم بشكل أقل على العثور على التصميمات المثالية البحث بحرية عن تصاميم جديدة تمامًا لم تخطر على بالهم مسبقًا. ويؤدي ذلك في النهاية إلى الوصول إلى تصاميم وأساليب ومجالات دراسة قادرة بأكملها على التكيف مع عالم متغير.
قال بيجان: «فكرة البحث عن أفضل تصميم غير مفيدة. يجب أن يسير تعليم العلوم جنبًا إلى جنب مع حرية أخذ لقطة، وإهمال المنطقة المجاورة للعلامة والمضي قدمًا. الهدف النهائي ليس فقط إصابة نقطة الهدف، ولكن الاحتفاظ بمزيد من الأسهم في جعبتك لمواصلة التقاط الصور على مدى فترة طويلة من الزمن».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org