الدروس التي نتعلمها من التكيف التطوري للأخطبوط والحبار.
تباعدت رأسيات الأرجل مثل الأخطبوط والحبار تطوريًا عن الرخويات. تمتلك هذه الحيوانات أنظمة عصبية مدمجة متقنة تقع داخل زوائد أذرع متخصصة، والتي تستطيع إظهار مجموعة متنوعة بشكل مدهش من السلوكيات.
إذًا كيف تطورت هذه الحيوانات من ناحية السلوك والأعصاب؟
في دراستين منفصلتين نُشرتا في مجلة Nature، اكتشف باحثون من مختبر بيلونو في جامعة هارفارد ومختبر رايان هيبس في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو بعض الأدلة، مع التركيز على كيفية تكيف أنظمة رأسيات الأرجل العصبية التي تستشعر بيئاتها البحرية. يصف الباحثون تطور الحيوانات باستخدام عائلة من المستقبلات الكيميائية داخل أذرعهم ويقدمون لمحة عن كيفية حدوث مثل هذه التغييرات الوظيفية على الأرجح كتكيفات مع البيئة على مدى الزمن التطوري.
في أولى الأوراق، وصف الباحثون كيف يعيد الأخطبوط توجيه مستقبلات الناقل العصبي التي ورثها من أسلافه ليشعر ببيئته الخارجية. اكتشفوا أن مستقبلات الأخطبوط الكيميائية تطورت من مستقبلات الناقل العصبي الأستيل كولين، وهو نفس النوع الذي يمتلكه البشر في الوصل العصبي العضلي. وبدلاً من استشعار النواقل العصبية، تحتوي مستقبلات الأخطبوط على تكيفات مهمة لاستشعار الجزيئات الدهنية غير القابلة للذوبان نسبيًا والتي تلتصق بالأسطح.
قال كبير الباحثين نيكولاس بيلونو، الأستاذ المساعد في قسم البيولوجيا الجزيئية والخلوية: «إنهم يستخدمون أذرعهم ليستكشفوا بيئتهم عبر ملامسة الشقوق في قاع البحر».
حدد الفريق البنية ثلاثية الأبعاد لمستقبل الأخطبوط الكيميائي وقارنوه بمستقبلات الأسيتيل كولين لفحص كيفية انتقاله من الأسلاف. بدا الهيكل العام للمستقبلَين متشابهين.
قال بيلونو عن السطح اللزج الكبير: «يختلف الجيب المرتبط بمستقبل الأخطبوط، على الرغم من وجوده في مكان مشابه للمكان الذي يلتصق به الناقل العصبي عن الموجود عند الأسلاف. واكتشفنا أن جيب الربط يخضع لضغط انتقائي تطوري».
يشرح هذا كيف يمكن لحيوان مثل الأخطبوط أن ينتقل من ناقل عصبي إلى محسس كيميائي بيئي، مثل حاسة الشم أو التذوق، عن طريق تغيير جزء من البروتين بمهارة لإنشاء مستقبل جديد ووظيفة سلوكية جديدة.
على النقيض من أبناء عمومتهم الأخطبوط، فإن الحبار عبارة عن مفترسات تضرب وتلتقط الفريسة المطمئنة بأذرعها الثمانية ومخالبها الطويلة. وبدلاً من استخدام أذرعهم لفحص الأسطح، فإنهم يمسكون بالفريسة ويلفونها بها لتناول الطعام.
قال بيلونو: «في الورقة الثانية، وجدنا أن المستقبلات الكيميائية للحبار أكثر تشابهًا مع حاسة التذوق لدينا». اكتشف الفريق أن مستقبلات الحبار تكيفت لاستشعار الجزيئات المرة. إذا شعر الحبار بالمرارة، فقد يفسر ذلك على أنه سام أو غير مرغوب فيه وسيترك فريسته بعد تذوقه. مرة أخرى، وجد الفريق أن الاختلاف الرئيسي بين مستقبل الناقل العصبي البشري ومستقبلات الحبار كان في جيب الربط.
قال بيلونو: «في هذه الحالة، كانت هناك مستقبلات أقل من تلك الموجودة في الأخطبوط، وتشبه هذه المستقبلات جيب ربط الناقل العصبي الذي يرتبط بالجزيئات المحبة للماء. نرى هذا الاختلاف بين الأخطبوط والحبار على أنه يعكس الجدول الزمني التطوري والتكيف، إذ نرى التغير من الانتقال العصبي في مستقبلات الأسيتيل كولين إلى الطعم المر القابل للذوبان في الحبار، إلى أحدث ابتكارات استشعار الذوق عن طريق اللمس للجزيئات غير القابلة للذوبان في الأخطبوط».
في عام 2020، أفاد فريق بيلونو لأول مرة أن الأخطبوط يستخدم مستقبلات كيميائية في أذرعهم للبحث عن بيئاتهم واستكشافها. توفر هاتان الورقتان الجديدتان معًا أساسًا لفهم كيف يمكن للتكيفات الهيكلية الدقيقة، مثل تلك الموجودة في مستقبلات رأسيات الأرجل، أن تقود سلوكيات جديدة تناسب السياق البيئي المحدد للحيوان.
قال بيلونو: «رأسيات الأرجل هي نماذج ممتازة لدراسة التطور. وتقدم هذه الدراسات مثالًا رائعًا وغير متوقع لكيفية استغلال هذه المخلوقات لدراسة الابتكار البيولوجي بدءًا من المستويات الذرية حتى المستويات العضوية».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org