اكتشاف إشارات جديدة للانتقاء الطبيعي لدى البشر
يحمل التسمانيون والموسيتيون صفات تطورية متعلقة بالمناعة والتمثيل الغذائي تطورت عبر الانتقاء الطبيعي.
بقيادة مايكل جورفن، المدير المشارك لمشروع الصحة وتاريخ الحياة بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا تسيمان، درس الفريق مجموعتين تعيشان في غابات الأمازون البوليفية المطيرة، هما التسمانيون والموسيتيون. تظهر الدراسات السابقة أن هذه التجمعات الاستوائية معرضة للعديد من الطفيليات ومجموعة متنوعة من مسببات الأمراض. لكن نادرًا ما يعاني شعب تسمانيا من أمراض القلب والأوعية الدموية والخرف. يشير هذا البحث الجديد إلى أن جينوم التسمانيين خضع لانتقاء السمات المرتبطة بالمناعة والتمثيل الغذائي.
يضيف العمل سياقًا حول تطور وتخصص البشر في جميع أنحاء العالم، ويتجاوز عددًا قليلاً من الحالات المعروفة. فمثلًا، يمكن لأحفاد الأوروبيين وبعض الأفارقة وأحفاد الشرق الأوسط هضم اللاكتوز في مرحلة البلوغ، مما يحافظ على قدرتهم على شرب الحليب بعد سن البلوغ لدى هؤلاء السكان. نُشرت الدراسة في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences.
وفقًا للمؤلفة الرئيسية والأستاذة في جامعة فاندربيلت أماندا ليا «على الرغم من الاهتمام الكبير بفهم متغيرات الحمض النووي التي تختلف بشكل تكيفي بين المجموعات السكانية، ما يزال من الصعب تحديد هذه المتغيرات وتمييزها. ومع ذلك، فإن العمل مهم لأنه يمكننا اكتشاف أجزاء من الجينوم المتنوع والمهم من المنظورين التطوري والطب الحيوي».
جزء فريد من هذا البحث بشكل خاص هو أصوله: تعاون بين مشروع تسمانيا للصحة وتاريخ الحياة والمجتمعات التسمانية والموسيتية. على مدار 20 عامًا، تضمن المشروع العمل المشترك بين علماء الأنثروبولوجيا والأطباء وقادة السكان الأصليين وأفراد المجتمع والمؤسسات المحلية لتكوين صورة عن صحتهم وتحسينها.
تعد مثل هذه الشراكات الموثوقة أمرًا مهمًا للتقبل الأخلاقي لدراسة الحمض النووي في السكان الأصليين. في الواقع، طور الفريق نظامًا جديدًا لمشاركة البيانات، وهو نظام يوازن بين أهداف العلم المفتوح والحاجة إلى العدالة والإنصاف وسيادة البيانات الأصلية. إنها طريقة للمضي قدمًا للعلم الغربي في جهوده لمعالجة قضايا مثل الافتقار إلى التنوع في عمل الجينوم البشري، والتحفظ التاريخي وعدم الثقة لدى العديد من السكان الأصليين في المشاركة في الدراسات الجينية والطبية الحيوية.
قال جورفن عن أهمية العمل مع السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية: «كانت معظم الأبحاث التي تربط طفرات الحمض النووي بالصحة على سكان أوروبا أو أمريكا الشمالية. تمتلك مجموعات مثل التسمانيين تاريخ مختلف في العيش في بيئة مختلفة. ومن المنطقي أن المتغيرات الجينية الفريدة عند التسمانيين غير موجودة في المجموعات السكانية المدروسة بشكل متكرر. نستكشف المتغيرات الفريدة وعلاقتها بالعواقب الصحية ونحن سعداء جدًا بذلك».
وباستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات، وجد العلماء 21 منطقة في الجينوم خاصة بسكان تسمانيا، بما في ذلك الجهات الفاعلة الرئيسية التي تؤثر على الدفاعات المناعية ضد الكائنات الحية الدقيقة والكبيرة، وكيفية استقلاب الخلايا للدهون. وجدوا أن السمات المتعلقة بالمناعة تتأثر بالانتقاء الذي يحدث في مناطق جينية متعددة في وقت واحد (يسمى الانتقاء متعدد الجينات). وأظهروا أن العديد من الجينات المعبر عنها في الدم مرتبطة بوظيفة المناعة، وأن الجينات المنظمة تؤثر على مستويات خلايا الدم البيضاء، وكوليسترول الدم، وسكر الدم.
كانت إحدى النتائج المدهشة للباحثين هي العثور على متغيرات مفيدة على ما يبدو تؤثر على الطريقة التي تستخدم بها القبائل التسمانية الطاقة. أشارت الأبحاث السابقة إلى أن الأليلات الضارة في السكان الأمريكيين أو الأوروبيين، بما في ذلك أبوليبوبروتين أي-4 (Apolipoprotein-E4) التي تزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، لها تأثير خافت أو حتى إيجابي في بيئة تتسم بوجود العديد من العوامل المعدية وطاقة محدودة مثل المكان الذي يعيش فيه التسمانيين. قد تعزز دراسة المتغيرات الجينية التي تؤثر على المناعة، وخطر الإصابة بالعدوى وصحة القلب والأوعية الدموية فهمنا بشكل كبير لسبب استمرار وجود الأليلات الضارة حتى اليوم.
أنجز العلماء هذا المشروع مع التسمانيين، وهم مجموعة من أكثر من 35 مجموعة من السكان الأصليين في بوليفيا. يبلغ عدد سكان تسمانيا حوالي 17000 شخص في 90 قرية. جمع مشروع تسمانيا للصحة وتاريخ الحياة عينات الدم من أكثر من 1000 شخص بين عامي 2006 و2015.
جُمع الحمض النووي والمعلومات حول الأشكال المتعددة للنيوكليوتيدات المفردة من عينات الدم، وحدد الفريق مناطق الجينوم التي خضعت لانتقاء إيجابي. استخدم الباحثون البرامج الإحصائية وقواعد البيانات عبر الإنترنت لتحديد الارتباطات في المجالات الوراثية المتعلقة بالمناعة. حققت المجموعة أيضًا في العلاقات بين الأنماط الجينية (الجينات) والأنماط الظاهرية (كيف يُعبر عن هذه الجينات).
في المستقبل، يخطط الفريق لاستكشاف طرق أخرى قد تختلف بها جينات التسيمانيين عن تلك الخاصة بالسكان الآخرين، مثل الأوروبيين. وسيشكل ذلك مرجعًا غنيًا عن شعب تسيمانيا باستخدام تقنيات طبية حيوية أخرى، بما في ذلك علم تقنيات النسخ، وعلم الاستقلاب، والميكروبيوم، لربط علم الوراثة بالصحة.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org