يضيف اكتشاف جديد مفاده أن البشر يستطيعون تفسير إيماءات الشمبانزي والبونوبو بشكل صحيح إلى الأبحاث المتزايدة التي تشير إلى أن اللغة البشرية ربما تطورت من قاموس لإشارات اليد والجسم.
في الغابة بالقرب من وامبا، وهي قرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تتكاثر بعض أنواع البونوبو المتبقية وتتغذى وتستريح على الأشجار. مثل القردة العليا الأخرى، تتمتع هذه الحيوانات بحياة اجتماعية نشطة، وتتواصل مع زملائها باستخدام حوالي 80 نوعًا من الإيماءات. قضت عالمة الرئيسيات كيرستي جراهام من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا مئات الساعات بين هذه الفرقة الصاخبة والمهددة بالانقراض لفك شفرة التفاعلات غير اللفظية بين أعضائها. أكد هذا العمل أنه عندما يضرب أحد الحيوانات الزغب الأسود الموجود على صدره مرارًا وتكرارًا، فإنه يتوسل للزواج. وعندما يضع يده تحت ذقن شخص آخر، فإنه يطلب الطعام.
طورت زميلة جراهام في سانت أندروز، كاثرين هوبيتر قاموس مماثل للغة الجسد من خلال مراقبة الشمبانزي في شرق إفريقيا في محمية غابة بودونغو المركزية في أوغندا. إن إيماءات كلا النوعين، وهما أقرب أقرباء البشر، أكثر تعقيدًا وتنوعًا من نطقهما، والتي تعكس بشكل أساسي الاحتياجات الملحة مثل العثور على الطعام أو اكتشاف الحيوانات المفترسة.
على النقيض من ذلك، تعمل إيماءات القردة كطريقة متعمدة لتوصيل أهداف يومية محددة، مما دفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن هذه الإشارات هي مقدمة للغة البشرية. تقول جراهام: «إنهم يستخدمون الإيماءات بطريقة أكثر تشابهًا مع اللغة، وبالتالي هناك نظرية مفادها أن اللغة البشرية ربما تطورت من هذا الأساس الإيماءي».
في بحث نُشر في مجلة PLOS Biology، قدمت جراهام وهوبيتر دليلًا مذهلاً على أن قدرة هذه الأسلاف قد تستمر عند البشر المعاصرين. لقد أظهروا أن جنسنا البشري يمكن أن يخمن جيدًا معاني إيماءات الشمبانزي والبونوبو؛ مما يشير إلى أن اللغة تطورت من نظام مفصل لإشارات اليد والجسم.
في الدراسة نفسها، عندما شاهد الآلاف من الأشخاص مقاطع فيديو على الإنترنت لقرود برية ترفع ذراعها وتخدش وتضرب أوضاعًا مختلفة، حصلوا على معنى لغة هذه الحيوانات أكثر بكثير مما كان متوقعًا. تقول جراهام: «يمكن للإنسان بدون أي تدريب وبدون رؤية أي من النتائج أو السلوكيات المحيطة أن يفهم ما تعنيه إيماءات الشمبانزي والبونوبو».
تشير النتائج إلى أن البشر لا يزالون يمتلكون القدرة لتمييز هذه اللغة. تقول جراهام: «قد يكون هذا شيء مشترك بيننا وبين سلفنا المشترك الأخير، وقد نكون في الواقع نحتفظ بهذه القدرة على فهم واستخدام إيماءات القردة العليا».
يملأ العمل فجوة في حالة النسب اللغوية المشتركة. لقد تعلم العلماء أن مفردات القردة العليا تتداخل على نطاق واسع، فحوالي 95 في المئة من إيماءات البونوبو هي نفسها التي يستخدمها الشمبانزي. في دراسة تجريبية أجريت عام 2019، وجدت هوبيتر وزملاؤها أن الغالبية العظمى من الإيماءات التي يستخدمها الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن عامين، والذين لا يستخدمون لغة الإشارة أو التحدث بشكل أساسي للتواصل، هي نفس إيماءات الشمبانزي.
لكن كان من الصعب العثور على أي تداخل إيمائي بين القردة البرية والبشر بمجرد بلوغ الأخير سن الرشد. تهيمن اللغة المنطوقة أو لغة الإشارة على التواصل البشري للبالغين، إلى جانب مجموعة كبيرة من الإيماءات، والعديد منها خاص ثقافيًا. تقول جراهام: «إن عدم انتقاء ما إذا كان لا يزال لدينا إمكانية الوصول إلى هذا التواصل عبر إيماءة القرد العظيم أمر صعب حقًا بمجرد مراقبة الناس».
خطر ذلك لجراهام وهوبيتر منذ عدة سنوات، فقد كانا يجمعان ويحللان مقاطع فيديو للقردة. فك الباحثون رموز معنى كل إيماءة قرد من خلال النظر إلى ما يحدث بعد ذلك. فمثلًا، إذا ثنى قرد ركبته الخلفية ورفع قدمه، ثم قفز طفله على ظهره، سيستنجون أن رفع القدم يعني «سآخذك في جولة». استغرقت عملية فك التشفير سنوات واشتملت على غربلة آلاف الأمثلة على مثل هذه السلوكيات. لكن طوال الوقت، كان لدى العلماء شعور بأنهم قد فهموا للتو ما كانت تقوله الحيوانات. تقول جراهام: «إننا نضيع كل هذا الوقت لنحاول أن نفهمهم، لكننا في أعماق أذهاننا نعرف حقًا ما الذي تعنيه هذه الإيماءات».
ما لم يعرفه الباحثون هو ما إذا كان الأشخاص العاديون الذين لم يقضوا فترات طويلة من العام يتسكعون مع القرود لديهم نفس الحدس. في عام 2017 قررت جراهام وهوبيتر معرفة ذلك. صمموا ما توقعوا أن يكون دراسة تجريبية صغيرة يحاول فيها الأشخاص العاديون تحديد إيماءات الشمبانزي من مقاطع الفيديو في اختبار عبر الإنترنت. عرضوا 20 مقطعًا قصيرًا من الشمبانزي أو البونوبو على كل متقدم للاختبار، وطلبوا منهم تحديد أي من الإجابات الأربعة المحتملة تصف معنى كل إيماءة. في أحد المقاطع، أعطى البونوبو رفيقه دفعة. في هذه الحالة، كان الحيوان يقول، «تسلق على ظهري». ولكن عندما فعل الشمبانزي الشيء نفسه، كان يخبر رفيقه أن ينتقل إلى مكان جديد.
بعد أن التقطت وسائل الإعلام عمل الفريق، سجل أكثر من 17000 شخص الدخول لمشاهدة مقاطع الفيديو. استبعد الباحثون المشاركين الذين لم يشاهدوا جميع المقاطع، والذين شاهدوا المقاطع أكثر من مرة أو الذين قالوا إنهم لديهم خبرة مع القرود، وبقي 5656 نتيجة. تقول إيريكا كارتميل، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والتي لم تشارك في الدراسة: «إنها حقًا شكل رائع من علم الجميع، فمن المذهل وجود هذا العدد من الأشخاص الذين ينظرون إلى إيماءات القرود بهذه الطريقة».
إذا لم يكن لدى الناس أي فكرة عما كانت تفعله القردة، فسيكونون على صواب بنسبة 25 في المئة من الوقت بالصدفة، ويختارون بشكل صحيح واحدة من الإجابات الأربعة. لكن متوسط الدرجات كان أعلى بقليل من 50 في المئة، وهي نتيجة إحصائية قوية، بالنظر إلى حجم الدراسة. يقول فيديريكو روسانو، عالم النفس المقارن في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، الذي لم يشارك في الدراسة «إن قدرة البشر على فهم سلوكيات الحيوانات الأليفة، مثل القطط والكلاب محدودة أكثر. فبعض الناس بارعون جدًا في تفسير الحيوانات الأليفة، لكن الكثيرين ليسوا كذلك. في الواقع، قد تحصل على عضة نتيجة فهمك الخاطئ لهم».
حتى أن المشاركين في الدراسة فهموا إيماءات القرد الغامضة، تلك التي لها أكثر من معنى محتمل في مجتمع القردة، مع استثناء واحد: عندما يهز الشمبانزي شيئًا مثل فرع شجرة، فهذا يعني غالبًا «لنمارس الجنس»، ولكنه قد يعني «تحرك بعيدًا عني» حسب السياق. اختار الناس المعنى الصحيح لهذه الإيماءة، والتي أطلق عليها الباحثون «اهتزاز الجسم»، ولم يكن ذلك من المصادفة. وبشكل عام تفاوتت معدلات الدقة في الدراسة قليلاً حسب نوع الإيماءة. يقول تيبود جروبر، عالم الرئيسيات في جامعة جنيف، والذي لم يشارك في الدراسة: «يخبرك ذلك أننا لا نفهم الأشياء الخاصة جدًا بلغة الشمبانزي»
لكن لا ينبغي الاستهانة بإنجازات المتقدمين للاختبار. تحصل القردة على سياق مهم لتفسير الإيماءات الغامضة من خلال التعايش مع بعضها البعض. تقول جراهام: «نظرًا لأن الأشخاص لا يحصلون على أي من ذلك في مقاطع الفيديو هذه، فمن المدهش حقًا أنهم لا يزالون قادرين على فهم الإيماءات».
لماذا يستطيع البشر فهم إيماءات القردة. تنفصل أنساب الإنسان والشمبانزي لمدة تصل إلى ستة ملايين سنة. أحد الاحتمالات هو أن جميع القردة العليا، بما في ذلك البشر، ورثت مجموعة مشتركة من الإيماءات. والسبب الآخر هو أن البشر وغيرهم من القردة العليا يشتركون في القدرة على استخدام حركات الجسم كأدوات تواصل، وهو ما تسميه جراهام «التواصل المتجسد».
التفسير الثالث هو أن التشابه في شكل الجسم بين البشر والقردة العليا الأخرى، جنبًا إلى جنب مع القدرات المعرفية للبشر، يجعل من السهل على الناس استنتاج المعنى من حركات القرود. يقول كارتميل إن الدراسة تترك هذه الاحتمالات من دون حل. ووصف العمل بأنه «خطوة أولى جميلة» تظهر أن البشر يمكنهم التعرف على نية ومعنى اتصالات الأنواع الأخرى. لكنه يتساءل، «هل هذا لأننا جيدون جدًا في استدلالاتنا، أم لأن هناك نظامًا إيمائيًا أساسيًا مشتركًا؟»
يتابع كارتميل: «أعتقد أن الإيماءة كان لها دور قوي في تطور اللغة. أعتقد أن هذه الورقة تساهم في تلك القصة وتساعد على فتح إمكانيات جديدة لوجود مجموعة متجذرة من الإيماءات أو إحساس عميق الجذور لرؤية الإيماءات وإدراكها وفهمها».
لكن روسانو غير مقتنع بأن البشر وغيرهم من القردة العليا يشتركون في ذخيرة فطرية من الإيماءات. وقال: «يمكن للبشر أن يدركوا أن معنى نباح الكلب أو زئير الأسد هو تهديد، لكن هذا لا يعني أننا نشاركهم في النباح أو الزئير كأداة للتواصل».
حتى لو كان روسانو على حق، فإن الدراسة نفسها ما تزال لها قيمتها الخاصة كأداة تعليمية. يقول جروبر إن إشراك الكثير من الأشخاص في هذا البحث له فوائد تتجاوز العلم. ويتابع: «الشيء الرائع حقًا هو المنهجية وكيفية تفاعل الناس معها. هذا يجعلهم يدركون أننا قريبون جدًا من أقرب أقربائنا. هذا، بالنسبة لي، هو فوز. إنه مكسب مهم، وإظهار لمدى أهمية إبقاء هذه الأنواع في أذهاننا، وحمايتهم، وإنقاذهم».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: scientificamerican