جاء في بلاغ للباحثين في مجلة Cell، دارة عصبية دماغية متعددة الأقاليم تسمح ليرقات سمك الدانيو المخطط بتتبع مكانها الحالي والأمكنة السابقة وكيف تعود إليها من جديد. تلقي هذه النتائج الضوء على كيفية تتبع يرقات سمك الدانيو المخطط موقعها الحالي واستخدام تلك المهارة لإعادة توجيه نفسها بعد دفعها بعيدًا عن مسارها بفعل التيارات المائية.
يقول ميشا آرينز، كبير المؤلفين في مجمع جانيلا للأبحاث التابع لمعهد هوراد هيوز الطبي «درسنا سلوك تتذكر عبره يرقات أسماك الدانيو المخطط أمكنتها السابقة للحفاظ على موقعها الدقيق لأن التيارات المائية على سبيل المثال يمكن أن تجرفها لمناطق خطرة بعيدًا عن بيئتها الطبيعية. ومع ذلك من غير الواضح فيما إذا كانت قادرة على تتبع مواقعها بصورة واضحة على امتداد فترات زمنية كبيرة واستخدام معلومات تموضعية مخزنة بذاكرتها للعودة للأماكن السابقة، وهذا سلوك تدعوه الاستتباب التموضعي. يمكن لهكذا قدرات أن تكون مهمة وضرورية إيثولوجيًا لأن يرقات الدانيو المخطط تسبح بصورة متقطعة وتحركها التيارات المائية خلال الراحة.»
تحفظ العديد من الحيوانات مساراتها ضمن بيئتها، وتستخدم معلومات تمركز ذاتية للعديد السلوكيات المهمة كالعودة بنجاح للأمكنة الآمنة بعد زيارة مناطق مجهولة وخطرة، والعودة للمناطق الغنية بالغذاء، وتجنب هدر الطاقة بالتفتيش على الغذاء في الأماكن الفقيرة غذائيًا. معلومات التمركز الذاتي تنشأ عن تشكيل الحصين بيد أنه من غير المعروف كيفية نشوؤها، وفيما إذا كانت توجد ضمن مناطق دماغية أقدم، وأي مسارات دماغية تتحكم عبرها بعملية التنقل والحركة.
بحسب المؤلف الأول إن يانغ من مجمع جانيلا للأبحاث التابع لمعهد هوراد هيوز الطبي «من الصعب تحديد هكذا دارات عصبية لأن علم الأعصاب يتكئ عادةً على الإشارات المسجلة من الخلايا في مناطق دماغية مختارة مسبقًا تغطي جزء صغير من كافة الأعصاب في الدماغ.»
شرع الباحثون في الدراسة الجديدة بتحديد دارات ملاحية كاملة في يرقات الدانيو المخطط، من مكاملات الحركة انتهاء ً بالمراكز القشرية الأمام حركية، وذلك عبر تصوير وتحليل شامل لكامل الدماغ بدقة على مستوى الخلية أثناء تأدية سلوك يعتمد على التموضع الذاتي. كشف تصوير أكثر من ١٠٠ ألف عصبون في الحيوان الواحد عن مناطق دماغية كان مجهول سابقًا مساهمتها بالتموضع الذاتي، ما مهد لاكتشاف دارة عصبية متعدد الباحات في الدماغ الخلفي تتوسط عميلة تغيير السرعة لسلوك بالاعتماد على ذاكرة إزاحتها من أمكنتها.
وفقًا لآرينز «تكشف نتائجنا منظومة عصبية للتموضع الذاتي والسلوك المرافق في الدماغ الخلفي لدى الفقاريات وتقدم فهمًا تمثيليًا ومضبوط نظريًا على مستوى الدارات العصبية لوظائف المنظومة. تشمل هذه الوظائف ضمن نظام مغلق الحلقة مع البيئات الديناميكية وحلقة البيئة-الدماغ-السلوك، تشمل المكاملة والتمثيل العصبي للتموضع الذاتي والتحكم الحركي.» ويضيف «تبين هذه النتائج الحاجة لإعادة النظر بالأدمغة شموليًا وتوحيد أنظمة ومفاهيم علم الأعصاب -كالتموضع الذاتي والتحكم الحركي- التي عادةً ما تُدرس بشكل منفصل.
لم يقتصر كشف التصوير الوظيفي لكامل الدماغ عن وجود الاستتباب التموضعي في يرقات الدانيو المخطط، بل فسر أيضًا كيف يتعرف الدماغ على تغيرات الموقع ويغيرها. تحدد الدارة العصبية الكامنة الموقع الذاتي في جذع الدماغ الظهري عبر دمج المعلومات البصرية لتشكيل ذاكرة بالإزاحات المكانية السابقة أثناء تغيير المكان بشكل مباشر أو غير مباشر. تقرأ النواة الزيتونية السفلية هذه الرسالة كإشارة تموضعية خاطئة طويلة الأمد، ما يعكس الاختلاف بين المكان الأولي والموقع الحالي. تُنقل هذه الإشارة للأعصاب المحركة التي تصحح حالات الإزاحة المتراكمة على مدى ثواني عديدة.
يقول المؤلفون أن لهذه الدارة متعددة الباحات مماثلا تشريحية ووظيفية لدى الثدييات والعديد
. علاوة على ذلك، يربط هذا العمل التموضع الذاتي مع التحكم الحركي الزيتوني المخيخي ويعتبر الدماغ الخلفي للفقاريات كمركز تحكم عصبي للسلوك الملاحي الموجه.
بحسب آرينز «تتقاطع نتائجنا حول ذاكرة المكان والاستتباب التموضعي مع فكرة أن مناطق الدماغ القديمة تطوريًا تساهم مركزيًا مع السلوكيات العليا» ويضيف «تتماشى فكرة أن العمليات الإدراكية موزعة بشكل واسع على الجهاز العصبي مع الافتراض التطوري بأن السلوكيات المعقدة تنشأ، بشكل جزئي، عبر بناء دارات على حساب بنى الدماغ القديم المسؤولة عن أداء عمليات ذات صلة. يمكن بالتالي للدراسات الاستقصائية للنشاط العصبي والشاملة للدماغ أن تلعب دورًا مهمًا لتحديد آليات توزع الوظائف الإدراكية.»
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: sciencedaily