يتفق علماء الإحاثة بأن ضربة الكويكب الهائل قد قدحت الزناد لنهاية الديناصورات، لكن الجدل استمر بخصوص حالة الزواحف العامة عند الاصطدام المميت.
هل كانت الديناصورات غير الطائرة آخذة بالتناقص ليأتي النيزك ويسرع من انقراضها البطيء؟
أم أنها كانت مزدهرة في نهاية العصر الطباشيري لتأتي هذي الصخرة بتوقيت سيئ وتنهي هذه الفترة الذهبية؟
توفر دراسة حديثة تقودها جامعة إدنبرة دليل جديد على أن الديناصورات كانت آخذة بالقوة وقت زوالها المفاجئ. يفتش الباحثون ضمن سجلات الأحافير لإعادة بناء الشبكات الغذائية خلال الألفية السابقة واللاحقة لضربة النيزك، ويلقون أيضًا ضوءًا جديدًا على كيفية نجاة بعض الثدييات والطيور من الكارثة التي أنهت مسيرة حياة الديناصورات التي استمرت ١٦٥ مليون عامًا.
يقول عالم الإحاثة لويس تشيابي «إنها لدراسة مثيرة للاهتمام تتبع مقاربة غير اعتيادية في علم الإحاثة المتخصص بالفقاريات. إن النتائج متماسكة للغاية». تشيابي مدير معهد الديناصورات في متحف مقاطعة لوس أنجلوس للتاريخ الطبيعي، ولم يكن مشاركًا بهذا البحث.
راجعت الدراسة المنشورة هذا الشهر في مجلة Science Advances أكثر من ١٦٠٠ نوع أحفوري مؤرخ منذ ١٨ مليون سنة سابقة لضربة الكويكب – السنين الأخيرة من العصر الطباشيري – حتى الأربعة مليون سنة الأولى من العصر الباليوجيني الذي بدأ منذ فجر اليوم الذي ضربت فيه الصخرة البالغ عرضها ٧ أميال ونصف المنطقة المعروفة حاليًا باسم شبه جزيرة يوقطان في المكسيك.
تمثل الأحافير فعليًا كافة أنواع الحيوانات خلال تلك الفترة الزمنية، فرائس كانت أم مفترسات، من الأسماك والسمادل والضفادع والتمساحيات والديناصورات وصولًا إلى الثدييات.
يقول المؤلف الرئيسي خورخي غارسيا-غيرون «خَلَص الباحثون بعد تمعنهم بأرقام الأحافير المعثور عليها إلى أن الديناصورات قد احتلت مكانة مستقرة وقوية في الشبكة البيئية وقت انقراضها، دون أي دليل في السجل الأحفوري يقترح أن مصادر فرائسها كانت آخذة بالتناقص». غارسيا-غيرون عالم بيئة في جامعة أولو في فنلندا وجامعة ليون في إسبانيا.
أمضت الثدييات، التي لم تتمتع بنفس الدرجة من الأمان في الشبكة الغذائية كنظرائها من الديناصورات، أواخر العصر الطباشيري محاولةً كسب موطئ قدم متواضع لها ضمن بيئة هيمنت عليها الزواحف الضخمة. وجد الباحثون تنوعًا واسعًا من أنواع الثدييات، وهذه النتائج تشير لتكون فصيلة خلال عملية التكيف لعالمها.
يقول غارسيا-غيرون «إنها أشبه بمقايضة إن صح القول، إذ كانت الديناصورات مستقرة أكثر بكثير في بيئاتها، وكانت بالطبع أسياد أنظمتها البيئية. بينما كانت الثدييات، من جهة أخرى، آخذة بالتنوع وبدء استيطان موائل وبيئات مختلفة»
كانت هذه المرونة بمثابة الخلاص للثدييات عندما ضرب الكويكب ضربته.
أباد الانقراض الطباشيري-الباليوجيني أو ما يعرف بحادثة K/Pg ما يُقدر بـ ٧٥٪ من أنواع الكوكب آنذاك. عندما وقع الاصطدام وما تلاه من نيران وغيوم محملة بمواد جزيئية أحرقت المشاهد الطبيعية وحورت الغلاف الجوي، عجزت معظم الديناصورات عن حفر جحور للاختباء أو أن تطير لمناطق أكثر أمنًا أو أن تغمر نفسها في المياه لتنجو من الكارثة كما فعلت الأنواع الباقية.
كتب المؤلف رايلي بلاك في كتاب (الأيام الأخيرة للديناصورات: نيزكٌ وانقراضٌ وبزوغ فجر عالمنا) «كانت اصطدام نيزك مهولًا لدرجة انعدم فيها أي مكان آمن على وجه الأرض. وقفت الحياة البرية عاجزة أمام الهواء الذي غدا مميتًا بحد ذاته».
تواءمت البيئات ومناخ العصر الطباشيري المتأخر بشكل مثالي مع الديناصورات. وعندما مُحي ذلك العالم في ليلة وضحاها، زالت الديناصورات معه.
وفي حين يجيب البحث الجديد عن تساؤلات حول حدث هام في ماضي الكوكب، يمكن أن يساعد أيضًا بتفسير مستقبله. إن فهم الانقراضات الجماعية الخمسة في السجل ما قبل التاريخي من شأنه أن يساعدنا بتنبؤ تأثير التغير المناخي المحرض من قِبل البشر على معاناة وتناقص أنواع الحيوانات والنباتات.
يقول غارسيا-غيرون «أنواع المياه العذبة آخذة بالاختفاء بالفعل على سبيل المثال. إن استطعنا تمييز العوامل التي عززت بقاء وحيش المياه العذبة في الماضي، يمكننا استخدام تلك المعلومات للتنبؤ بتبعات فقدان التنوع الحيوي في المياه العذبة القيد الحدوث في وقتنا الراهن».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org