يتوقف الجواب على تعريفنا للزواج الأحادي
ثمة أمر محبب ورومانسي بمغازلة البطريق. بعد قضاء أشهر في البحر بحثًا عن الأسماك والسباحة في أكثر المياه تجمدًا، تتزحلق أنثى بطاريق آديلي (Pygoscelis adeliae) إلى مناطق التكاثر ذاتها عامًا تلو الآخر. تتمايل أمام صف من ذكور البطاريق المتزينة والهاتفة، وتتجاهل الإناث محاولات التقرب ويتوجهن مباشرة لقرائنها من الموسم السابق: الذكور الذين وصلوا قبل الإناث لترتيب عشهم.
هذا النوع من البطاريق يمثل نموذجًا للالتزام طويل الأجل. لكن هل تلتزم جميع طيور البطريق بشريك واحد طوال حياتها؟
اتضح أن هذه البطاريق قد تكون الاستثناء وليس القاعدة. رغم أن معظم طيور البطريق تقترن بشريك واحد فقط في كل موسم تكاثر، إلا أنها قد تتجامع مع العديد من البطاريق الأخرى في مستعمرة تكاثرية قبل استقرارها في العش. وتختلف معدلات الإخلاص بشكل كبير بين الأنواع. حب البطاريق معقد.
قالت إيما ماركس، عالمة البيئة السلوكية في جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، والتي تدرس سلوك التكاثر واختيار التزاوج في أنواع التكاثر الاستعماري – الطيور التي تتجمع في مستعمرات شاسعة للتعشيش: «الإجابة باختصار لا، طيور البطريق ليست أحادية الزواج». قال ماركس لـ Live Scienceقد تكون الأنواع الاستعمارية كطيور البطريق أحادية الزواج، من حيث امتلاكها رفيقًا واحدًا تعشش معه وتربي الفراخ كل موسم». لكن هذا لا يعني عدم وجود (ممارسات مشبوهة).
يمكننا القول أن طيور البطريق ليست أحادية الزواج جنسيًا. تجرب العديد من البطاريق الأجواء قبل أن تأوي لرفيق لبقية الموسم – أحيانًا تتجامع مع بطاريق في المستعمرة تحدثت إليها سابقًا، ما يتسبب بدراما شبيهة بالمسلسلات.
عندما يفشل ذكر مرتبط في العودة إلى مناطق التكاثر، قد تتجامع رفيقته الوحيدة مع ذكر مختلف. وينشب قتال كبير عندما تصل شريكة ذلك الذكر من الموسم الماضي إلى العش وتجد أنثى جديدة مكانها. عادة ما تفوز الأنثى الأصلية.
إحدى نتائج مثلثات الحب الفوضوية هذه هي أنه بحلول الوقت الذي تضع فيه الأنثى بيضتها، ليس واضحًا دائمًا ما إذا كان الذكر الذي ستقضي الموسم معه يربي فرخه الخاص أم فرخ غيره. وصفت دراسة أجريت عام 2018 في مجلة Zoo Biology أحد بطاريق جنتو(Pygoscelis papua) في حوض مائي في ولاية يوتا، والذي انتهى به الأمر، نتيجة علاقة رفيقته «غير الشرعية» بزوجين اثنين، بتربية فرخين من نسل ذكر مختلف. أفاد مؤلفو الدراسة أن العلماء ليسوا متأكدين من تواتر هذا الأمر في الطبيعة. يمكن لأجهزة التتبع والتقنيات الأخرى أن تساعد الباحثين في مراقبة سلوك التزاوج والترابط الزوجي، لكن لم يكن هناك جهد متضافر لفحص نسب الفراخ في البرية.
في الوقت نفسه، تعتبر طيور البطريق أحادية الزواج اجتماعيًا إلى حد ما. يتطلب الأمر شريكين ملتزمين لتربية فرخ في بيئة قاسية كالقارة القطبية الجنوبية، وتترابط طيور البطريق الزوجية لتقسيم مسؤوليات صيانة العش واحتضان البيض والصيد بكفاءة.
قال ماركس: «الزواج الأحادي الاجتماعي شرط أساسي. تطلب تربية الفراخ الكثير من التنسيق بين الزوجين، وإذا انهار ذلك، فسيكون التكاثر فاشلاً»
يمكن أن تستمر هذه الترتيبات الاجتماعية على المدى الطويل، حيث يعود الزوجان كل موسم تكاثر إلى عشهما لمدة عام آخر. تواتر حدوث ذلك يعتمد جزئيًا على الأنواع. وجدت مراجعة الأدب لعام 2013، التي نُشرت في مجلة Comptes Rendus Biologies أن 89٪ من بطاريق غالاباغوس (Spheniscus mendiculus) تلتزم بأزواجها؛ ومع ذلك، في دراسة عام 1999 في مجلة The Auk وجدت أن 15٪ فقط من طيور البطريق الإمبراطور (Aptenodytes forsteri) تبحث عن نفس الشريك لمواسم التكاثر اللاحقة. تعود معظم الأنواع إلى الشريك نفسه على الأقل بشكل ثابت إلى حد ما، إذ تتراوح معدلات الإخلاص بين 59٪ و 89٪، وفقًا لدراسة عام 2013.
وأوضح ماركس أن نجاح الموسم السابق يلعب أيضًا دورًا في تحديد ما إذا كان أزواج البطريق ستبقى معًا على المدى الطويل أم لا. إذا تمكن الزوجان من تربية الفراخ حتى النضج، وحافظ الذكر على عش عالي الجودة في مكان جيد، فإن احتمالات عودة الأنثى إلى شريكها السابق أعلى بشكل عام. خلاف ذلك، من المرجح أن تتجول الإناث بحثًا عن تجارب أفضل.
قال ماركس: «بالنسبة للأنواع الاستعمارية، هناك الكثير من الخيارات حولها». «إذا فشلت التربية سابقًا، فإننا نتوقع عمومًا رؤية المزيد من حالات الطلاق في موسم التزاوج التالي».
من الصعب حساب المعدلات الحقيقية لـ «الطلاق» – حيث تتجاهل طيور البطريق زملائها السابقين لصالح فرص جديدة – إذ لا تعود كافة البطاريق إلى مناطق التكاثر كل موسم. عندما تحدث حالات اقتران جديدة، قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان السبب شخصيًا، أو ما إن كان البطريق تجاوز شريكه بعد فشله في العودة – على سبيل المثال إذا تم تناوله بواسطة حوت قاتل أو فقمة.
الافتراس ليس التهديد الوحيد لحياة طيور البطريق العاطفية. وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Ambio أن أعداد البطريق تنخفض بالتناسب مع الانخفاض في كمية الكريل المتاحة للتغذية عليها. ووفقًا للدراسة، فإن تغير المناخ وأنشطة الصيد البشرية هي العوامل الرئيسية المسؤولة عن الانخفاض في عدد الكريل. التحولات الناجمة عن المناخ في الجليد البحري تجبر طيور البطريق على الدخول إلى مناطق تكاثر مختلفة، ما يؤدي إلى تفكيك الأزواج على المدى الطويل والتأثير على الهجرة. قال ماركس إن بعض الذكور يصلون الآن إلى مناطق التكاثر منهكةً من التنقل في مناطق البحر والجليد الطبيعية المتغيرة، وتكون الذكور شعثاء تعجز عن جذب الإناث ومتعبة جدًا على أن ترعى البيض بالشكل الصحيح.
بشكل جماعي، يُعتقد أن هذه العوامل لعبت دورًا في فشل التزاوج المُبلغ عنه على نطاق واسع لخليج هالي. موقع التكاثر الذي استضاف ذات مرة 25000 زوج من طيور البطريق الإمبراطور موسميًا بات قاحلًا منذ عام 2016.
وقال ماركس: «من المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى تقليل معدلات نجاح مستعمرات التربية. عند وجود معدلات فشل أعلى، نتوقع مشاهدة معدلات أعلى من تبادل الأزواج».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: livescience