ترافق تطور البشر مع تطور الميكروبيومات الخاصة بهم. فمثل الجينات، تنتقل ميكروبات أمعائك من جيل إلى جيل.
عندما رحل البشر الأوائل من أفريقيا، حملوا معهم ميكروبات أمعائهم. تبين أن هذه الميكروبات تطورت معهم أيضًا.
يتكون ميكروبيوم الأمعاء البشرية من مئات إلى آلاف الأنواع من البكتيريا والعتائق. يوجد في نفس النوع من الميكروبات سلالات مختلفة من الجينات يمكن أن تؤثر على صحتك والأمراض التي قد تتعرض لها.
يوجد تباين واضح في التركيب الميكروبي وتنوع ميكروبيوم الأمعاء بين الأشخاص الذين يعيشون في بلدان مختلفة حول العالم. على الرغم من أن الباحثين بدأوا في فهم العوامل التي تؤثر على تكوين الميكروبيوم، مثل النظام الغذائي الُمتّبع، لكن ما يزال هناك الكثير من الأسئلة حول سبب وجود سلالات مختلفة من نفس النوع من الميكروبات داخل أحشاء البشر في مناطق مختلفة من العالم.
نحن باحثون ندرس التطور الميكروبي والميكروبيوم. وجدت دراستنا المنشورة مؤخرًا أن الميكروبات لم تتنوع فقط مع مضيفيها البشريين الحديثين الأوائل أثناء سفرهم عبر العالم، بل ارتبطت مع التطور البشري من خلال تقييد نفسها بالحياة داخل أمعاء الإنسان.
تشترك الميكروبات في تاريخها التطوري مع البشر
افترضنا أنه مع انتشار البشر في جميع أنحاء العالم وتنوعهم وراثيًا، كذلك فعلت الأنواع الميكروبية داخل أحشائهم. بعبارة أخرى، فإن ميكروبات الأمعاء ومضيفيها من البشر «تشكلت» وتطورت معًا، تمامًا مثلما تنوع البشر ليبدو الناس في آسيا مختلفين عن الناس في أوروبا، كذلك فعلت الميكروبيومات الخاصة بهم.
لتقييم ذلك، كنا بحاجة إلى إقران بيانات الجينوم البشري والميكروبيوم من الناس حول العالم. ومع ذلك، كانت مجموعات البيانات التي قدمت بيانات الميكروبيوم ومعلومات الجينوم للأفراد محدودة عندما بدأنا هذه الدراسة. كانت معظم البيانات المتاحة من أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وكنا بحاجة إلى بيانات أكثر تمثيلًا للسكان في جميع أنحاء العالم.
لذلك استخدم فريق البحث لدينا البيانات الموجودة من الكاميرون وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الأمهات وأطفالهن الصغار في الجابون وفيتنام وألمانيا. جمعنا عينات من اللعاب من البالغين للتأكد من التركيب الجيني أو الخصائص الجينية، وعينات من البراز لتسلسل الجينوم الخاص بميكروبات أمعائهم.
في تحليلنا، استخدمنا بيانات من 839 بالغًا و386 طفلًا. لتقييم التاريخ التطوري للبشر وميكروبات الأمعاء، أنشأنا أشجار تطور السلالات لكل شخص وكذلك لـ 59 سلالة من الأنواع الميكروبية الأكثر شيوعًا.
عندما قارنا أشجار تطور السلالات البشرية بالأشجار الميكروبية، اكتشفنا تدرجًا لمدى توافقها. لم تتطابق بعض الأشجار البكتيرية مع الأشجار البشرية على الإطلاق، بينما تطابق بعضها جيدًا، مما يشير إلى أن هذه الأنواع تتنوع مع البشر. في الواقع، بقيت بعض الأنواع الميكروبية على طول الطريق التطوري لأكثر من مئات الآلاف من السنين.
وجدنا أيضًا أن الميكروبات التي تطورت جنبًا إلى جنب مع البشر لديها مجموعة فريدة من الجينات والصفات مقارنة بالميكروبات التي لا توجد عند البشر. تمتلك ميكروبات البشر جينومات أصغر وحساسية أكبر للأكسجين ودرجة الحرارة، ومعظمها غير قادر على تحمل الظروف التي تقل عن درجة حرارة جسم الإنسان.
في المقابل، تمتلك ميكروبات الأمعاء ذات الروابط الأضعف بالتطور البشري سمات وجينات مميزة للبكتيريا التي تعيش بحرية في البيئة الخارجية. تشير هذه النتيجة إلى أن الميكروبات ذات التنويع المشترك تعتمد إلى حد كبير على الظروف البيئية لجسم الإنسان وتنتقل بسرعة من شخص إلى آخر، إما عبر الأجيال أو بين الأشخاص الذين يعيشون في نفس المجتمعات.
ولتأكيد طريقة الانتقال هذه، وجدنا أن الأمهات وأطفالهن لديهم نفس سلالات الميكروبات في أحشائهم. على النقيض من ذلك، كانت الميكروبات التي لم تنتقل أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة بشكل جيد خارج الجسم ويمكن أن تنتقل على نطاق أوسع من خلال الماء والتربة.
ميكروبات الأمعاء والطب المخصص
يوفر اكتشافنا أن ميكروبات الأمعاء تطورت جنبًا إلى جنب مع مضيفيها من البشر طريقة أخرى لمراقبة ميكروبيوم الأمعاء البشرية. لقد انتقلت ميكروبات الأمعاء بين البشر على مدى مئات إلى آلاف الأجيال، وتغيرت مع البشر. نتيجة لذلك تتصرف بعض ميكروبات الأمعاء كأنها جزء من الجينوم البشري: إنها حزم من الجينات تنتقل بين الأجيال ويتشاركها أفراد مرتبطون بها.
بدأ الطب المخصص والاختبارات الجينية في جعل العلاجات أكثر تحديدًا وفعالية للفرد. قد تساعد معرفة الميكروبات التي أقامت شراكات طويلة الأمد مع الناس الباحثين على تطوير علاجات تعتمد على الميكروبيوم خاصة بكل مجموعة سكانية. يستخدم الأطباء بالفعل البروبيوتيك المشتقة من ميكروبات الأمعاء لأفراد المجتمع لعلاج سوء التغذية.
تساعد النتائج التي توصلنا إليها العلماء أيضًا على فهم أفضل لكيفية انتقال الميكروبات بيئيًا وتطوريًا من «العيش الحر» في البيئة إلى الاعتماد على ظروف الأمعاء البشرية. للميكروبات المتنوعة سمات وجينات تذكرنا بالمتعايشات البكتيرية التي تعيش داخل مضيفات الحشرات. تشير هذه الميزات المشتركة إلى أن مضيفين حيوانيين آخرين قد يكون لديهم أيضًا ميكروبات أمعاء متنوّعة معهم عبر التطور.
يمكن أن يساعد إيلاء اهتمام خاص للميكروبات التي تشترك في التاريخ التطوري البشري في تحسين فهم الدور الذي تلعبه في رفاهية الإنسان.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org
