الكلاب: تاريخ وتطور وسلوك أعزّ أصدقائنا

لقد كان البشر والكلاب رفقاء لآلاف السنين.

لا يبدو الأمر وكأن كلب بودل الرقيق الصغير وكلب الماستيف النابوليني المجعد يمكن أن ينتميا إلى نفس النوع، ناهيك عن نفس النوع الفرعي. لكن كلاهما ينتميان إلى نوع كلب الذئب الرمادي المألوف، الكلب المحلي المحبوب.

كانت أفراد عائلة الكلبيات، جنبًا إلى جنب مع الذئاب والثعالب والقيوط وابن آوى رفقاء بشريين لما لا يقل عن 14000 عام (وربما لفترة أطول من ذلك بكثير). ما نزال نجهل الكثير عن كيف أصبح البشر والكلاب قريبين، لكن وجدت الأبحاث أن الرابطة حقيقية للغاية. من الواضح أن الكلاب تفهم الضيق البشري وتريد مساعدة أصحابها عندما يكونون حزينين، ويشهد العديد من مالكي الحيوانات الأليفة على ذلك بالفعل.

على الرغم من تنوع الكلاب الأليفة، تشترك هذه الحيوانات في التاريخ التطوري والسمات السلوكية.

متى دُجّنت الكلاب؟

أقرب الأقارب الحية للكلاب الحديثة هو الذئب الرمادي (Canis lupus). ربما انقسم أسلاف الكلاب الحديثة وأسلاف الذئاب الحديثة في مرحلة ما في أواخر عصر البليستوسيني (العصر الجليدي الأخير). وضعت الدراسات الجينية تواريخ مختلفة على هذا الانقسام. وجدت دراسة أجريت عام 2014 استنادًا إلى معدلات الطفرات أن الانشقاق حدث بين 9000 و34000 عامًا مضت، وأن كلاب الذئاب التي انفصلت عنها فيما بعد قد انقرضت. حددت دراسة وراثية أخرى من عام 2017 المدة بين 20000 و40000 سنة مضت.

اتفق العلماء على أن أقدم الحفرية جاءت من كلب، وليس من ذئب، من موقع في ألمانيا يُدعى بون أوبركاسل «Bonn-Oberkassel» ويعود تاريخه إلى حوالي 14200 عام. لكن وجد علماء الآثار عينات أحفورية قد تكون لكلاب مستأنسة يعود تاريخها إلى أكثر من 30 ألف عام. من الصعب التعرف بثقة على جزء أحفوري من العصر البليستوسيني على أنه من كلب أو ذئب، ولأن الكلاب والذئاب تزاوجت حتى بعد تباعدها وراثيًا؛ فإن الدراسات الجينية معقدة. يناقش الباحثون أيضًا ما إذا كان تدجين الكلاب قد حدث مرة واحدة أو في مواقع متعددة حول العالم.

قال أندرس بيرجستروم، زميل ما بعد الدكتوراه في علم الجينوم القديم في معهد فرانسيس كريك في لندن في عام 2022: «لا نعرف أين حدث ذلك في العالم. لا نعرف ما إذا كان قد حدث مرة واحدة أو عدة مرات ».

من الواضح أن علاقة الجنس البشري بالكلاب تعود إلى الوراء. دُفن الكلب البالغ من العمر 14200 عام في بون أوبركاسل مع اثنين من البشر ورعاه واعتنى به البشر خلال عدة نوبات من مرضه قبل موته. في مقبرة عمرها 12000 عام في إسرائيل، عُثر على امرأة مدفونة ويدها فوق ذئب صغير أو جرو. أفاد باحثون في عام 2020 أن كلبًا من العصر الحجري من ما يُعرف الآن بالكلب السويدي دُفن مع رفيق بشري منذ حوالي 8400 عام.

ما هي سلالات الكلاب؟

منذ تدجينهم، شكّل البشر الكلاب مثل الطين: في بعض الأحيان يبدو أن الأشياء الوحيدة التي تشترك فيها سلالات الكلاب المختلفة هي أربع أرجل وذيل. يتعرف نادي كينيل الأمريكي للكلاب (American Kennel Club (AKC) حاليًا على 200 سلالة، ولا تتضمن هذه القائمة تنوع السلالات الهجينة حتى (ولا حتى اللابرادودل) أو الطفرات غير المصنفة (غالبًا ما تكون أفضل الأنواع).

لا يُعتبر نادي كينيل الأمريكي للكلاب الحَكَم النهائي لسلالات الكلاب. وفقًا للمنظمة، هناك حوالي 400 سلالة من الكلاب مسجلة في جميع أنحاء العالم. يعني تسجيل نادي كينيل الأمريكي للكلاب فقط أن هناك ما يكفي من سلالة معينة في الولايات المتحدة واهتمام كافٍ من المالكين بتوثيق تاريخ التربية و«معيار السلالة»، وهو وصف للخصائص المثالية للسلالة.

أدى اختيار الكلاب ذات السمات والتربية المحددة لتعظيم الصفات التي تجعل الكلاب متخصصة في العديد من المهام المختلفة. فمثلًا تمتلك مستردات اللابرادور (أو لابرادور ريتريفر) التي غالبًا ما تتصدر قوائم السلالات الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة أصابع مكشوفة وطبقتين مقاومتين للماء. وفقًا لنادي كينيل الأمريكي للكلاب ينحدر اللابرادور من كلب سانت جون، وهو سلالة محبة للماء تُستخدم في مصايد الأسماك في نيوفاوندلاند المبكرة لاستعادة الشباك والخيوط.

من ناحية أخرى، فإن الكلب الألماني الشبيه بالنقانق هو سباح فقير ولكنه صياد شغوف. رباه البشر لجسمه الضيق وقدرته على الحفر، مما يجعله أفضل في اختراق أوكار حيوانات الغرير.

على الرغم من أن معظم السلالات الحديثة الرسمية تعود إلى العصر الفيكتوري، لكن وجدت ورقة بحثية صدرت عام 2010 تباعدًا بين بعض السلالات التي تشير إلى ظهورها قبل 500 عام أو أكثر. كانت هذه السلالات هي باسنجي، و كلب الصيد الأفغاني، وسامويد، والسلوقي، والكلب الكنعاني، وكلب غينيا الجديد المغني، ودينجو (كلب بري)، وتشاو تشو، وشار بي الصينية، وآكيتا، والملموت أكلاسكي، والهسكي السيبيري، وكلب الأسكيمو الأمريكي.

هل ترى الكلاب اللون؟ (وحواس أخرى)

يمكن للكلاب أن ترى درجات اللون الأصفر والأخضر، لكنها لا تستطيع التمييز بين الأحمر والأخضر، وهو وضع مشابه للبشر الذين يعانون من عمى ألوان الأحمر والأخضر. ومع ذلك، قد تكون الكلاب أكثر حساسية للأشعة فوق البنفسجية من البشر، وفقًا لبحث عام 2014، وفي هذه الحالة سيكونون أفضل في استشعار نطاقات أوسع من الكآبة عند البشر.

رؤية الكلب أكثر ضبابية بثلاث مرات تقريبًا من رؤية الإنسان، وفقًا لدراسة أجريت عام 2017. في هذا البحث، دُربت الكلاب السلوقية وكلاب البج وكلاب الرعي الشتلندية على طريقة لتمييز الخطوط التي كانت على مسافات مختلفة عن بعضها البعض. استُخدمت هذه الخطوط بعد ذلك لإعطاء الكلاب اختبارًا بصريًا، على عكس الرسم البياني الأبجدي الذي قد يراه الإنسان أثناء زيارة طبيب العيون. ووجدت الدراسة أن الكلاب كانت لديها رؤية 20/50 أي حوالي 40% تقريبًا، مما يعني أن شيئًا يمكن للإنسان رؤيته بوضوح على مسافة 50 قدمًا (15 مترًا)، يمكن للكلب رؤيته بوضوح على مسافة 20 قدمًا (6 أمتار). ومع ذلك، فإن الكلاب ترى بشكل أفضل من البشر في الضوء الخافت، وفقًا لدليل ميرك للطب البيطري، ويمكنها رؤية الحركة بشكل أفضل أيضًا. إحدى الميزات الخاصة التي تضخم الضوء على عين الكلب هي البِساطُ الشَّفَّاف (بِساطُ المَشِيمِيَّة)، وهي طبقة عاكسة تمنح عيون الكلاب أيضًا لمعانها المميز في الليل.

السمع والرائحة هي الحواس التي تتألق فيه الكلاب حقًا. وفقًا لدليل ميرك، تسمع الكلاب أربع مرات أفضل مما تسمعه البشر. بشكل لا يصدق، فإن حاسة الشم لديهم أفضل من حاسة الشم لدينا بألف إلى عشرة آلاف مرة. مركز حاسة الشم في دماغ الكلب هو 40 ضعف حجم مركز حاسة الشم في دماغ الإنسان. نظرًا لأن الكلاب يمكنها التمييز بين الروائح بحساسية كبيرة، فقد دُربت على شم الأمراض التي تصيب الإنسان: اكتشف الباحثون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن الكلاب يمكنها شم علامات السرطان في مراحله المبكرة، وفي عام 2021 وجد العلماء أن الكلاب يمكنها التعرف على فيروس كوفيد-19 في رائحة عينات البول.

هل يمكن للكلاب أن تشعر بالعواطف؟

يفهم البشر والكلاب بعضهم البعض حقًا. وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن مناطق المعالجة العاطفية لأدمغة الكلاب تستجيب للأصوات العاطفية البشرية، مثل الضحك والبكاء، بنفس الطريقة التي تستجيب بها هذه المناطق لأصوات الكلاب العاطفية، مثل الأنين أو النباح. يعالج البشر أيضًا الأصوات العاطفية للكلاب بالطريقة نفسها التي يعالجون بها الأصوات العاطفية البشرية.

لكن ما هي المشاعر التي تشعر بها الكلاب؟ وماذا يفهمون عن مشاعر الآخرين؟

قالت جوليا مايرز مانور، عالمة النفس في كلية ريبون في ويسكونسن التي تدرس مشاعر الحيوانات، إنه من الواضح أن الكلاب تختبر المشاعر الأساسية، مثل المتعة والحزن والقلق والخوف. قادت مانور دراسة عام 2018 وجدت أن الكلاب أظهرت ضغوطًا استجابةً لأصوات بكاء أصحابها وأن الكلاب كانت أكثر ميلًا لمحاولة تهدئة أو مساعدة مالك يبكي مقارنةً بمالك يضحك. تشير أبحاث المتابعة التي لم تُنشر بعد إلى أن الكلاب تحاول تهدئة الغرباء أيضًا، ولكن ليس بالسهولة التي تريح بها أصحابها. وقالت أيضًا: «يوجد قدر كبير من الاتساق في مناطق الدماغ التي تعالج المشاعر عبر أنواع الثدييات». الكلاب حيوانات اجتماعية، لذا فليس من المستغرب أن تستجيب لمشاعر الآخرين. وقالت إنه من المثير للاهتمام أن الكلاب تستجيب للمشاعر عبر الأنواع. وقالت إنه من الممكن أن يكون البكاء متشابهًا بدرجة كافية بين الأنواع لاستنباط استجابة بغض النظر عن الحيوان الذي يبكي والحيوان الذي يستمع. من الممكن أيضًا؛ نظرًا لأن الكلاب قد تطورت مع البشر لفترة طويلة أنها جيدة بشكل خاص في تفسير المشاعر البشرية. قالت مايرز مانور إن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث التي تقارن ردود أفعال الأنواع المختلفة لتوضيح هذه الأسئلة.

على الرغم من أوجه التشابه هذه، هناك شيء واحد مؤكد: ربما لا يشعر كلبك بالذنب عندما يحفر أحواض الزهور وينكش القمامة. على الرغم من أن العديد من مالكي الكلاب يعتبرون المظهر المثير للشفقة الذي يعطيه الكلب عندما يشعر بأنه وقع في بعض المتاعب أن كلابهم تعرف بالضبط أنها فعلت شيئًا خاطئًا، وجدت دراسة أجريت عام 2009 أن هذا المظهر المذنب هو مجرد وسيلة للبقاء بعيدًا عن المشاكل. في تلك الدراسة، وُضعت الكلاب في مواقف وكأن الكلاب ارتكبت شيئًا خاطئًا، مثل تناول طعام ممنوع. حتى عندما لم تأكل الكلاب الطعام، بدت مذنبة عندما اعتقد أصحابها أنها فعلت ذلك ووبختهم.

بعبارة أخرى، فإن التعبير الذي يفسره البشر على أنه ذنب ليس شيئًا من هذا القبيل. إنه مجرد رد فعل على توبيخ الإنسان. قالت مايرز مانور: «لقد تعلموا للتو، افعلوا هذا التعبير عندما تكون هناك فوضى كبيرة في المنزل ولن يقتلك أصحابها».

ما مدى ذكاء الكلاب؟

الكلاب ذكية جدًا، وإن لم تكن «استثنائية»، وفقًا لدراسة أجريت عام 2018 في مجلة Learning & Behavior. قارنت الدراسة بين الكلاب والحيوانات آكلة اللحوم الأخرى، مع صيادين اجتماعيين آخرين، ومع حيوانات أليفة أخرى، بحثًا في تعريفات الذكاء التي تغطي الإدراك الحسي، والإدراك الجسدي، والإدراك المكاني، والإدراك الاجتماعي والوعي الذاتي. ركزت هذه المقارنات على الأنواع الأخرى التي أجريت بشأنها دراسات، والتي شملت بشكل أساسي الذئاب والضباع والكلاب البرية الأفريقية والقطط والدلافين قارورية الأنف والشمبانزي والخيول والحمام.

على العموم، خلص الباحثون إلى أن الكلاب تتمتع بقدرات حسية مماثلة لتلك التي لدى آكلات اللحوم الأخرى التي تصطاد. إنهم سيئون جدًا في حل المشكلات التي تنطوي على أشياء، مثل سحب خيط للحصول على مكافأة متصلة بالطرف الآخر. وجد الباحثون صعوبة مقارنة الإدراك المكاني، الذي يتضمن فهم الأماكن والتنقل، ولكن لا يبدو أن هناك أي دليل على أن الكلاب كانت متميزة مقارنة بالصيادين الآخرين. كانت الكلاب مثيرة للإعجاب في استخدام سلوك الحيوانات الأخرى للإشارة إلى سلوكها وتغلبت على العديد من الحيوانات المماثلة الأخرى في التعلم الاجتماعي، على الرغم من أن الدلافين والشمبانزي قد يكونون أفضل في التقليد. أخيرًا، على عكس الدلافين والشمبانزي، لا تظهر الكلاب العديد من علامات الوعي الذاتي، أو القدرة على عرض نفسها ذهنيًا في الماضي أو المستقبل من خلال تذكر أحداث مثل قصة أو التخطيط لأحداث مستقبلية.

خلص الباحثون في ورقتهم البحثية إلى أن ذكاء الكلاب يدور حول ما يمكن توقعه من أحد آكلات اللحوم المستأنسة الاجتماعية. الكلاب ذكية اجتماعيًا، وتهتم بإشارات الكلاب الأخرى والبشر. لديهم قدرات حسية وذكاء مكاني كافٍ للتنقل في بيئة الصيد. لكنهم ليسوا بارعين في الأشياء التي لا تهمهم كثيرًا لبقائهم، مثل معرفة كيفية عمل الأشياء أو وضع خطط مفصلة للمستقبل.

كيف تساعد الكلاب الناس؟

وفقًا لدراسة أجريت عام 2019 في مجلة علم الآثار الأنثروبولوجية، يعمل البشر والكلاب معًا لفترة طويلة. على الرغم من أن التاريخ المبكر للكلاب يكتنفه الغموض، لكن يوجد تلميحات إلى أن البشر ربما استخدموا الكلاب للمساعدة في الصيد منذ 14000 عام. في المملكة العربية السعودية، يُقدَّر عمر عمل فني صخري بحوالي 8000 عام، ويُظهر البشر وهم يصطادون مع كلاب على المقاود، ويقتلون الوعل والغزلان.

اليوم، لا تزال الكلاب تساعد الصيادين في مطاردة المحاجر الكبيرة والصغيرة. يستمر استخدام مستردات اللابرادور في اصطياد البط، في حين أن العدائين مثل كلاب الفرعون ممتازون في اصطياد الفريسة مثل الأرانب.

تستخدم الكلاب أيضًا من قبل الشرطة والجيش، غالبًا لشم المخدرات أو المتفجرات، ولإجراء عمليات البحث والإنقاذ، ولعض المشتبه بهم واحتجازهم. وفقًا لنادي كينيل الأمريكي للكلاب، عادةً ما تكون الكلاب البوليسية سلالات رُبيت لتكون قابلة للتدريب بدرجة عالية، بما في ذلك كلاب الراعي الألماني، ومستردات اللابرادور، وكلاب بلودهاوند.

تلعب الكلاب الحديثة أيضًا دورًا كبيرًا مثل كلاب الخدمة وكلاب العلاج وحيوانات الدعم العاطفي. تساعد كلاب التوجيه أو كلاب مرافقة المكفوفين الذين يعانون من فقدان البصر في التغلب على العقبات. تستخدم كلاب العلاج لدعم وتهدئة الأشخاص المصابين بالتوحد واضطراب ما بعد الصدمة والقلق والحالات الأخرى. حتى أن هناك فرقًا من الكلاب المحببة تتجول في المطارات (مع مرافقيها بالطبع)، مما يهدئ المسافرين المتوترين.

مصادر إضافية

تحقق من جمعية الرفق بالحيوان الأمريكية لمعرفة المزيد عن سلوك الكلاب الأليفة ورفاهيتها. نادي كينيل الأمريكي للكلاب هو مرجع شامل لسلالات الكلاب والصحة والتدريب. للحصول على نظرة عميقة ومفصلة حول ما يعرفه العلماء (ولا يعرفونه) حول كيفية تدجين الكلاب ومجيئهم إلى الأمريكتين، يمكنك قراءة مقالة «تدجين الكلاب والتشتت المزدوج للأشخاص والكلاب في الأمريكتين» المتاحة مجانًا.

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: livescience