يحتضن أرخبيل جزر غالاباغوس نظامًا بيئيًا معقدًا ذا تاريخ جيولوجي حافل، ويحتوي أمثلة فريدة من الحياة النباتية والحيوانية. ألهمت النباتات والحيوانات في الجزر عالم الطبيعة الشهير تشارلز داروين ليصيغ نظريته عن التطور، ويتوافد سنويًا آلاف السياح والعلماء إلى الجزر لمواصلة دراسة الحياة البرية.
جغرافيا
تتألف جزر غالاباغوس من ثلاث عشرة جزيرة رئيسية وسبعة جزر أصغر حجمًا وحوالي 125 جُزيرة وصخور، وتقع على بعد حوالي 600 ميل (1000 كيلومتر) قبالة سواحل الإكوادور في المحيط الهادئ. تتداخل سلسلة الجزر مع خط الاستواء واقعةً بذلك في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
تبلغ مساحة جزيرة إيزابيلا -أكبر الجزر- 1803 أميال مربعة (4670 كيلومترًا مربعًا) ويبلغ ارتفاعها 5600 قدم (1707 أمتار). أصغر الجزر الرئيسية هي ساوث بلازا، وتبلغ مساحتها 0.05 ميل مربع (0.13 كيلومتر مربع) أو نحو 20 مربع سكني.
جيولوجيا
جزر غالاباغوس هي جزر بركانية تقع على صفيحة نازكا التكتونية التي تتحرك من الشرق نحو الجنوب الشرقي باتجاه صفيحة أمريكا الجنوبية. أدى التقاء الصفيحتين التكتونيتين إلى نشوء منطقة اندساس حيث تنزلق صفيحة نازكا أسفل صفيحة أمريكا الجنوبية، ونتيجة لتلك العملية تشكلت جبال الأنديز.
أثناء مرور صفيحة نازكا فوق بؤرة غالاباغوس -نقطة تندفع فيها الصهارة عبر القشرة- اندلعت البراكين وتشكلت جزر غالاباغوس في نهاية المطاف. تشير التقديرات إلى أن نشاط هذه النقطة الساخنة استمر لمدة 20 مليون سنة على الأقل، وأن الجزر كما نراها اليوم تشكلت خلال الثلاثة إلى الأربعة ملايين سنة الماضية. تتضح الحركة فوق البؤرة الساخنة من خلال أعمار الجزر التي تزداد بنفس اتجاه الحركة تقريبًا. أقدم الجزر هما جزيرتا هيسبانيولا وساوث بلازا اللتان يتراوح عمرهما بين 3-4 ملايين سنة، وفقًا لبحث Volcanic Galapagos. يبلغ عمر جزر داروين وفرناندينا وجينوفيسا وإيزابيلا ومارشينا وسانتياغو حوالي 700000 عام.
ماتزال العديد من البراكين نشطة حاليًا. تتكون إيزابيلا من ستة براكين منفصلة، وفقًا للويس فاندركلفنسن، عالم الجيولوجيا والبراكين في جامعة دريكسيل في فيلادلفيا في حديثه لموقع Live Science. اندلعت ستة براكين في ثلاث جزر منفصلة في جزر غالاباغوس منذ عام 1990.
مناخ
وفقًا لجامعة كورنيل، رغم وقوع جزر غالاباغوس ضمن المناطق الاستوائية، إلا أنها تخلو من الغابات المطيرة المورقة. تتقاطع الجزر مع مسار ثلاثة تيارات محيطية رئيسية: يجلب تيار هومبولت (أو بيرو) المياه الباردة من القارة القطبية الجنوبية. تيار بنما أكثر دفئًا ويأتي من الشمال ويؤدي تيار كرومويل إلى صعود المياه العميقة والباردة إلى السطح (تيارات الحملان أو التيارت المائية الصاعدة). تحافظ المياه الباردة على المناخ معتدلًا وجافًا.
تشهد الجزر موسمين سنويًا. يمتد موسم الجفاف من يوليو حتى ديسمبر، ويكون متوسط درجات الحرارة عادةً في أواسط السبعينيات درجة فهرنهايت (منتصف 20 درجة مئوية) ويسجل هطول الأمطار معدلًا متوسطًا أقل من نصف إنش شهريًا (أزيد بقليل عن سنتيمتر واحد). خلال موسم الجفاف، نجد الضباب عادة في المرتفعات العالية، لكن الأمطار تكون قليلة. يمتد الموسم الدافئ من يناير حتى يونيو، إذ يصل متوسط درجات الحرارة حتى منتصف الثمانينات بمقياس فهرنهايت (عند الحد الأعلى من العشرينيات والحد الأدنى من الثلاثينيات درجة مئوية) ويصل معدل هطول الأمطار إلى ما يزيد قليلاً عن إنش شهريًا (نحو 3 سم). عادةً ما يكون شهري مارس وأبريل أكثر الشهور رطوبةً (1.5 إلى 2 إنش هطول أمطار)، إذ تتسرب الكثير من الأمطار عبر الصخور البركانية والتربة.
وفقًا للصندوق العالمي للحياة البرية، كل سنتين إلى ثماني سنوات، تجلب ظاهرة إل نينيو مياهًا أدفأ فقيرة بالمغذيات. تعاني أنواع عديدة خلال هذه الفترة إذ تتعطل السلسلة الغذائية. جلبت ظاهرة إل نينيو في عامي 1982-1983 و1997-1998 تأثيرات مدمرة بشكل خاص؛ إذ انخفض عدد الإغوانا البحرية بنسبة 90٪، وانخفض تعداد البطاريق بنسبة تفوق 75٪. انخفض إجمالي تعداد أسود البحر بحوالي 50٪، وهلكت تقريبًا كافة أسود البحر تحت سن الثالثة.
مع تغير المناخ المؤثر على شدة وتواتر أحداث إل نينيو، من المتوقع أن يكون «الوضع الطبيعي الجديد» مشابهًا لفترات إل نينيو على مدار العام، مع دفء الهواء والماء وزيادة هطول الأمطار، وفقًا للصندوق العالمي للطبيعة. قد يتسبب تغير المناخ أيضًا في ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة مستويات الحموضة.
النباتات
ثمة نحو 600 نوع نباتي أصلي في جزر غالاباغوس، و30٪ منها على الأقل أنواع متوطنة، أي أنها لا توجد في أي مكان آخر في العالم، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس.
ثمة أيضًا ما يقدر بنحو 800 نوع مُدخَل، وبعضها أنواع غازية للغاية، أي أنها يمكن أن تتطفل بسرعة على البيئة مسببةً ضررًا للنباتات والحيوانات المحلية. وتتضمن هذه الأنواع الكوينين والجوافة والتوت الأسود، وقد تم القضاء بنجاح على عدد قليل من الأنواع الغازية، مثل الكودزو الاستوائية وفقًا لـ Plantwise
ثمة ثلاث مناطق نباتية رئيسية في جزر غالاباغوس: المرتفعات الساحلية والقاحلة والرطبة.
تتبع المنطقة الساحلية شواطئ الجزر، وتوفر أشجار الأيكة الساحلية التي تنمو هناك المأوى ومناطق التكاثر للعديد من الطيور والإغوانا وأسود البحر والسلاحف البحرية. توفر جذور الأشجار موطنًا محميًا للأنواع البحرية مثل الجمبري وسرطان البحر والأسماك الصغيرة. تشمل النباتات الأخرى التي تنمو في هذه المنطقة الرغل والأثمان الرملي، وفقًا لكتيب جزر غالاباغوس.
المنطقة القاحلة هي أكبر المناطق وتحتوي على العديد من النباتات التي توجد عادة في الصحاري، كالصبار والعصاري والشجيرات النفضية، وفقًا للكتيب. تمتد هذه المنطقة بالقرب من الخط الساحلي ويبلغ ارتفاعها حتى 200 قدم (60 مترًا).
ثمة منطقة انتقالية تقع بين المنطقة القاحلة والمرتفعات الرطبة. تتميز بخصائص المناطق القاحلة والرطبة، وتحوي نباتات كثيفة تهيمن عليها الأشجار الصغيرة والشجيرات مع أنواع مختلفة من السراخس.
تتميز المرتفعات الرطبة، التي تبدأ عند ارتفاع 1000 قدم (300 متر) تقريبًا، بشجرة السكالسيا وشجيرة مينكونيا روبنسونيانا «Miconia robinsoniana»، والتي تعتبر واحدة من أكثر أنواع النباتات المهددة بالانقراض على الجزر. تتميز هذه المناطق بتربة من أخصب الترب على الجزر، وقد جُردت مساحات شاسعة من هذه المناطق لغرض الزراعة في الجزر المأهولة بالسكان.
في الجزر القليلة التي يزيد ارتفاعها عن 2000 قدم (600 متر)، تهيمن شجرة سرخس غالاباغوس (Cyathea weatherbyana).
الحيوانات
تشتهر جزر غالاباغوس بالعديد من الحيوانات الفريدة من نوعها، بما في ذلك السلاحف العملاقة والإغوانا وعصافير داروين وبطاريق غالاباغوس. حوالي 80٪ من الطيور البرية في الجزر، و 97٪ من الزواحف والثدييات البرية، وما لا يقل عن 20٪ من الأنواع البحرية هي أنواع متوطنة في الجزر.
تعد سلاحف جزر غالاباغوس الأكبر من نوعها في العالم، إذ يصل طول الذكر حتى 6 أقدام (1.8 مترًا) ويزن أكثر من 550 رطلاً (250 كيلوجرامًا)، وفقًا لحديقة حيوان سان دييغو. يبلغ معدل حياة هذه السلاحف أكثر من قرن، وأكبر سلحفاة معروفة عاشت قرابة 170 عامًا.
ثمة ما يقدر بين 20,000 و25,000 سلحفاة عملاقة في البرية، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس، والنوع مصنف على أنه مهددة بخطر انقراض أدنى من قبل الصندوق العالمي للطبيعة. انقرضت أربعة أنواع بالفعل. توفي لونسوم جورج في عام 2012، وهو الفرد الأخير من النوع الأصلي لجزيرة بينتا، سلحفاة جزيرة بينتا Chelonoidis abingdoni. تشمل التهديدات التي تواجه بقاء السلاحف العملاقة الأنواع الغازية وتغير المناخ.
الإغوانا البحرية الوحيدة في العالم -بالإضافة إلى ثلاثة أرضية- متوطنة في جزر غالاباغوس. من المعروف أن الإغوانا البحرية تنمو حتى طول 4 أقدام (1.2 متر)؛ تنمو الإغوانا الأرضية أكثر من 3 أقدام (1 متر)، وفقًا لـ Galapagos Conservancy. تعيش الإغوانا البحرية على اليابسة وفي البحر، وتتغذى بشكل أساسي في الماء وتستريح وتتزاوج على الأرض. تواجه عددًا قليلاً نسبيًا من الحيوانات المفترسة أثناء تواجدها في البحر، ولكن على اليابسة، قد تصطادها الصقور والبلشونيات والأنواع الدخيلة كالقطط والكلاب. تضاءل تعدادها في بعض المواقع بشكل كبير بسبب الأنواع الدخيلة، لكن بفضل جهود الحفظ، تعتبر الأعداد جيدة وآخذة بالتزايد.
أنواع الثدييات الأصلية تعتبر قليلة في جزر غالاباغوس: أسود البحر الغالاباغوسية(Zalophus wollebaeki)، فقمات فراء غالاباغوس (Arctocephalus galapagoensis)، أربعة أنواع من جرذان الأرز «Nesoryzomys narboroughii، Oryzomys bauri،Nesoryzomys swarthy Nesoryzomys fernandinae » ونوعين من الخفافيش «Lasiurus cinereus و Lasiurus brachyotis » تزور الدلافين والحيتان الجزر أيضًا وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس.
أسد بحر غالاباغوس أكبر حيوانات الجزيرة، إذ يصل وزن الذكور حتى نحو 550 رطلاً (250 كغ). غالبًا ما تتسكع هذه الأسود على الموانئ والشواطئ. تميل أسود البحر إلى التجمع بشكل حرملك يضم ذكر مهيمن والعديد من الإناث، أو بشكل تجمعات عازبة.
تفضل فقمات فراء غالاباغوس، والتي تعد في الواقع صنفًا من أسود البحر، الشواطئ الصخرية الظليلة عندما لا تكون تسبح في المياه. في القرن التاسع عشر، اصطيدت فقمات الفراء طمعًا بمعاطفها العازلة حتى أوشكت على الانقراض. حققت الجمهرة اليوم عودة دراماتيكية بأعداد مماثلة لأعداد أسود البحر.
يعيش تسعة وعشرون نوعًا من الطيور البرية في الجزر؛ 22 نوع متوطن، وأربعة تحت أنواع متوطنة. ثلاثة عشر من الأنواع المتوطنة هي ضروب من عصافير داروين، وأربعة أنواع من الطيور المحاكية. ثمانية أنواع متوطنة من الـ 22 نوعًا تعتبر أنواع مهددة بخطر انقراض أدنى مع خطورة متصاعدة. ثمة نوعان -عصفور المنغروف وعصفور فلورينا المحاكي- مهددان بخطر انقراض أقصى، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس.
تشكل عصافير داروين أكبر الجمهرات على الجزر. يتمتع كل فرد من هذا النوع، كما لاحظ داروين، بشكل وحجم منقار مميز اعتمادًا على نظامه الغذائي. تتنوع الوجبات الغذائية من البذور والزهور والأوراق إلى الحشرات، بما في ذلك القراد المقدم من السلاحف والإغوانا وكذلك دماء الطيور البحرية. دراسة داروين للاختلافات بين عصافير الشرشوريات ساعدته على تطوير نظريتي الانتقاء الطبيعي والتطور.
ثمة ستة أنواع متوطنة من الطيور البحرية: بطريق غالاباغوس (Spheniscus mendiculus) ؛ الغاقة العاجزة عن الطيران (Phalacrocorax harrisi)؛ طائر القطرس المموج(Phoebastria irrorata) أكبر الطيور؛ بترل غالاباغوس (Pterodroma phaeopygia) ونورس الحمم (Leucophaeus fuliginosus) ونورس متفرع الذيل(Creagrus furcatus)، وفقًا لجمعية Galapagos Conservancy. تشمل الأنواع الإضافية المستوطنة ثلاثة أنواع من طيور الأخبل، وطيور الفرقاطة الرائعة، وطيور رئيس البحر أحمر المنقار.
بطريق غالاباغوس هو البطريق الوحيد الذي يعيش قريبًا من خط الاستواء. تعيش الغالبية العظمى من البطاريق البالغ عددها 2000 بطريق في جزيرتي فرناندينا وإيزابيلا. البطريق مدرج في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض نظرًا لعددها القليل والمتقلب تزامنًا مع سنوات إل نينيو. وفقًا لورقة بحثية نُشرت في عام 2005 في مجلة Biological Conservation، فقد تستمر الأرقام بالانخفاض بسبب زيادة تواتر ظاهرة إل نينيو التي تتسبب بانخفاض حاد في الإمدادات الغذائية في بداية موسم التكاثر عندما تخزن طيور البطريق أكبر قدر ممكن من الطعام.
من بين جمهرات الحياة البحرية الكبيرة التي تعيش في المياه المحيطة بجزر غالاباغوس، قرابة 20٪ من الأنواع تعتبر أنواعًا متوطنة، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس. وفقًا لمؤسسة داروين، حُدد 544 نوعًا من الأسماك في المياه المحمية حول الجزر منذ عام 2016؛ ما لا يقل عن 79 نوعًا تُعتبر أنواع متوطنة، و452 نوعًا آخرًا تعتبر أنواع أصلية (موطنها جزر غالاباغوس ولكنها تتواجد أيضًا في مكان آخر). من بين هذه الأنواع، ثمة قرابة 30 نوعًا من أسماك القرش، بما في ذلك القرش الحوتي (Rhincodon typus) -أكبر سمكة في العالم- إذ يصل طوله حتى 40 قدمًا (12 مترًا) ويزن حتى 22 طنًا (20 طنًا متريًا). ثمة أيضًا عدة أنواع من الشفنينات (مثل شيطان البحر الذي يبلغ عرضه 20 قدمًا) والعديد من أنواع الأسماك الاستوائية، وفقًا لـ Natural Habitat Adventures.
تاريخ
اكتشف المستكشف ثور هيردال أواني وقطع أثرية أخرى في جزر غالاباغوس في خمسينيات القرن العشرين، ما يشير إلى أن سكان أمريكا الجنوبية قد زاروا الجزر في حقبة ما قبل كولومبوس. أول أوروبي يزور جزر غالاباغوس كان فراي توماس دي بيرلانغا الإسباني الذي كان قد عُين وقتئذٍ أسقفًا لبنما. وصل بالصدفة إلى الجزر في مارس 1535 بعد انحراف سفينته عن مسارها، وفقًا لجامعة كورنيل. ورأى دي بيرلانغا أن الجزر عديمة القيمة لصعوبة تحديد مصادر المياه العذبة ومحدودية الحياة النباتية والحيوانية القيمة للبشر.
ظهرت الجزر لأول مرة على خرائط العالم على يد غيرادوس ميركاتور وأبراهام أورتيليوس حوالي عام 1570، تحت اسم جزيرة السلاحف (Insulae de los Galopegos) وفقًا لجامعة كورنيل.
خلال أوج ازدهار الإمبراطورية الإسبانية، استخدم القراصنة الجزر كقاعدة لغاراتهم على السفن الإسبانية العائدة إلى أوروبا. السير فرانسيس دريك، المستكشف ذو الميول القرصانية والذي وظفته إنجلترا، كان أول من استخدم الجزر كقاعدة للقرصنة في عام 1578.
بحلول نهاية القرن الثامن عشر، حلّ صائدو الحيتان محل القراصنة. بالإضافة للحيتان، كانوا يصطادون أيضًا السلاحف والطيور وفقمات الفراء، ما أدى إلى انقراض بعض الأنواع أو دنوها من الانقراض، وفقًا لكورنيل. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 200000 سلحفاة قد اصطيدت في القرن التاسع عشر وحده، وانقرضت فقمات الفراء تقريبًا بحلول نهاية القرن.
خلال حرب 1812، وصلت حاملة الطائرات «يو إس إس إيسيكس» بقيادة النقيب ديفيد بورتر إلى الجزر ودمرت أسطول صيد الحيتان البريطاني تقريبًا. كتب بورتر أيضًا ملاحظات مفصلة حول الجزر متضمنةً توصيفًا لثوران بركان فلوريانا في عام 1813 وبعض الاختلافات في أنواع السلاحف العملاقة، بالإضافة إلى رسم خطوط ساحلية دقيقة للجزر.
كان باتريك واتكينز، الأيرلندي الذي وصل إلى جزيرة فلوريانا في عام 1805، أول مقيم أوروبي في جزر غالاباغوس، عاش مخمورًا طوال فترة إقامته تقريبًا، وفقًا لجمعية Galapagos Conservation Trust. هرب إلى الإكوادور في عام 1809 بقارب مسروق بعد أن حوصر مع حفنة من الرجال على الجزر. بيد أن واتكينز قد نزل اليابسة وحيدًا بعد أن قتل طاقمه على الأرجح أثناء الرحلة. رغم أنه كان يخطط للعودة إلى الجزر، لكنه غالبًا لم يفعل ذلك قط، إذ يُشاع أنه أُلقي في السجن قبل أبحار قاربه مباشرة. زار مؤلف «موبي ديك» هيرمان ميلفيل، الذي عمل كصائد حيتان لعدة سنوات، الجزر في عام 1841 واستلهم من واتكينز لكتابة جزء من قصته القصيرة «لاس إنكانتاداس» (الجزر المسحورة) التي نُشرت عام 1854.
بدأ استعمار الجزر في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس. جلب الجنرال الإكوادوري خوسيه ماريا دي فيلاميل المستعمرين الذين كانوا جنودًا بشكل أساسي إلى جزيرة فلوريانا. بعد نحو 15 عامًا، أثبتت المستعمرة فشلها. وقعت محاولتان إضافيتان لاستعمار فلوريانا في عامي 1858 و1893.
وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس، نزل المستوطنون النرويجيون على جزر فلوريانا وسان كريستوبال وسانتا كروز في عشرينيات القرن الماضي. تمثل هدفهم أساسًا بإنشاء مرافق لصيد الحيتان لكنهم حولوا نشاطهم للصيد والتعليب. بدأ المستعمرون الألمان في الوصول عام 1929 للعمل مع المزارعين والصيادين النرويجيين.
أُنشئت مستعمرات عقابية في فلوريانا وسان كريستوبال منتصف القرن التاسع عشر وأخرى في إيزابيلا في الأربعينيات، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس. أُغلقت المستعمرات العقابية عام 1959 بعد تمرد عام 1958 في سجن إيزابيلا.
في عام 1959، صنُفت الغالبية العظمى من مساحة الجزر (نحو 97٪) كمتنزه وطني محمي، وفقًا لمنظمة اليونسكو. يبلغ إجمالي عدد السكان الدائمين ضمن أربع جزر -فلوريانا وإيزابيلا وسانت كريستوبال وسانتا كروز- نحو 25000 شخص يتوزعون فقط ضمن الـ 3٪ المتبقية من إجمالي مساحة أراضي الجزر.
داروين والتطور
اعتُبر داروين أبو التطور، وكان في الواقع جيولوجيًا مدربًا. سافر داروين في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية لمدة أربع سنوات تقريبًا قبل أن يرسو في جزر غالاباغوس في عام 1835، وفقًا لجيه بريت بينينغتون، رئيس قسم الجيولوجيا والبيئة والاستدامة في جامعة هوفسترا. خلال ذلك الوقت، أصبح داروين على دراية بالحياة النباتية والحيوانية التي تعيش في مناخات مختلفة حول البر الرئيسي وكذلك ببعض الجزر التي زارها في المحيط الأطلسي في طريقه إلى أمريكا الجنوبية من إنجلترا، وفقًا لبينينغتون الذي يقود برنامج دراسة أيضًا في جزر غالاباغوس.
كان داروين مؤيدًا للخلق عندما بدأ رحلته على متن سفينة البيغل، لكنه غير رأيه تدريجيًا أثناء الرحلة، بالأخص عندما درس الحياة في جزر غالاباغوس وما حولها. رأى داروين عدة جزر متقاربة بأحجام مختلفة ويافعة جيولوجيًا تسكنها أنواع نباتية وحيوانية متشابهة ومختلفة بآنٍ معًا. خلص داروين إلى أن الحياة في جزر غالاباغوس عصيّة على التفسير من وجهة النظر الخلقية.
استغرق داروين 23 عامًا بعد عودته إلى الوطن ليحل الأحجية التي دعمت التطور والانتقاء الطبيعي بشكل كامل، والتي تعد إحدى قواعد التطور التي تفسر سبب انتقال سمات معينة إلى الأجيال التالية، وفقًا لجامعة كاليفورنيا في بيركلي. نُشر كتاب داروين الشهير في عام 1859 بعنوان «أصل الأنواع» الذي بنى فيه على أسس نظريات التطور التي وُضعت قبله، وقدم الدليل القاطع على التطور. في غضون عقد من نشر النظريات، وفقًا لكورنيل، فضل العلماء نظريات داروين للتطور والانتقاء الطبيعي على نظرية الخلق، وماتزال هذه الأفكار التحولية قائمة حتى اليوم، بعد حوالي 160 عامًا.
التهديدات البيئية وجهود الحفظ
وفقًا لليونسكو، تتمثل التهديدات الرئيسية لجزر غالاباغوس بالأنواع النباتية والحيوانية الغازية، وزيادة السياحة، والنمو الديموغرافي، والصيد غير القانوني وقضايا الحوكمة. يعد الاحتباس الحراري تهديدًا آخر بدأ بالتأثير على الجزر، وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس.
وفقًا لاتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، ثمة توازن واتساق داخل الموائل المنعزلة كالجزر، هذا التوازن يؤثر على درجة تنوع الأنواع التي يُحافظ عليها عند حد وسطي بين معدل زيادة أصناف الأنواع والجمهرات وبين معدل الانقراض. يمكن أن تدخل الأنواع النباتية والحيوانية الغازية إلى البيئة عن طريق البشر أو الهواء أو الماء؛ يمكن للأنواع الغازية أن تخل بالتوازن الطبيعي وبالتالي تزيد بشكل كبير من معدل انقراض النباتات والحيوانات المحلية.
وفقًا لاتفاقية التنوع البيولوجي، يتم إبطاء انتشار الأنواع الغازية من خلال تدابير الوقاية. يعتبر تعليم السكان المحليين وأي مسافرين إلى الجزر من الأمور الأساسية لاتخاذ قرارات مدروسة حول كيفية إبطاء انتشار الأنواع والقضاء عليها من أجل المساعدة في إعادة النظام البيئي الأصلي إلى توازنه الطبيعي.
يعتبر الصيد غير القانوني أيضًا تهديدًا رئيسيًا للنظام البيئي. أشار مقال نُشر عام 2014 في مجلة Aquatic Conservation: Marine and Freshwater Ecosystems أن صيد أسماك القرش لمجرد الحصول على زعانفها، على سبيل المثال، يخلق اختلالًا في النظام البيئي: إذ سيزداد عدد الأنواع المفترسة الأخرى، كأسود البحر، ما يؤدي إلى زيادة استهلاك الأسماك ذات القيمة التجارية. يؤدي اختلال التوازن في النهاية إلى بيئة غير مستدامة لكل من المفترس والفريسة. أوصى الباحثون بتعزيز قوانين الصيد الحالية حول الجزر، وسد الثغرات التي تسمح بصيد أسماك القرش في حالات معينة من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي الطبيعي للجزر.
يعتقد الدكتور جيفري روبيرغ، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية كارثج في ويسكونسن والباحث في السياسة البيئية في أمريكا الجنوبية، أن السياح هم النوع الغازي الأساسي الذي يخل بالتوازن الطبيعي للجزر. فحتى مع توخيهم أعلى درجات الحذر، يمكن للسياح أن يؤثروا سلبًا على البيئة، رغم أنهم يشكلون مصدرًا لتمويل جهود الحفظ والحماية. وأضاف أنه حتى مع وجود القواعد المعمول بها، فالمزيد من السياح يعني المزيد من الفرص لإساءة استخدام تلك القواعد.
وفقًا لجمعية محمية غالاباغوس، اعتبارًا من عام 2015، كان هناك 291 فندقًا مرخصًا و74 سفينة سياحية مع أماكن إقامة على متنها تجلب قرابة 250000 سائح لزيارة الجزر سنويًا. لا يوجد حاليًا حد لعدد السياح الذين يمكنهم زيارة الجزر. من المتوقع أن يرتفع عدد السياح بشكل مطرد خلال السنوات العديدة القادمة ما لم تُسن القوانين وتُنفذ.
تؤدي زيادة السياحة إلى زيادة التحركات سيرًا على الأقدام، وبالتالي زيادة احتمالية خروج السياح عن المسارات المحددة، ما قد يخل بالحياة البرية المحلية. المزيد من السياح يعني ضرورة جلب المزيد من الإمدادات، كمياه الشرب ومواد البناء لفنادق ومتاجر ومساكن إضافية. لدينا أيضًا الزيادات المحتملة للحوادث التي يمكن أن تؤثر على البيئة، كالتسرب النفطي الكبير الذي حدث في عام 2001، وفقًا لروبرت. وثمة أيضًا مسألة التعامل مع نفايات السياح المتزايدة، فضلاً عن معالجة النفايات السائلة والصلبة الإضافية.
وقال روبرت إنه حتى مع وجود السياح ونومهم على القوارب، فإن الضوء المنبعث من القوارب يجذب الحشرات ليلاً، ومن ثم تُنقل هذه الحشرات إلى جزر أخرى حيث قد لا تكون نوعًا أصليًا هناك. يمكن أن تصبح هذه الأنواع بدورها أنواعًا غازية تدمر النظم البيئية الأخرى، على غرار سلوك الأنواع الغازية التي جُلبت إلى جزر غالاباغوس.
عند زيارة الجزر، أخبر بينينغتون موقع Live Science، أن احترام القواعد يحافظ على الجزر في حالتها الأصلية نسبيًا. وأضاف أن الرحلة إلى جزر غالاباغوس مغامرة حقيقية. ثمة دائمًا شيء جديد ومثير، مثل «الدلافين راكبة الأمواج، وأسراب أسماك القرش، وتزاوج السلاحف العملاقة، وأسراب من طيور الأطيش أزرق القدمين – لن تتوقع ما ستقدمه الطبيعة الخلابة».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: livescience