توصلت دراسة جديدة إلى أن سمكة أبو الشص استبدلت أجهزتها المناعية بهدف إجراء تزاوج منصهر.
عندما يتعلق الأمر بالمواعدة في أعماق المحيط السحيقة، فإن المظهر لا يهم كثيرًا. يجعل ذلك سمكة أبو الشص سمكة محظوظة؛ فهي تشبه البطاطس وذات أنياب رهيبة مع وجود مصباح قراءة صغير في الأعلى. وهؤلاء هم الإناث فقط.
إذا لم تشاهد ذكر سمكة أبو الشص من قبل، فلن يفوتك الكثير. يبلغ متوسط طول الذكور بضعة سنتيمترات فقط، وهم ذوي حجوم صغيرة مقارنة بحجم شركائهم، ويساهمون بجزء بسيط من العمل في علاقاتهم. بالنسبة للعديد من أنواع أسماك أبو الشص، فإن مسؤولية الذكر هي التمسك بشريك بشكل دائم، ودمج نظام دورتهما الدموية، ثم السماح لعينيه وزعانفه ومعظم أعضائه الداخلية بالتدهور ببطء حتى يصبح ما أسماه عالم الأحياء ستيفن جاي جولد «قضيب بقلب». يحصل الذكر على تغذية مستمرة، وتحصل الأنثى على الحيوانات المنوية عند الطلب. هكذا هي دورة حياة سمكة أبو الشص.
إن ذلك شيء جميل. لكن طقوس التزاوج الفريدة هذه، التي يسميها علماء الأحياء «التطفل الجنسي» حيرت الباحثين لفترة طويلة. كيف يمكن للجهاز المناعي لسمكة أبو الشص الأنثى أن يسمح بحدوث مثل هذا الاتحاد الطفيلي الدائم؟ يواجه البشر صعوبة كافية في قبول عمليات زرع الأعضاء التي لا تتطابق تمامًا مع أنسجتهم، فكيف يقبل جسم أنثى سمكة الشص الذكر (أو، في بعض الحالات، ما يصل إلى ثمانية ذكور في وقت واحد) عن طيب خاطر؟ تقدم دراسة جينية نُشرت في 30 يوليو في مجلة Science أخيرًا إجابة لهذا السؤال: يحدث تزاوج سمكة الشص فقط لأن الأسماك تطورت بطريقة ما لتخسر بعضًا من دفاعاتها المناعية الأكثر أهمية.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة توماس بويم، مدير معهد ماكس بلانك لبيولوجيا المناعة وعلم التخلق في ألمانيا، في بيان: «بالنسبة للبشر، سيقتلهم ما خسرته أسماك أبو الشص من أقسام جهازها المناعي، نحن نفترض أن القوى التطورية غير المعروفة حتى الآن هي التي تحرك التغييرات في جهاز المناعة، والتي تستغلها السمكة بعد ذلك لتطور التطفل الجنسي».
في الدراسة الجديدة حلل بويم وزملاؤه جينومات 10 أنواع مختلفة من أسماك أبو الشص، بما في ذلك الأنواع التي تندمج بشكل دائم أثناء التكاثر والأنواع التي تندمج بشكل مؤقت فقط. في كلتا المجموعتين، وجد الفريق غيابًا واضحًا للجينات الحاسمة لاستجابة الأجسام المضادة للأسماك، أي مدى فعالية الجهاز المناعي للأسماك في العثور على الغزاة الأجانب والتعرف عليهم.
يفقد سمك الشص الذي يندمج بشكل دائم أثناء التزاوج المزيد من الأجهزة المناعية. وقال الباحثون إنه بالإضافة إلى الافتقار إلى المزيد من الجينات المرتبطة بالأجسام المضادة، تفتقر أيضًا الذكور الملتصقة إلى الجينات المسؤولة عن ترميز الخلايا التائية القاتلة، التي تهاجم عادة الخلايا المصابة أو الأنسجة الغريبة. بشكل عام، يبدو أن التطور قد حذف تمامًا جهاز المناعة التكيفي، وهو جزء الاستجابة المناعية الذي يحدد ويهاجم غزاة أجانب معينين، من هذه الأسماك الطفيلية جنسياً.
بشكل غريب، يبدو أن أسماك أبو الشص لم تواجه أي مشكلة في التكيف مع أعماق البحار، الذي يُعتبر نظامًا بيئيًا لا يعاني من نقص في الميكروبات الطفيلية، على الرغم من افتقادها لآلياتها المناعية. وكتب الباحثون في الدراسة أنه من المحتمل أن تعوض أسماك الشص افتقارها إلى المناعة التكيفية من خلال نظام مناعي فطري معزز. بمعنى آخر، يجب أن يكون لديهم بعض الدفاعات غير المحددة الموجودة مسبقًا والتي تحميهم من مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض بدون مقاطعة عملية التزاوج الغازية.
من غير الواضح حتى الآن ما قد تكون هذه الدفاعات الفطرية، ولكن مهما كانت، فإنها تجعل أسماك الصياد أكثر تفرداً بين الفقاريات في العالم. قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن يبدو أن سمكة الشص أغرب مما كنا نظن.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: livescience