الدينيسوفان مجموعة محيرة عُرفت أساسًا من عينات حمض نووي قديمة وآثار ذلك الحمض النووي الذي تشارَكته البشرانيات القدامى عند تزاوجها مع الإنسان العاقل. تركوا كبرى بصماتهم الوراثية لدى الأشخاص القاطنين حاليًا في جزر جنوب شرق آسيا، بالقرب من بابوا غينيا الجديدة وأستراليا. تظهر الأدلة الجينية أن مجموعة نيغريتو إثنية فلبينية هي أكثر وارثي سلالة دينيسوفان على الإطلاق. وجدت دراسة جديدة أن السكان الأصليين المعروفين باسم أيتا ماغبوكون قد ورثوا نحو 5٪ من حمضهم النووي من الدينيسوفان.
يتناسب هذا الاكتشاف مع السيناريو التطوري الذي وصلت فيه جمهرتان أو أكثر من دينيسوفان العصر الحجري بشكل مستقل إلى جزر مختلفة في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الفلبين وكتلة أرضية تتكون مما يُعرف الآن باسم بابوا غينيا الجديدة وأستراليا وتاسمانيا. تواريخ الوصول الدقيقة غير معروفة، لكن الأدوات الحجرية التي يعود تاريخها إلى 200000 عام والتي عُثر عليها في جزيرة سولاوسي الإندونيسية ربما تكون من صنع الدينيسوفان. تهاجنت بعدئذ مجموعات الإنسان العاقل التي بدأت في الوصول منذ حوالي 50000 عام أو أكثر مع الساكنين من الدينيسوفان.
وصف عالما الوراثة التطورية ماكسيميليان لارينا وماتياس جاكوبسون وفريقهما، كلاهما من جامعة أوبسالا في السويد، الدليل الجديد في 12 أغسطس في مجلة Current Biology.
حتى ومع اتضاح تعقيدات التهاجن القديم في جنوب شرق آسيا، يبقى الغموض يلف جمهرة الدينيسوفان. يقول جاكوبسون «ليس واضحًا كيفية الارتباط بين مجموعات دينيسوفان المختلفة في البر الرئيسي وجزر جنوب شرق آسيا أو حجم تنوعها الوراثي».
كان يُعتقد سابقًا أن قاطني مرتفعات بابوا غينيا الجديدة – الذين يُقدر امتلاكهم قرابة 4٪ من الحمض النووي الديتيسوفاني في الدراسة الجديدة – هم أصحاب الأرقام القياسية الحديثة من حيث الأصل الدينيسوفاني. يقول جاكوبسون إن مجموعة أيتا ماغبوكون تبدي سلفًا دينوسوفانيًا أكثر بـ 30 إلى 40٪ من قاطني مرتفعات بابوا غينيا الجديدة وشعوب أستراليا الأصليين. تفسر هذه الأرقام التزاوج الحديث بين سكان شرق آسيا ومجموعات نيغريتو الفلبينية، بما في ذلك أيتا ماغبوكون، الذي أضعف إرث الدينيسوفان الجيني بدرجات متفاوتة.
يقول العلماء إن التحليلات الجينية تشير إلى أن سكان أيتا ماغبوكون يتمتعون بأصول دينيسوفانية أكثر بقليل من مجموعات نيغريتو الفلبينية الأخرى نتيجة تزاوجهم في كثير من الأحيان مع مهاجرين من شرق آسيا إلى الجزيرة منذ حوالي 2281 عامًا. قارنت تحليلاتهم الجينية الحمض النووي القديم من الدينيسوفان وإنسان نياندرتال مع 1107 فردًا من 118 مجموعة إثنية في الفلبين، من ضمنها 25 مجموعة نيغريتو. ثم أُجريت مقارنات مع الحمض النووي الذي جُمع سابقًا من قاطني مرتفعات بابوا غينيا الجديدة الحالية والأستراليين الأصليين.
يؤكد التقرير الجديد أنه «حتى يومنا هذا، ثمة مجموعات سكانية لم تُوصّف جينيًا بالكامل وأن إنسان الدينيسوفان كان واسع الانتشار جغرافيًا»، وفقًا لعالم الحفريات القديمة كوزيمو بوست من جامعة توبنغن في ألمانيا، والذي لم يكن جزءًا من البحث الجديد.
وفقًا لبوست، من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت أحافير هومو العصر الحجري الموجودة في جزر جنوب شرق آسيا تعود لإنسان دينيسوفان أم لجمهرات تهاجنت مع الدينيسوفان أم لسلالات هومو أخرى. ويضيف أن حل تلك المعضلة يكمن فقط في الحمض النووي المستخرج من تلك الأحافير . لسوء الحظ، فإن الحمض النووي القديم يُحفظ بشكل سيئ في الأحافير في المناخات الاستوائية.
لا يوجد سوى عدد قليل من أحافير دينيسوفان المؤكدة. تتكون هذه العينات من بضع عينات مجزأة من كهف سيبيريا حيث عاش الدينيسوفان منذ حوالي 300000 إلى 50000 سنة، وفك جزئي يبلغ عمره حوالي 160,000 عام عُثر عليه في هضبة التبت.
الأحافير من الفلبين التي صُنفت في البداية على أنها إنسان كالاو ، والتي يرجع تاريخها إلى 50000 سنة أو أكثر، قد تمثل في الواقع إنسان الدينيسوفان. لكن عدم توافق الآراء حول شكل الدينيسوفان يترك الهوية التطورية لتلك الأحافير غير مؤكدة.
يقول عالم الوراثة السكانية جواو تيشيرا من جامعة أديلايد في أستراليا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: «إن نتائج لارينا وجاكوبسون تزيد من شكوكي بأن أحافير دينيسوفان كامنة أمام أعيننا» بين الاكتشافات السابقة في جزر جنوب شرق آسيا.
يشتبه تيشيرا في احتمال أن إنسان دينيسوفان قد ضم وراثيًا إنسان كالاو واثنين من أحافير البشرانيات الأخرى الموجودة في جزر مختلفة في جنوب شرق آسيا، وهما إنسان فلوريس على جزيرة فلوريس والإنسان المنتصب على جزيرة جاوة. عاش إنسان فلوريس أو الهوبيت منذ ما لا يقل عن 100000 سنة إلى حوالي 60000 سنة .وصل الإنسان المنتصب إلى جاوة منذ حوالي 1,6 مليون سنة وتوفي بين 117000 و 108000 سنة .
تشير أنماط سلاسل السلف الجغرافية في جزر جنوب شرق آسيا وفي أستراليا إلى أن هذه المنطقة قد استوطنتها جمهرة دينيسوفان فريدة وراثيًا من الأجزاء الجنوبية من البر الرئيسي لشرق آسيا، كما أفاد تيشيرا وزملاؤه في عدد مايو من مجلة Nature Ecology & Evolution.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: sciencenews