لقد شعرت بالقشعريرة؛ إذ لا شئ من هذا القبيل حدث من ذي قبل. في ستينات القرن العشرين اكتشف في البداية (جين غودال-Jane Goodall) أن قرود الشمبانزي البرية تستخدم بعض الأدوات مثل الأغصان، والأوراق، والعصي، وحتى أن بعض المجموعات تستخدم الرماح للحصول على طعامها. الحجارة أيضًا اُستخدمت من قبل الشمبانزي لتكسير وفتح بعض المكسرات وقطع وفتح الفواكة الكبيرة الحجم. كما أنه في بعض الأحيان تقوم قرود الشمبانزي برمي الحجارة في عرض للقوة لإثبات مكانتها وسط مجتمعها.
ولكن ما اكتشفناه خلال دراستنا المنشورة الآن لم يكن عشوائيًا، حدث مرة واحدة، بل كان نشاطًا متكررًا، والذي لا تربطه أي صلة واضحة بكسب الطعام أو الوضع. لربما كان هذا أحد الطقوس.
قمنا بمسح المنطقة لنجد العديد من المواقع التي تحتوي أشجارها على علامات مماثلة، وفي العديد من الأماكن وجدنا أكوام من الحجارة متراكمة بداخل جذوع الأشجار المجوفة، مما يذكرنا بأكوام الحجارة التي كشف عنها علماء الأثار في تاريخ البشرية.
تدفقت أشرطة الفيديو؛ فثمة مجموعات أخرى تعمل على مشروعنا بدأت بالبحث عن الأشجار التي تحمل نفس العلامات المميزة. لتجد نفس السلوك الغامض في بعض التجمعات الصغيرة في (غينيا بيساو-Guinea Bissau)، و(ليبيريا-Liberia) و(كوت ديفوار-Côte d’Ivoire)، ولكن لا شيء يفسر ذلك السلوك الغامض، على الرغم من البحث عبر كل مجموعات الشمبانزي من السواحل الغربية من (غينيا-Guinea) على طول الطريق إلى (تنزانيا-Tanzania).
أشجار مقدسة
قضيت عدة أشهر في هذا المجال، إلى جانب العديد من الباحثين الآخرين، في محاولة لمعرفة ما ترنو إليه هذه الشمبانزي. حتى الآن لدينا نظريتين رئيستين. يمكن أن يكون السلوك جزءً من عرض الذكور، حيث الدويّ القوي الذي يحدث عند ضرب الصخرة بالشجرة المجوفة يضاف إلى طبيعة العرض المؤثرة. هذا الاحتمال يرجح وبصفة خاصة في المناطق التي لا يوجد بها الكثير من الأشجار ذات الجذور الكبيرة والتي يمكن للشمبانزي أن يطبل عليها باستخدام يديه وقدميه القويتين. فإذا ما كانت بعض الأشجار تنتج فرقعة مثيرة للإعجاب، فإنها يمكن أن تصاحب أو تستبدل قرع الطبول بالأقدام الذي يحدث في العرض، والأشجار التي لها أصوات مؤثرة قد تصبح أماكن شعبية ليم زيارتها مجددًا.
من ناحية أخرى، ربما يكون الأمر أكثر رمزية من ذلك وأكثر تذكيرًا بماضينا. ذلك أن صناعة الممرات و المناطق التي تحمل علامات مميزة، كأكوام الصخور هو خطوة هامة في التاريخ البشري. إن الكشف عن الأماكن التي يتواجد بها قرود الشمبانزي وعلاقتها بالأماكن التي يقذفون فيها الحجارة، ربما يعطينا نظرة ثاقبة عما إذا كانت هذه الحالة كما نتوقع.
و مما يثير الاهتمام أكثر من ذلك، أننا ربما نكون قد وجدنا أول دليل على أن الشمبانزي يخلق نوعًا من الأضرحة التي تميز الأشجار المقدسة. سكان غرب أفريقيا الأصليون لديهم أيضًا مجموعات من الأحجار عند الأشجار المقدسة، وهذه الأكوام الصخرية التي يصنعها الإنسان ملحوظة بشكل شائع في جميع أنحاء العالم، وهي تشبه ما اكتشفناه لدى الشمبانزي إلى حد مخيف.
العالم يتلاشى
وحتى نتمكن من كشف أسرار أقرب أقربائنا إلينا (الشمبانزي)، يجب أن نفسح لهم المجال وحدهم في البرية. ففي (ساحل العاج-the Ivory Coast) وحدها، انخفضت أعداد الشمبانزي بنسبة تزيد على الـ90% في السنوات السبعة عشر الماضية.
مزيج مدمر من زيادة أعداد البشر، وتدمير مساكن الشمبانزي، والصيد غير المشروع، والأمراض المعدية؛ كلها تهدد حيوانات الشمبانزي بالإنقراض. ويحذر كبار العلماء أنه في حال إذا لم يتغير شيء، فالشمبانزي وغيره من القردة العليا لن يكون لديها إلا ثلاثين عامًا في البرية قبل أن تهلك. ففي غابات (غينيا-Guinea) المتروكة بلا حماية – هناك حيث اكتشفنا هذا السلوك الغامض لأول مرة- ثمة تجريف يحدث للغابات على منوال سريع، والذي بدوره سيجعل المكان لايصلح لسكنى قرود الشمبانزي التي عاشت وازدهرت هناك قبل ذلك.
إن ترك قرود الشمبانزي في البرية لتواصل صعودها المتواصل للإنقراض، لن يكون خسارة كبيرة للتنوع البيولوجي فحسب، بل سيكون أيضًا خسارة مأساوية لتراثنا.
ربما يمكنك دعم قرود الشمبانزي بإعطائها بعضًا من وقتك؛ لتذهب في الحال وتتعرف عليها كمواطن عالم على الموقع الإلكتروني www.chimpanzee.org ، أو حتى تتبرع ببعض من مالك لـ(مؤسسة الشمبانزي البرية-Wild Chimpanzee Foundation).
نحن نعلم يقينًا أنه ربما وجدنا في المستقبل ما قد يغير فهمنا لأقرب أقربائنا للأبد.
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: العثور على أقدم عظام للإنسان العاقل في أوروبا