في بحث جديد للكشف عن طبيعة التفاعل بين البيئة والتطور قام فريق بقيادة عالم الأحياء النهرية ديفيد ريزنيك (David Reznick) من جامعة كاليفورنيا بالتوصل إلى معلومات جديدة ترسم خريطة تطور مجتمع من أسماك الغابي «Guppies».
بالعمل في النهر في ترينيداد (Trinidad) تمكن الباحثون من التوصل إلى معرفة أي من ذكور الغابي سوف يساهم بنسل أكبر وأيها سيعيش فترة حياة أطول و أيها سيعيش فترة حياة أقصر. يقول الدكتور (Reznick) وهو من البارزين في علم الأحياء: «نحن نقوم بوضع وصف لكيفية حدوث التطور»، ويقول مضيفًا: «عادةً ماينظر الناس إلى التطور كتغيُّر يحدث مع الزمن إلَّا أنًّهم لا يعرفون تفاصيل أو كيفية هذا التغير».
إنَّ هذا العمل الجديد هو جزء من مشروع بحثي بدأه البروفيسور (Reznick) منذ عام 1978م ويتضمن نقل أسماك الغابي من بيئة غير ملائمة تحتوي على العديد من المفترسات (Predators) إلى نهر لا يحتوي علي أي كائن مفترس باستثناء نوع آخر من فصائل السمك (وجوده مع الغابي مرتبط بأقل نسبة وفيات بين أسماك الغابي) لتسجيل كيف سيتطور الغابي وكيف سيؤثرون علي هذه البيئة الجديدة.
قام الباحثون بقيادة البروفيسور (Reznick) ومساعده الطالب المتخرج (Swanne P. Gordon) واثنين من الطلبة الجامعيين العاملين في معمله باستخدام حراشف هذه الأسماك لتسجيل وأرشفة مادتهم الوراثية الـ (DNA). وعندما أعادوا السمك إلى النهر لاحظوا ظهور نسل جديد من الغابي وقاموا أيضًا بأرشفته وأخذوا عينات من الحراشف الخاصة بالنسل الجديد لدراستها. وبهذه الطريقة تمكن الباحثون من تتبع مسار نجاح الغابي في البقاء علي قيد الحياة وانتاج نسل جديد.
يقول البروفيسور ريزنيك: «كان في استطاعتنا ملاحظة مظهرهم وكيف أنَّ نمط ألوان الذكور قد مكنهم من النجاة والحصول علي فرصة التناسل وإنتاج نسل جديد»، ويضيف أيضًا: «لقد استخدمنا الحمض النووي الـ(DNA) من القشور للتعرف علي آباء الأسماك الجديدة، وهذا يعني أنَّه يمكننا إعادة بناء شجرة الأنساب لهذه الأسماك وتتبع نجاحها في إنتاج نسل جديد». توصل البحث أيضًا إلى نتيجة هامة تُفيد أنَّ الأسماك الذكور التي تمتلك بقع برتقالية وسوداء كثيرة أو كبيرة تنتج نسلًا أكثر، وكذلك فإنَّ الأسماك التي تمتلك بقعًا سوداء أظهرت ارتفاعًا في معدل الموت.
إنَّ هذه النتائج المنشورة في التاسع عشر من أغسطس في دورية (Proceedings of the Royal Society B) توضح كيف يمكن للتطور في الوقت الحاضر أن يعتمد على الاختلافات بين الآباء في إنجابهم للنسل وذلك من حيث نجاح الأب في العثور على الشريك المناسب أو إلى متى سيبقى على قيد الحياة، كما توضح هذه النتائج كيف أنَّ التطور يمكن أن يربط هذه الاختلافات بالصفات القابلة للتوريث في الأفراد.
ويضيف البروفيسور قائلًا: «الناس ينظرون للتطور علي أساس كونه حدث تاريخي، فهم لا ينظرون اليه بصفتها عملية تحدث أمامهم. التطور عملية معاصرة؛ الناس يشككون فيها لأنَّهم لا يستطيعون ملاحظتها؛ هنا يمكننا فعلًا ملاحظتها؛ نحن يمكننا أن نرى إذا ما كان هناك شيء يمكن أن يجعلك أكثر قدرةً علي التناسل والعيش مدة أطول». ويعقب مُشيرًا: «الناس ينظرون إلى جينية الشيخوخة في الفئران ويطبقون ذلك علي البشر إلَّا أنَّ هذه الفئران معملية والنتائج التي تترتب على دراسة حيوانات المعامل قد لا تكون مماثلة للنتائج عندما ننظر للحيوان في الطبيعة».
إنَّ النتائج المترتبة على هذا العمل الجديد يمكن أن تستخدم ضمن أي دراسة تبحث في التغيرات الحادثة مع مرور الزمن، وذلك نظرًا لأنَّ هذه الدراسة توضح الصفات الفردية التي تعزز البقاء والتكاثر، وكذلك تمكنت من توصيف كيفية تطور الحيوانات وكيف تؤثر في بيئتها.
يقول الدكتور ريزنيك: «نحن نسمي ماحدث في هذه الدراسة (التفاعل بين البيئة المحيطة والتطور)؛ فالحيوانات يمكن أن تغير في بيئتها المحيطة وهذا التغيُّر يتأقلم فيما بعد مع طريقة تطور الحيوانات. إنَّ فكرة التفاعل بين البيئة المحيطة والتطور هي وجهة نظر مختلفة؛ لو نظرنا للتطور البيئي فإنَّنا نلاحظ أنَّه يعامل الحيوان كثابت وهذه الدراسة سجلت كيف أنَّ أسماك الغابي تطوَّرت وكيف عدَّلت في بيئتها مع تطورها. إذا أخذنا في الاعتبار التفاعل الحاصل بين البيئة المحيطة والتطور فإنَّنا سنحصل على نتائج مختلفة كليًا عما يمكن أن نحصل عليه إذا فكرنا في تفسير الظاهرة بدون هذا التفاعل».
وقد وضح رزنيك أنَّ التطور ليس عملية خطيَّة تسير في خط مستقيم؛ فهي عبارة عن سلسلة من الحلقات والذي علينا فعله هو المشاهدة ومراقبة كيف يحدث التطور، إنَّ مسار التطور غير قابل للتوقع وهذا مايحدث الآن!
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: كيف وقع البشر الأوائل في حب الخبز والبيرة والكربوهيدرات الأخرى؟