في عام 1993، لقي بارون المخدرات بابلو إسكوبار حتفه، غير أن إرثه لا يزال حيًّا؛ فعلى سبيل المثال، يهيم أكثر من أربعين من أفراس النهر بحُرِّية في أنحاء كولومبيا، وهذه الأفراس هي نسل حفنة من الأفراس التي شردت بعيدًا عن حديقة الحيوان التي كان إسكوبار يمتلكها. وتمثل هذه الأفراس التجمع الأكبر لهذا النوع من الحيوانات خارج قارة أفريقيا.
لوسي كوك، مخرجة الأفلام والمؤلفة المعنية بالتاريخ الطبيعي، سبق لها أن تحدثت عمّا يُطلق عليه “أفراس النهر المرتبطة بالكوكايين”، وذلك خلال زيارة لها مؤخرًا لمدينة نيويورك قادمةً من لندن حيث تعيش. كانت كوك في مدينة نيويورك للتحدث عن كتابها الجديد “حقيقة الحيوانات: حيوانات الكسلان المسطولة، وأفراس النهر المحرومة من الحب، وحكايات أخرى من الجانب الجامح للحياة البرية” The Truth about Animals: Stoned Sloths, Lovelorn Hippos, and Other Tales from the Wild Side of Wildlife.
جمعت كوك في هذا الكتاب قصصًا لثلاثة عشر نوعًا من الحيوانات، تمثل في رأيها “مجموعة من الحيوانات التي يُساء فهمها”. بعض هذه الحيوانات تَلصق بها سمعة سيئة إلى يومنا هذا استنادًا إلى كتابات تعود إلى العصور الوسطى –ومنها القصص ذات المغزى الأخلاقي التي تحكي عن الحيوانات– وهي كتابات “كانت تخلط الحقائق بالمأثورات الشعبية وبالكثير من الدروس الأخلاقية”، وفق كوك.
إن الصورة السلبية التي لا تزال في أذهاننا عن الضباع ربما تعود إلى التصورات الماجنة التي استنبطها فلاسفة الأخلاق بشأن هذه الحيوانات، وذلك قبل أن يتوصل الباحثون الميدانيون الأكثر انفتاحًا إلى إدراك أن الحيوانات الأكبر حجمًا ما هي إلا إناث تتباهى بما يُطلق عليه القضيب الزائف.
من ناحية أخرى، تمشي البطاريق بقامة منتصبة كما يفعل البشر، وتتمتع بعلاقات أسرية ذات صلات وثيقة، وهو ما دفع المعلقين المحافظين –وفق كوك– إلى الإشادة بالفيلم الوثائقي “مسيرة البطاريق” March of the Penguins، الصادر عام 2005، لما يعرضه من “نماذج للقيم الأسرية المسيحية”. غير أن كوك تستطرد قائلة: “للأسف، البطاريق لها أدمغة صغيرة الحجم للغاية (…) وهي مبرمجة على ممارسة الجنس مع أي شيء يتحرك، بل ومع الكثير من الأشياء التي لا تتحرك، كالبطاريق النافقة”.
يتسم حيوان الكسلان ببطئه الشديد، ولهذا السبب لم يكن هذا الحيوان مثيرًا للاهتمام بالنسبة لأوائل مَن رأوه من الإسبان. وتقتبس كوك كلام الفاتح الإسباني أوڨييدو، الذي كتب واصفًا هذا الحيوان بأنه “أغبى شيء يمكن العثور عليه في هذا العالم”. غير أن أوڨييدو كان يصف عينةً واحدةً من هذه الحيوانات، وكان الحيوان مستلقيًا في استرخاء على الأرض. تقول كوك: “إن الجاذبية تسلب هذه الحيوانات وقارها”. إلا أنه إذا تعلق الأمر بتمتُّع هذه الحيوانات بنمط حياتها المتطور على الأشجار، فحينها يتضح أنها حيوانات عبقرية. تضيف كوك: “إنها طريقة للبقاء تتسم بتوفير الطاقة بشكل لا يُصدق؛ فكل ما تحتاج إليه هو يدين قويتين للإمساك بالأغصان والتعلق بها (…) وتحتاج هذه الحيوانات إلى عضلات أقل [بكثير] من القدر الذي تحتاج إليه معظم الثدييات الأخرى، ولذا فإنها تحرق قدرًا من الطاقة أقل بكثير”.
أما حيوان الكسلان القزم ذو الأصابع الثلاث في كل قدم –وهو حيوان مهدد بالانقراض– فلا يوجَد إلا على جزيرة صغيرة قبالة ساحل بنما، وهناك يقتات هذا الحيوان على أوراق نباتية “يُعتقَد أنها تحتوي على مركبات شبه قلوية لها خواص شبيهة بالڨاليوم”، وذلك وفق ما أوردته كوك في الفصل الخاص بحيوان الكسلان. ومن هنا جاء تعبير “حيوانات الكسلان المسطولة” المذكور في العنوان الفرعي للكتاب.
وبالحديث عن المخدرات، من الجدير بالذكر أن إسكوبار كان يمتلك كناغر، وحُمُرًا وحشية، وزرافات، وخراتيت، وغير ذلك من الحيوانات الحية الدخيلة التي سبق له الحصول عليها من أعمال النهب، علاوة على المجموعة المبدئية من أفراس النهر، التي اشتملت على أربعة أفراس مشاكسة. تُوضح كوك ذلك قائلة: “ذكر واحد (…) كانت كنيته ’إل ڨييچو‘ –أي ’العجوز‘– وثلاث إناث”. هكذا، وبعد أن لقي إسكوبار مصرعه في مشهد عنيف، أُرسلَت غالبية الحيوانات إلى حدائق للحيوان ومنشآت أخرى قادرة على العناية بها على النحو المطلوب.
تقول كوك: “فيما عدا أفراس النهر”؛ لأن هذه الحيوانات –وفق كوك– كانت ضخمة لدرجة جعلت من نقلها أمرًا صعبًا. وكانت أفراس النهر “أسعد ما يكون بهذا الوضع”؛ ففي أفريقيا، تواجه أفراس النهر تحديات متمثلة في الجفاف والمنافسة وتعرُّض الصغار للافتراس. “أما في كولومبيا، فتستمتع تلك الأفراس بالمطر طوال العام، وبالحقول الوارفة بالخُضرة التي يمكنها أن ترعى فيها، وليس هناك أفراس نهر أخرى تنافسها، ولا وجود للمفترسات. وهكذا تَزايَد عدد أفراد مجموعة بابلو بدرجة كبيرة للغاية”.
في كولومبيا، تعمل الأنهار بمنزلة “طرق سريعة لأفراس النهر” –وفق تعبير كوك– إذ إن الأنهار تُسهِّل على الذكور الشابة النشطة هرمونيًّا –والتي يطردها ’العجوز‘ الغيور خارج القطيع– العثور على موطن جديد بسرعة. غير أن نمط حياة أفراس النهر، الذي يستأثر فيه الذكر بكل الإناث إلى جانبه، يعني أن الإناث تظل على مقربة من القطيع، وبهذا لا تفوز الذكور الجسورة التي تقوم باستكشاف طريقها برفقة الإناث، وهو الأمر الذي يؤدي بهذه الذكور إلى أن تكون “مجموعة محبطة جنسيًّا من الذكور فاتني الإناث”، أي أنها تصبح ذكورًا محرومة من الحب.
تتضمن الخطط المطروحة للسيطرة على تعداد أفراس النهر قتل الذكور الشريدة، غير أن الكثيرين من محبي أفراس النهر في كولومبيا يعارضون ذلك؛ فبرغم كل شيء، تتمتع أفراس النهر بقدر من الكاريزما إلى الحد الذي دعا الممثلة چادا بينكيت سميث إلى عمل الأداء الصوتي لأنثى فرس النهر في مجموعة أفلام “مدغشقر” Madagascar. بيد أن أفراس النهر تُعَد في حقيقة الأمر شديدة الخطورة؛ إذ إن ارتطام أحد أفراس النهر المندفعة بشخصٍ ما يوازي تعرُّض هذا الشخص للدهس بسيارة كاديلاك فليتوود 1973 تسير بسرعة 30 ميلًا في الساعة تقريبًا.
تقول كوك: “ثمة خطة بديلة كانت تتمثل في برنامج راديكالي لإخصاء الذكور”، إلا أن “أفراس النهر لها خصيتان داخليتان”. وهاتان الخصيتان تنسحبان إلى داخل الجسد عند محاولة الإمساك بهما بمبضع الجراحة، ومن ثَمَّ فإن عملية الإخصاء تُعَد عملية طويلة، ومكلفة، وتنطوي على قدر من الخطورة. يبدو أننا سنعلم في نهاية المطاف إلى أي مدى سيكون من المكلف وجود عشيرة متنامية العدد من أفراس النهر الجائعة والشبقة تجوب أنهار أمريكا الجنوبية باحثةً عن الحب.
اقرأ أيضًا: طيور حمراء تُجري تحويلات كيميائية للألوان
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.