اكتشف العلماء بجنوب أفريقيا نوعًا جديدًا من “أسلاف الإنسان” في فجوة معزولة داخل كهف عُرِفَ باسم “مهد البشرية”، حيث عثر العلماء على أحفوريات لأفراد من جميع الأعمار يمثلون هذا النوع. واستنتج الفريق العلمي أن النوع الجديد من أشباه الإنسان “هومو ناليدي” (Homonaledi) كان يدفن موتاه كما يفعل البشر، وهو الأمر الذي طالما آمن العلماء بأنه ظاهرة مقتصرة على البشر.
ويؤكد هذا الإكتشاف أن عالمنا لا يزال ملآن بالأسرار الغامضة، كما يثير تساؤلات كثيرة حول ماضي الإنسان البعيد، وعلاقة أشباه الإنسان بالإنسان المعاصر، وقد يعارض بعض العلماء نتائج الفريق المثيرة للجدل، ولكن لا يستطيع أحد إنكار قيمة وأهمية هذا الاكتشاف المثير، الذي قد يساعد العلماء على فك لغز نشوء الإنسان وتطوره.
والعضو الجديد فى شجرة العائلة البشرية، هو من الأنواع التى يُعتقد أنها نشأت قبل 2.5- 2.8 مليون سنة، وتم استخراج حفرياتها من جنوب أفريقيا، وتحتوي على مزيج غريب من الميزات التى قد تنتمي إلى مراحل مختلفة من التطور. وأطلق العلماء اسم “هومو ناليدي” (Homonaledi) أي “النجم الصاعد” بلغة السيسوثو، على الكائنات التي عثروا على بقاياها العظمية في كهف يحمل نفس الاسم، ويقع في وادٍ يزخر بالكثير من كنوز القارة الأفريقية.
عثر الفريق العلمي على 1500 قطعة متنوعة من العظام في كهف عميق، بالقرب من موقعين يبعدان قرابة 50 كيلومترًا عن مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، ووُصفت محتوياتهما من العظام بأنها “كنوز دفينة” للعلم. وقاد هذا الاكتشاف لي بيرجر، عالم الأنثروبولوجيا أو”علم الإنسان” والأستاذ بمعهد دراسات التطور في جامعة ويتواترسراند (Witwatersrand) في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، وعُثر على الأحفوريات في نهاية سلسلة من التجويفات الضيقة للغاية تحت عمق الأرض، على بعد نحو 90 مترًا من مدخل الكهف. وللوصول إلى هناك، اضطر العلماء للمرور من فتحات لا يتعدى قطرها 20 سنتيمترًا.
وأكد لي بيرجر أن هذا الجنس الجديد كان يدفن موتاه، وهو أمر كان يعتقده خبراء “علم الإنسان” في السابق مقتصرًا على البشر دونَ غيرهم. وما تم العثور عليه من قطع عظمية هو أضخم مجموعة منفردة من حفريات البشر وأشباه البشر يتم اكتشافها، ويُرجح أنها لحوالي 15 شخصًا من الصغار والكبار، ولم يُعثَر على أية أنواع أخرى من العظام معهم.
وتوحي العظام المكتشفة بأن هذا الجنس الجديد “كان على درجة من الوعي والاحترام للميت”، وقد كان اكتشاف العظام عند عمق 100 متر من الكهف، وهي لأفراد شبيهي الهيئة بالبشر، ولهم أيادٍ وأقدام شبيهة بتلك المعروفة لدى البشر، ولكن من الواضح أن ذلك الكائن كان يتشبث كثيرًا بأغصان الشجر؛ نظرًا لانحناء كل عظام الأصابع. ويؤكد البروفسور بيرجر أن “هومو ناليدي” كان يدفن جثث موتاه “على نسق متكرر”، مما يعني أن “ذلك الكائن كان يعتبر نفسه منفصلاً -بل ومتميزًا- عن الحيوانات الأخرى في البرية”.
كما أن العظام التي اكتُشِفت في كهف “النجم الصاعد” خالية من أي آثار لمخالب أو أسنان، وهو ما ينفي وجود كائنات مفترسة أخرى كانت تدفن ما تصطاده من لحوم في الموقع. واستبعد العلماء أيضًا لجوء “هومو ناليدي” إلى إخفاء لحوم الحيوانات التي كان يصطادها في جوف الأرض، حتى تظل بمنأى عن الكائنات المفترسة التي تنبش في الفضلات، ويقول برجر: إن الجنس الجديد “كان يدفن موتاه فقط، وكان مخه أكبر قليلاً من مخ الشمبانزي، لكن عمره لا يزال لغزًا” مع أن فريق العلماء لَحَظَ أن هيئة “هومو ناليدي” تدل على أنه يعود إلى ما يزيد على مليونين و500 ألف عام تقريبًا، وذلك بعد “إعادة بناء” وجهه باستخدام التقنيات الحديثة.
كما أكد جيولوجيون أجروا أبحاثًا على الكهف، أنه لم يسبق أن تعرض للضوء قبل اكتشاف العظام فيه منذ عامين، مما يؤكد أن محتوياته العظمية لم تُنقَل إليه من موقع آخر، وكان بيرجر قد ذكر أن مَن كانوا يعيشون فيه بالماضي السحيق: “جاؤوا إليه في وقت واحد، وأقاموا فيه في فترة واحدة”.
ستة اكتشافات
بذل العلماء خلال السنوات الماضية جهودًا مضنية فى البحث العلمى المتعلق بأصل الإنسان، وساعدت علوم الوراثة الحديثة في تقصي العديد من الآثار، وتحديد العلاقات الوراثية بين الأجناس المكتشفة والإنسان المعاصر. ومن خلال ستة اكتشافات مهمة بدأوا التوصل خطوة بخطوة إلى أصل الإنسان وبدايته وشكله الأول، وكيف تطور من البداية حتى اتخذ الشكل الذي هو عليه في الوقت الحالي. ومؤخرًا رصدت مجلة “تايم” الأمريكية أهم 6 اكتشافات فى هذا المجال، أذكرها باختصار فيما يلي:
رجل الثلج
فى 26 أكتوبر من عام 1992 تم العثور على حفريات تعود إلى فصيلة من البشر يُطلَق عليها “رجل الثلج”، وُجِدَت الحفريات فى انصهار كبير فى جبال الألب الجليدية، وأوضح الاكتشاف بعض المفاهيم حول أواخر العصر الحجري، وأعطى فكرة للعلماء عن نمط الحياة، والفصيلة التى عاشت فى تلك الحِقبة التي قاربت على 330 ألف سنة قبل الميلاد.
بداية البشر
فى شهر مارس من عام 1994 توصل العلماء إلى عدد كبير من النتائج والاكتشافات التى أظهرت أن البشرية تطورت فى عدة أماكن حول العالم، وأن ثمة فصائل سبقت ظهور الإنسان العاقل. وأدت هذه الاكتشافات إلى إعادة كتابة بعض الخطوط الرئيسية فى كتاب التطور البشري بعد أن تم التوصل إلى البداية التى سبقت الإنسان.
تطور الإنسان
أكدت الاكتشافات العلمية الكُبرى منذ عام 1994 فكرة أن الجنس البشري المتعدد هي القاعدة وليست الاستثناء، ولهذا أضيفت أربعة أنواع جديدة من أسلاف الإنسان إلى شجرة العائلة البشرية، عاشت هذه الأنواع قبل 4.4 ملايين سنة قبل الميلاد، واكتشف العلماء أيضًا حفريات جديدة من الأنواع المعروفة، مما ساعدهم في العثور على العلاقات المعقدة بين الأجداد والفصائل المتعددة.
كائنات شبيهة بالإنسان
بعد البحث سنوات طويلة، توصل العلماء إلى بعض الاكتشافات الحديثة التى أكدت أنه في عصور ما قبل التاريخ بدأت كائنات شبيهة بالإنسان، كان لها شكل يختلف عن الشمبانزي ويقترب من ملامحنا الحالية، وأدى ظهور الحفريات التى تم العثور عليها فى عام 2002 فى منطقة ساحل جنوب الصحراء الكبرى فى تشاد، إلى إعادة النظر حول مكان نشوء البشر.
كيف أصبح القرد إنسانًا؟!
تم العثور على رفات كائنات عاشت قبل الإنسان الحالي عام 2001، وكانت فى حجم الشمبانزي وتعيش فى الغابات الإثيوبية منذ قرابة 5.8 إلى 5.2 ملايين سنة، وكانت لها بعض خصائص البشر في تعاملها مع الأشياء، ولكن شكلها الخارجي كان يميل أكثر إلى شكل القرود.
الرجل الأمريكي الأول
فى عام 2006 عُثر على رفات أقدم مرتين من الرفات الذي عُثر عليه عام 1991 فى المنطقة الجبلية الجليدية، ويعتبر أقدم وأكمل الهياكل التى وُجدت فى الأمريكتين، ووجد العلماء حوالي 50 من الهياكل العظمية من العصور القديمة، مما جعل العلماء يعيدون التفكير والبحث عن طبيعة البشر الذين استعمروا هذه المنطقة قبل التاريخ، وكيف كان شكلهم، وكيف كانت حياتهم.
ولكن على الرغم من تلك الاكتشافات المتتالية فالسر وراء أصل الإنسان لا يزال لغزًا كبيرًا، ويتكهن العلماء بأن شبيه الإنسان “هومو ناليدي”، المكتشَف مؤخرًا، قد عاش قبل مليونين و500 ألف عام، وكان منتصب القامة أيضًا، وبذكاء “بشري” أوصله حتى إلى دفن موتاه، ولكن العلماء أثبتوا أنه ليس ثمة رابط بينه وبين أي سلالات قديمة للإنسان الحالي، بل هو سلالة بحد ذاتها، لم تكن معروفة قبل الآن.
ويُعَد هذا الكشف الذي ظهر في سبتمبر 2013م بأحد الكهوف، وأُعلِن عنه مؤخرًا، هزيمة وانتكاسة لزعم البشر تفردهم بالذكاء عن بقية الكائنات الأخرى. ولا تزال البحوث جارية لفك الطلاسم وحل لغز نشوء الإنسان وتطوره، وهو السؤال الأصعب الذي طالما حير البشر على مر السنين، ولا يزال يحيرهم، حتى إن العلم الحديث لم يجد إجابة حاسمة له إلى الآن.
اقرأ أيضًا: الإنسان الأول هاجر إلى السعودية قبل 85 ألف سنة
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.