يطلق المركب الحار في الفلفل سلسلة من التفاعلات الكيميائية تحد من التهاب الأمعاء والنشاط المناعي لدى الفئران. تقرير أعدَّهُ كريستوفر إنتالياتا
يُعْرَفُ الـمُرَكَّبُ الَّذِي يُعْطِي الفُلْفُلَ الـمَذاقَ الحارَّ بِالـ”كابسايسين” وهُوَ ما يَجْعَلُ فَمَكَ يَشْتَعِلُ بِالـحَرارَةِ عِنْدَ تَناوُلِ الفُلْفُلِ. وَلَكِنَّ هَذِهِ المادَّةَ الحارَّةَ لَها أيْضًا تَأْثِيرٌ مَلَطِّفٌ فِي أمْعائِكَ، فَهِيَ تُطْلِقُ سِلْسِلَةً مِنَ التَّفاعُلاتِ الكِيميائِيَّةِ الَّتَي رُبَّما تُهَدِّئُ الجِهازَ الـمَناعِيَّ وتَحُدُّ مِنَ الالْتِهاب.
دَرَسَ الباحِثُونَ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ فِي الفِئْرانِ. فَفَوْرَ وُصُولِ الكابسايسين إلَى الأَمْعاءِ، تَرْتَبِطُ جُزَيْئاتُهُ بِمُسْتَقْبِلٍ مُحَدَّدٍ، مُحفِّزًا إِفْرازَ مُرَكَّبٍ آَخَرَ يُسَمَّى “أنانداميد”. وتُعَدُّ مادَّةُ الأنانداميد كانابينويدًا داخِلِيًّا، أيْ أَنَّ تَرْكِيبَها يُشْبِهُ مُكَوِّناتٍ مَوْجُودَةً بِالماريجوانا، وتَرْتَبِطُ بِمُسْتَقْبِلاتِ الكانابينويد في الأمْعاءِ. تِلْكَ الخُطْوَةُض الأَخِيرَةُ فِي سِلْسِلَةِ التَّفاعُلاتِ حَفَّزَتْ إِنْتاجَ الخَلايا الَّتِي هَدَّأَتْ مِنْ الْتِهابِ الأَمْعاءِ فِي الفِئْرانِ، بَلْ إِنَّها عالَـجَتْهُمْ أَيْضًا مِنْ داءِ السُّكَّرِيِّ “النَّوْعِ الأَوَّلِ”؛ أَحَدِ أَمْراضِ الـمَناعَةِ الذَّاتِيَّة.
إِذا بَدا هَذا الأَمْرُ بِرُمَّتِهِ مُشابِهًا قَلِيلًا لِلرَّسائِلِ الكِيميائيةِ الَّتِي تَحْدُثُ في الدِّماغِ… فَهَذا لِأَنَّها كَذِلَكَ بِالفِعْلِ. يَقُولُ برامود سريفاستافا -باحِثٌ مُتَخَصِّصٌ في الـمَناعَةِ بِالـمَرْكَزِ الصِّحِّيِّ بِجامِعَةِ كونيتيكت وأَحَدُ قادَةِ هَذِهِ الدِّراسَة-: “فِي الأَمْعاءِ جِهازٌ عَصَبِيٌّ كَبِيرٌ جِدًّا، بِنَفْسِ حَجْمِ الجِهازِ العَصَبِيِّ الـمَوْجُودِ في الدِّماغِ تَقْرِيبًا”.
“لا نَفْهَمُ تَمامًا وَظِيفَةَ هَذا الكَمِّ مِنَ الخَلايا العَصَبِيَّةِ داخِلَ الأَمْعاءِ، ولا نَفْهَمُ لُغَتَها، ولا جُزَيْئاتِها، ولا الـمَوادَّ الوَسِيطَةَ بِها. وأَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِهَذا العَمَلِ البَحْثِيِّ يُمْكِنُنا عَلَى الأَقَلِّ الادِّعاءُ بِأَنَّنا فَهِمْنا بَعْضَ الكَلِماتِ مِنْ هَذِهِ اللُّغَة”. نُشِرَتْ هَذِهِ الدِّراسَةُ بِمَجَلَّةِ “بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز”.
وَيُمْكِنُ تَلْخِيصُ ما يَحْدُثُ في هَذِهِ السِّلْسِلَةِ الكِيميائيَّةِ بِما يَلِي: يَتَسَبَّبُ الفُلْفُلُ الحارُّ في إِنْتاجِ الكانابينويداتِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي تُنْتِجُ خَلايا مُثَبِّطَةً لِلْمَناعَةِ، مِمَّا يُلَطِّفُ الالْتِهابَ. ماذا لَوِ اسْتَغْنَيْتَ عَنِ الفُلْفُلِ الحارِّ وَتَناوَلْتَ مَوادَّ الكانابينويد مُباشَرَةً في كَعْكَةِ براوني، أَوْ ما شابَه؟
“مِنَ الواضِحِ أَنَّنا مُهْتَمُّونَ جِدًّا بِالأَشْخاصِ الَّذِينَ يَسْتَخْدِمُونَ مَوادَّ الكانابينويد القابِلَةَ للأَكْلِ، فَلَدَيَّ فُضُولٌ شَدِيدٌ لِمَعْرِفَةِ هَلْ يَسْتَفِيدُ الأَشْخاصُ الـمُصابُونَ بِالْتِهابِ القولونِ أو داءِ كرون مِنْ تَناوُلِ كَعْكِ الكانابينويد بِالفِعْل؟ لَيْسَ لَدَيَّ فِكْرَةٌ. ولَكِنَّهُ شَيْءٌ نَسْتَطِيعُ اكْتِشافَهُ الآنَ، نَظَرًا لِلأَعْدادِ الكَبِيرَةِ مِنَ الأَشْخاصِ الَّذِينَ يَتَناوَلُونَ هَذِهِ الـمَأْكُولات”.
اقرأ أيضًا: الإنسان الأول هاجر إلى السعودية قبل 85 ألف سنة
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.