سيناريوهات ثلاثة تفرضها التغيُّرات المناخية على الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية؛ من جَرَّاء الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة المياه إلى معدلات غير مسبوقة، فإما أن تستطيع التكيف مع الظروف الجديدة، أو تهاجر إلى مناطق أقل ارتفاعًا في درجات الحرارة، أو أن تفنى نتيجة هذه التغيرات، التي عادةً ما تكون تدريجية.
وبينما يتفق الكثير من العلماء وخبراء البيئة والمناخ على أن التغيرات المناخية ستدفع آلاف الأنواع من البرمائيات والثدييات والطيور للانتقال إلى مناطق أكثر برودة خارج موائلها الطبيعية، فإن ما يثير التساؤل هو مدى الفرص التي تحظى بها الأسماك للبقاء على قيد الحياة، وسط ما تفرضه عليها التغيُّرات المناخية من تهديدات بالفناء، في مختلِف أنحاء العالم؟
80 سنة تجارب
هذا السؤال وضعه فريق من الباحثين بجامعة واشنطن نصب أعينهم، فيما يُعَدُّ أول دراسة تحليلية لرصد المخاطر المُحدِقة بالأسماك من جَرَّاء التغيُّرات المناخية.
الدراسة التي نُشرت نتائجها في دورية نيتشر كلايمت تشينج، الشهر الماضي، اعتمدت على تحليل بيانات فسيولوجية للتنبؤ بمدى استجابة نحو 3000 نوع من الأسماك، تعيش في البحار والمحيطات والأنهار، للارتفاع المستمر في درجات حرارة المياه، في مناطق مختلفة من العالم.
اعتمد الباحثون خلال دراستهم على تجميع بيانات تجارب معملية، تم إجراؤها على مدار الـ80 عامًا الأخيرة، بمعرفة باحثين في مختلف أنحاء العالم، وشملت ما يقرب من 500 نوع من الأسماك.
صُمِّمت تلك التجارب وفق معايير محددة، لقياس أقصى درجة حرارة يمكن أن تتحملها الأسماك قبل نفوقها.
ويُعَدُّ هذا التحليل الأول الذي يتم فيه تجميع بيانات متباينة من تجارب معملية، وترجمتها إلى مؤشرات للتنبؤ بكيفية استجابة الأسماك للتغيُّرات المناخية في بيئتها الطبيعية.
آمال ضئيلة
وجد الباحثون أن حساسية الأسماك تجاه التغيُّرات في درجات الحرارة تتباين بشكل ملحوظ بين أسماك المحيطات وأسماك المياه العذبة، وأن احتمالات بقائها على قيد الحياة، في ظل الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، تبدو ضئيلة، مما يجعل خيار هجرتها باتجاه مناطق أكثر برودة أمرًا حتميًّا.
وقالت رئيس فريق البحث، ليز كومتي -الباحثة في كلية العلوم المائية وصيد الأسماك بجامعة واشنطن-: “نحتاج إلى أدوات تساعدنا في تحديد المناطق التي قد تواجه أخطر التحديات، كي يمكننا وضع الخطط اللازمة لحمايتها”.
وتابعت بقولها: “من المهم أن ننظر إلى المنظومة البيئية التي تحيا فيها هذه الكائنات؛ إذ لا يمكننا أن نفترض أنها ستكون على القدر نفسه من الحساسية تجاه التغيرات التي ستطرأ على هذه المنظومة”.
تقييم المخاطر
وتضيف كومتي -في تصريحات لـ”للعلم”-: “أجرينا تقييمًا للمخاطر التي تتعرض لها الأسماك بسبب التغيرات المناخية، وقدرتها على التكيف مع درجات حرارة أعلى من معدلاتها الطبيعية مستقبلاً”.
وعما إذا كانت هناك أنواع بعينها من الأسماك ستكون أكثر عرضةً للتهديد من غيرها، أجابت: “أظهرت النتائج مؤشرات على أن الأسماك البحرية في المناطق المدارية سوف تكون الأكثر عرضة لارتفاع درجات الحرارة”، تستطرد: “في حين أن المخاطر ستكون أكبر بالنسبة لأحواض الأنهار في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وتتضمن مناطق وسط آسيا، وجنوب أوروبا، وجنوب أمريكا الشمالية”.
وشددت على أن الدراسة لم تقدم نتائج محددة بشأن أنواع بعينها؛ إذ اعتمدت على تقييم المخاطر على مستوى التجمعات السمكية بوجه عام.
حموضة المياه
من جانبه، لفت محمد شوقي القطان -الأستاذ بكلية تكنولوجيا المصايد والأسماك بجامعة أسوان- إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات يؤدي إلى تغيُّر في المحيط البيئي الذي تعيش فيه الكائنات البحرية، مما يتسبَّب في نمو بعض الطحالب الضارة التي تشكل طبقة على سطح الماء، وتمنع مرور أشعة الشمس، وصعوبة تبادل الأكسجين الضروري لحياة النباتات.
ويوضح: وهو ما يؤثر على حياة الأحياء البحرية التي تتغذى على هذه النباتات، بالإضافة إلى أن هجرة الأسماك لبيئتها الطبيعية إلى مناطق أكثر برودة، سيؤثر على تكاثرها وطريقة توزيعها، مما يهدد بانقراض بعض أنواعها.
ويضيف: “تأثير التغيُّر المناخي لن يقتصر فقط على ارتفاع درجة حرارة المياه، وإنما قد تتسبب في تسميمها، مما يؤدي إلى هلاك أعداد كبيرة من الأسماك”، مفسرًا ذلك بأن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو يزيد من معدلات ذوبانه في مياه البحار والمحيطات، وبالتالي زيادة نسبة الحموضة بها.
وبالنسبة لتأثيرات التغيُّرات المناخية على أسماك المسطحات المائية في مصر، أشار القطان إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة ملوحة البحيرات الشمالية نتيجة زيادة معدلات البخر، وهو ما يدفع زريعة أسماك العائلة البورية إلى الهجرة من البحر المتوسط إلى مناطق التقاء المياه المالحة بالمياه العذبة، مما يتسبب في تراجُع المخزون السمكي لتلك البحيرات، بالإضافة إلى أن التغيرات المناخية ينجم عنها تعديل في توزيع الأنواع السمكية في أنهار المياه العذبة أو في المحيطات، نتيجة التغيرات التي تحدث في سلسلة الغذاء، أو في موسمية العمليات البيولوجية الحيوية.
اقرأ أيضًا: الإنسان الأول هاجر إلى السعودية قبل 85 ألف سنة
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.