آلة خلوية – من القوة بحيث إنها أوجدت كل أشكال الحياة و خلقت كوكبنا متداخل الألوان- يمكنها أن تخبرنا كيف بدأ كل شيء
قبل نحو أربعة بلايين سنة، وفي مكان ما ضمن كتلة المعادن الخاملة والجزيئات التي تكوِّن كوكبنا الرطب الصخري، أصبح الميتُ حيًّا. وكان هذا أهم تحول كيميائي يحدث على كوكب الأرض. ولم يؤدِ ذلك فقط إلى وجود جميع أشكال الحياة على الوجود، بل غيَّر أيضا من كيمياء المحيطات، والأرض والغلاف الجوي من فوقه. وإذا لم يحدث كل ذلك، فما كانت لتتكوَّن الكرة الزرقاء الملونة.
هذه الخطوة الكيميائية الأولى نحو الحياة قد تكون أقرب بكثير مما كنا نظن سابقا. فمدفونة داخل كل خلية من خلايا كل كائن حي على كوكب الأرض، من البكتيريا إلى النوّ Barnacles إلى البريطانيين، هناك نسخة حية فاعلة من أول حياة على الأرض – آلة زمن تسمح لنا بالكشف عن تلك الأربعة بلايين سنة من التاريخ وفهم كيف بدأ كل شيء. «ونستطيع التوقف عن التخمين غير المجدي حول أصل الحياة،» كما يقول لورين ويليامز Loren Williams، عالم الكيمياء الحيوية من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Institute of Technology بأتلانتا. ويتابع قائلا: «يمكننا أن نراه بأعيننا.» إن ما يكتشفه هو وزملاؤه سيقلب وجهة نظرنا عن أصول الحياة رأسا على عقب.
حتى الآن، فإن معظم الجهود لفهم كيف بدأت الحياة قد تعاملت مع المشكلة من أسفل إلى أعلى. بشكل عام، فإنها تبدأ بحساء تجريبي من الجزيئات البدائية، ومحاولة إما إعادة بناء كتل الجينات. أو محاولة تحفيزها لتطوير وظائف رئيسية، مثل الاستنساخ الذاتي. وعلى الرغم من بعض النتائج الواعدة، يمكن لهذه المقاربة في أحسن الأحوال أن تظهر لنا مسارا معقولا قد اتبعته الحياة. لكن لا يمكنه أبدا أن يكشف ماذا حدث فعلا.
أما المقاربة الجديدة فتبدأ البحث من مرحلة الحياة الحديثة و تعود إلى الوراء في الزمن. فالريبوسومات Ribosomes هي آلات جزيئية موجودة داخل كل خلية حية, و تتشكل من بروتينات متشابكة وأحد أقرباء الحمض النووي DNA هو الحمض النووي الريبي RNA. و هي تفعل شيئا واحدا فقط تقوم به بشكل جيد: ألا و هو قراءة الشيفرة الوراثية المخزنة في الحمض النووي DNA، و من ثم استخدام هذه الشيفرة لبناء البروتينات. وفي جوهرها، هي الروبوتات الخلوية التي تبني الأشياء التي تجعل الخلايا لدينا تعمل بدقة.
ومهمةُ هذه الريبوسومات جوهريةٌ جدا بالنسبة إلى الحياة، لذا فهي تعمل بالطريقة نفسها في جميع الكائنات الحية: فريبوسوماتك تختلف عن تلك التي في البكتيريا البدائية فقط في شكل الزخرفة على سطحها الخارجي. فهذا النوع من الاتساق يقترح أنها تعود إلى حقبة بداية الحياة. ومع تقدم التطور البيولوجي، أخذت أنواع جديدة من الكائنات الحية أجزاءً إضافية من الحمض النووي الريبي RNA وأضافتها إلى ريبوسومها. فهذه الإضافات تركت آثارا يمكن التعرف عليها، كما يترك فرع الشجرة النابت علامة مرئية في الخشب. «حتى لو تلاشى هذا الفرع، يمكنك أن تنظر إلى الخشب وتقول شيءٌ ما نما هنا،» كما يقول ويليامز. اقطع هذه الفروع وستجد الأصل المشترك: الجزء من الريبوسوم الذي كان فعالا في وقت آخر سلف مشترك عام Last Universal Common Ancestor (اختصارا: لوكا LUCA) الذي تنحدر منه كل أشكال الحياة المعروفة.
وبهذه الطريقة، من خلال المقارنة بين الحمض النووي الريبي الريبوسومي ribosomal RNA لللكائنات الحية، استطاع وليامز وفريقه التوصل إلى الريبوسوم الذي كان موجودا في زمن لوكا، وما قبله. وبعد ذلك، عندما عرفوا كيفية التعرف على «بصمات إدراج» Insertion fingerprints الآثار التي أدخلتها الكائنات الحية المتعاقبة أثناء عملية التطور على زخرفة الريبوسوم الحديثة، نظر الفريق إلى الحمض النووي الريبي RNA الذي ربما كان موجودا في ريبوسوم لوكا. و قد وجدوا آثارا مماثلة للإدراج في ريبوسوم لوكا أيضا، والتي تشير إلى الإضافات القديمة التي حدثت حتى قبل لوكا. في كل مرة وجدوا إضافة، قاموا بقصِّها و إبعادها، مع تقليم فروع أخرى و الذهاب أبعد في الماضي لإعادة بناء أقدم ريبوسوم، والوصول إلى النسخ الأكثر بدائية من الريبوسوم، حتى الوصول إلى بداياته.
لقد وجد ويليامز وزملاؤه أن أقدم جزء من الريبوسوم هو امتداد من الحمض النووي الريبي RNA الذي يتضمن منطقة تشبه المهد التي تربط في الوقت الحاضر الأحماض الأمينية لتشكيل سلاسل تشبه البروتين. وقد استخدمت فرق بحثية أخرى طرقا مختلفة لتحديد أقدم أجزاء الريبوسوم، ببساطة مثل تقشير طبقات البصل المتعددة، للكشف عن النواة. و قد اتفقوا على أن الشكل الذي يشبه المهد هو الجزء العتيق. «هذا على الأرجح أفضل نموذج لدينا عن تاريخ الريبوسوم،» كما يقول جورج فوكس George Fox، عالم الأحياء التطوري من جامعة هيوستن University of Houston في تكساس.
وعند تجريد الريبوسوم من جميع التحسينات التي أُدخِلت عليه وقت لاحق، فإن هذا الريبوسوم البدائي لا يمتلك أيًّا من الدقة التي تحققت في زمن لوكا. إذ كان يفتقر إلى المناطق التي تقرأ الشيفرة الوراثية، لذلك لم يكن بإمكان الريبوسوم أن ينتج بروتينات محددة. فبدلا من هذا، من المحتم أن هذه الريبوسومات كانت تربط الأحماض الأمينية، وربما أي جزيئات أخرى من شأنها أن تناسب المنطقة الشبيهه بالمهد بشكل عشوائي في سلاسل عشوائية قصيرة، من خلال تفاعل كيميائي بسيط، مما يشير إلى أن أصل الحياة تطور على اليابسة (انظر: بركة مياة صغيرة جافة). ونتيجة لذلك، فإن الريبوسومات الأولية كانت تنتج سلاسل غير مترابطة من جزيئات مختلفة، كما يقول وليامز. «نحن نسميها صانعات السجق الجزيئي.» وقد وجد باحثون آخرون أدلة مؤيدة لهذا الاستنتاج: ففي ظل الظروف الصحيحة، حتى الريبوسومات الحديثة يمكن خداعها لربط جزيئات أخرى غير الأحماض الأمينية معا.
على الأرض البدائية، ومع إنتاج الشظايا العشوائية من قبل صانعات السجق، فإن عددا قليلا منها كان يصدف أن يأخذ الشكل الذي يساعدهم على الالتصاق بالحمض النووي الريبي الريبوسومي rRNA. وهذا من شأنه أن يوفر بعض الثبات لهذه الشظايا قليلا. «وتلك المتواليات التي شكلت هياكل أكثر ثباتا ستستمر لفترة أطول، لذلك سنقوم بإعادة بنائها،» كما يقول نيكولاس هود Nicholas Hud، اختصاصي الكيمياء العضوية من معهد جورجيا للتكنولوجيا الذي يتعاون مع ويليامز. تدريجيا، بنت هذه التراكماتُ الريبوسومَ ليصبح بُنيَة أكبر وأكبر. «هذا شكل من أشكال التطور، من دون الحاجة إلى الجينات أو بيانات. وسأُطلق عليه التطور الكيميائي،» كما يقول هود.
هذه الفوضى من التطور للحمض النووي الريبي RNA وشظايا البروتين تَقْصر كثيرا عما قد يطلق عليه معظم الباحثين «حيًّا حقا». ربما لم يكن من الممكن تعَرُّف الجزيئات كحمض نووي ريبي RNA أو بروتين، بل مجموعة من جزيئات شبه بروتينية متماثلة تجمع نفسها بسهولة أكبر. ولكن النظام برمته كان يشق طريقه نحو الحياة، من خلال التطور الكيميائي الذي شقِّ طريقه من العشوائية واختيار المكونات التي تعلق أكثر من بعضها البعض.
على الرغم من أن بعض التفاصيل لا تزال غامضة، إلا أن وليامز ليس لديه أي شك في سمة واحدة من سمات هذه المرحلة المبكرة: فلم تكن هناك شيفرة وراثية ولا تكرار دقيق للجينوم ألا قبيل تطور الحياة الحقيقية بقليل. في الخلايا الحديثة، تُشحن التعليمات من النواة: المكتبة المركزية للحمض النووي DNA، إلى الريبوسومات عن طريق الحمض النووي الريبي المرسال (الرسول) messanger RNA. يربط الريبوسوم نصوص التعليمات من الحمض الريبي المرسال mRNA، ويقرأ ثلاثة أحرف في كل مرة، إذ إن كل مجموعة ثلاثية ترمز إلى حمض أميني معين. بعدها، يصطحب الحمضُ النووي الريبي الناقل transfer RNA الذي لديه تسلسل مطابق للمجموعة الثلاثية سالفة الذكر- الحمضَ الأميني المحدد إلى الريبوسوم.
إن الحمض النووي الريبي الناقل t-RNA و الحمض النووي الريبي المرسال m-RNA هما المنفذان الأساسيان لتعليمات الشيفرة الوراثية. ولكن في جميع محاولات لإعادة بنائها إلى ما قبل زمن لوكا لا تظهر أجزاء الريبوسوم المسؤولة عن ترابط هذه الأحماض النووي إلا في وقت متأخر نسبيا. وحتى في وقت لوكا، كما يخمن وليامز، فمن غير المرجح أن الوظيفة الأولية للحمض الريبي النووي الناقل والمرسال كانت تشبه الشكل المتطور الحالي مثل الترميز الثلاثي Triplet coding. وبدلا من ذلك، فإنها على الأرجح نشأت عن المقتطفات القصيرة من الحمض النووي الريبي RNA والتي وجدت صدفة للمساعدة على وضع الأحماض الأمينية العشوائية في الوضع الصحيح للصقها بجزيئات البروتين المتنامية.
واليوم، فإن المخطط Blueprint الذي تحويه الشيفرة الوراثية يسمح للريبوسوم بعمل نسخ دقيقة من البروتين نفسه مرارا وتكرارا. ولكن في هذه المرحلة من عصر ما قبل التاريخ في الحياة، لم يكن لدى الريبوسوم الأوليّ proto-ribosome أي وسيلة لقراءة الجينوم، لذلك لم تكن حاجه إليه. وبدلا من النسخ المكررة الدقيقة، أنتج الريبوسوم الأولِيّ مجموعةً من الجزيئات الجديدة، مع بقاء واستمرار البروتينات التي تساعد على تثبيت النظام.
تدريجيا، فإن هذه العملية قد اختارت الحمض النووي الريبي المرسال mRNA والحمض الريبي النووي الناقل tRNA اللذين كانا أفضل وأكثر دقة في وظائفهما، مما أدى في نهاية المطاف إلى تكون الجزيئات التي تختار أحماضا أمينية محددة في أوقات محددة – الشيفرة الوراثية الموجودة اليوم في جميع الكائنات الحية. وأخيرا، جاء التطور الدارويني، ووصل النظام أخيرا إلى النقطة التي يمكن حقا عندها أن يُطلق عليها وصفَ أنها على قيد الحياة. يتفق معظم علماء الأحياء التطورية على أن الحمض النووي الريبي RNA كان يحمل الشيفرة الوراثية أولا. فقد جاء الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين DNA، الجزيء الأكثر استقرارا، في وقت لاحق (انظر: قبل الانفجار الكبير للحياة).
الترتيب الجزيئي Molecular snuggling
واحدة من العمليات الرئيسية التي سمحت بتطور الحمض النووي الريبي RNA والبروتينات كلما أصبحت أكثر دقة كانت خاصية الطي: فالبروتينات الحديثة لديها القدرة على طي نفسها في أشكال معقدة ثلاثية الأبعاد التي لا يمكنها ممارسة عملها دونها. ويحيط قدر من الغموض بنشأة هذه الخاصية. فالطي هو خاصية نادرة للغاية، فعدد سلاسل البروتين المحتملة أكثر من عدد الذرات في الكون. لذلك، فمن غير المتصور أن عملية التطور قامت باستكشاف جميع البروتينات الممكن للعثور على عدد قليل منها التي تمتاز بهذه الخاصية، كما يقول أندريه لوباس Andrei Lupas من معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء التنموي Max Planck Institute for Developmental Biology في ألمانيا.
لكن التطور الكيميائي يقدم حلاًّ لهذه المشكلة. فلطي بروتين طيًّا جيدا، يتحتم على جزء واحد منه أن يلتف بإحكام حول آخر دون السماح لجزيئات الماء. وهذه هي أيضا الميزة التي تساعد على ربط جزيئات البروتين الأولى واستقرار الحمض النووي الريبي الأولي proto-RNA. ومع تطور هذه الجزيئات معا تطورا تشاركيا، انتخبت الشظايا البروتينية المهيأة للطي الجيد، كما يقول لوباس.
ولايزال الريبوسوم يحتفظ بسجل لهذه العملية. فالبروتينات المرتبطة بأقدم جزء من الريبوسوم تحتوي على عدد قليل من الطيات المعقدة أو لا تحتوي على أي منها على الإطلاق. و عندما درس الباحثون الأجزاء الأحدث من الريبوسوم لاحظوا طي البروتينات أولا إلى أوراق بسيطة ومن ثم إلى أشكال أكثر دقة و تعقيدا. في الوقت نفسه، فإن أجزاء الحمض النووي الريبي RNA من الريبوسوم كانت أيضا تتطور لتكون أكثر قابلية للطي وأكثر استقرارا. «فخطوط فكرة أن البروتين و الحمض النووي الريبي RNA كانا يتطوران معا بشكل مشترك مُحدَّدة هنا، ويمكننا مشاهدتها،» كما يقول ويليامز. والسيناريو المقدَّم من قبله يقدم وسيلة ثانية للإجابة عن أول أسئلة الحياة الأساسية “مفارقة الدجاجة والبيضة». كما أنه يمثل ابتعادا كبيرا عن فرضية «عالَم الحمض النووي الريبي RNA» المهيمنة (انظر: جواب: الدجاجة والبيضة).
حتى نُقّاد ويليامز يرحبون بأفكاره. «أعتقد أن لورين يدافع عن مراجعة جذرية للطريقة التي ننظر بها إلى الحياة الأولية»، كما يقول نايلز ليمان Niles Lehman من جامعة ولاية بورتلاند Portland State University في أوريغون. «وحتى إن كنت لا توافق على كل التفاصيل، فإن هذه النظرية تساعدنا على إعادة النظر في نماذج كيفية بداية الحياة، وهذا إسهام قيم.»
أما ويليامز، فيقول إنه بدأ للتو. ففريقه يحاول إعادة مراحل التطور الريبوسومي في المختبر، ليتمكنوا من اختبار ما يمكن أن تفعله كل مرحلة منها. حتى الآن، فقد قاموا ببناء أقدم لب جزيء ريبوسوم أولي وبدؤوا بتكوين خطواته الزمنية.
«الريبوسوم هو هدية الطبيعة لنا. إنها كبسولة الزمن الصغيرة، ونحن قد فتحناها للتو وبدأنا بالنظر إلى الداخل،» كما يقول.
بركة مياة صغيرة جافة A dry little pond
منذ فترة طويلة ناقش الباحثون ما إذا كانت الحياة نشأت في بركة صغيرة دافئة، كما تكهَّن داروين، أو في بعض موائل أخرى مثل الفتحات الحرارية المائية تحت سطح البحر، والينابيع الساخنة الأرضية أو حتى الرواسب الطينية.
الريبوسومات قد تقدم دليلا لهذا اللغز. وأقدم جزء منه يقوم بشكل بدائي بربط الجزيئات الصغيرة لسلاسل أطول. ويتحقق ذلك عبر تفاعل كيميائي تجفيفي Dehydration reaction، إذ إن الروابط الكيميائية يتم توثيق الرابطة بإطلاق جزيء الماء. لأن هذا يحدث بسهولة أكبر في ظل ظروف جافة، فإنه يشير إلى أن الريبوسوم في وقت مبكر لم يحترف هذه الوظيفة قرب المحيطات، كما يقول نيكولاس هود من معهد جورجيا للتكنولوجيا.
النقطة الأكثر احتمالا ستكون حول أطراف بركة مؤقتة، حيث الظروف ستتناوب بين الرطوبة – مفضلة خلط المكونات – و الجفاف، والتي من شأنها أن تفضل تكون سلاسل أطول للبروتينات.
جواب: الدجاجة والبيضة Cracked: the chicken and the egg
الحياة كما نعرفها اليوم تطرح مشكلة الدجاجة والبيضة: فالحمض النووي لا يمكن أن يقوم بتكرار ذاته من دون وجود البروتينات للقيام بذلك، ولكن البروتينات لا يمكن أن توجد دون الحمض النووي DNA لتوضيح هيكلها.
وهذه المعضلة هي سبب كبير لماذا يحبذ الباحثون فكرة أن الحياة لم تبدأ مع الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين DNA ولكن الحمض النووي الريبي RNA، والتي يمكنه ليس فقط تخزين المعلومات، ولكن أيضا طي نفسه في أشكال معقدة تساعده على العمل كمحفز. فنظرية أن جزيء الحمض النووي الريبي RNA يمكنه أن يحفز تكرار ذاته من شأنه أن يحل بدقة مشكلة الدجاجة والبيضة من خلال الجمع بين الاثنين معا، أي جمع المعلومات والتحفيز في جزيء واحد. ففي هذا السيناريو «عالم الحمض النووي الريبي RNA»، يقوم الحمض النووي الريبي ذاتي التكرار في وقت لاحق بالاستعانة بمصادر خارجية للقيام بدورها الحفاز للبروتينات الأكثر تنوعا، و نقل وظيفته لتخزين المعلومات إلى الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين DNA، الأكثر استقرارا.
لورين ويليامز وزملاؤه في معهد جورجيا للتكنولوجيا قدموا حلاًّ مختلفا لهذه المعضلة. فلا البروتينات ولا الأحماض النووية جاءت أولا، كما يقولون. بدلا من ذلك، تطورت كلتاهما معا منذ البداية.
فالمبدأ المبنيّ على عالم الحمض النووي الريبي RNA بأكمله يعتبر خطأً بالنسبه إلى ويليامز، لأنه يتطلب من الحياة أن تتخلى عن نظام عمل مبني على الحمض النووي الريبي RNA، وإعادة اختراع نظام آخر لنفسه مبنيٌّ على الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين DNA والبروتينات، بدلا من الترقيع لصقل العمليات القائمة. «أنا فقط لا أعتقد أن التطور يقوم بذلك النوع من الأشياء،» كما يقول. «هذا يعني أن التطور ليس مُحسِّنا من الوضع، بل هو المهندس لوضع بديل.» المبدأ البديل القائم على أن الحمض النووي الريبي RNA والبروتينات تطورا بشكل مشترك – هو أكثر معقولية، كما يقول.
لا يتفق الجميع على هذه النظرية. فكما يقول نايلز ليمان، عالم الكيمياء الحيوية التطورية من جامعة ولاية أوريغون في بورتلاند: «هذا هو رأي الأقلية، وأضاف: «لكنني أعتقد أنها أقلية متزايدة».
تم نقل المقال من مجلة العلوم الكويتية بالتصرف.
يمكنك قراءة أيضًا: إعادة كتابة الحياة