كشفت حفرية عُثر عليها مؤخرًا عن طائر ذي منقار، يجمع بين صفات الديناصورات والطيور الحديثة. وقالت دراسة نشرتها مجلة “نيتشر” إن ذلك المزيج الفريد يكشف عن مراحل تطورية أكثر تعقيدًا بكثير مما كان يُعتقد سابقًا.
وأوضحت أن جماجم الطيور تختلف اختلافًا كبيرًا عن جماجم أسلافها من الديناصورات، فالطيور الحديثة لها منقار دون أسنان، وجماجم مفصلية مع فك منفصل، مضيفةً أن “الطائر -المعروف باسم الإكثور- تمتع بمنقار يحتوي على صفين من الأسنان، وكان يعيش على اصطياد الأسماك في منطقة البحر الدافئ الضحل الذي كان يقسم أمريكا الشمالية”.
يقول بهارت أنجان بهولار -المؤلف الرئيسي للدراسة، والباحث في مجال الحفريات بجامعة ييل الأمريكية- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن الاكتشاف الجديد يجعل ذلك الطائر يحتل موقعًا محوريًّا في سُلم تطوُّر الطيور، ويُعد أصل الطيور أحد الأمثلة الأكثر دراماتيكيةً لعملية التطور، فمع وجود ما يقرب من 10 آلاف نوع رئيسي من الكائنات الحية، تُعد الطيور الكائنات الأكثر تنوعًا على كوكب الأرض”.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الديناصورات اكتسبت صفات تطورية هائلة، انكمشت فيها بعض أنواع الديناصورات ونقص وزنها، وكسا بعض أنواعها الريش لتتمكن من الطيران في نهاية المطاف، إذ تؤكد الدراسات أن الطيور الحالية هي أحفاد لأجداد سادت الأرض ثم بادت لسبب ما.
إلا أن عملية التطور ومراحلها لا تزال يكتنفها الكثير من الغموض، وربما تُسهم الدراسة الحديثة في إلقاء مزيد من الضوء على غموضه المستحكم.
يضف “بهولار” أن “الدراسة الحالية تُشير إلى أن شكل فك الطائر تغيَّر على مراحل متعددة، إذ كان المنقار يحتوي في البدء على أسنان حادة تُغلق بعد أن تُمسك بالفرائس بواسطة عضلات الفك القوية، ثم تغيَّر الأمر ليُصبح المنقار أداةً للإمساك والقبض والتلاعب بالفرائس دون مضغها. وهو الاستنتاج الذى سَيُمَكِّن العلماء من إلقاء الضوء على الترتيب الذي ظهرت به السمات الرئيسية للطيور الحديثة”، موضحًا أن ” الطائر -الذي عُثر على حفريته لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي- لديه مزيج من صفات الديناصورات والطيور الحديثة، وهذا يعني أن الطيور تطورت بصورة مُختلفة عن تصورات العلماء”.
فحصت الدراسة أربعة أحافير عثر عليها مستكشف أمريكي في وسط الولايات المتحدة القرن الماضي، وكانت الأحافير في حالة جيدة للغاية وتنتمي إلى فترة العصر الطباشيري المتأخر التي شهدت انقراض الديناصورات، وقد قام الباحثون بعمل نماذج ثلاثية الأبعاد لتلك الأحافير، وانتهوا إلى وجود أسنان بمنقار ذلك الطائر.
عاش الإكثور قبل 85 مليون عام، وهو طائر بحري في حجم الخرشنة القطبية له نمط حياة يُشبه إلى حدٍّ كبير النوارس الحديثة؛ إذ يتغذى على الأسماك والمحار الموجودة بالمياه الضحلة الدافئة، وتمتع الإكثور بجسم قوي، ومكنه جناحاه العريضان من الطيران لفترات طويلة، وبلغ طول المسافة بين طرفي جناحيه 60 سنتيمترًا.
يقول “بهولار”: “لقد تمتع الطائر بمجموعة من السمات البدائية التي تتصف بها الديناصورات، كالأسنان الحادة، ولكنه أيضًا كان يطير بالطريقة التي تُحلق بها الطيور الحديثة، كما كانت له عينان واسعتان ودماغ أكبر بالنسبة لحجمه من أدمغة الديناصورات، ولقد تمكن ذلك الطائر من التفاعل مع العالم من خلال منقاره ذي الطرف المستدق الذي يقع في نهاية فك طويل ومُسنن كان أقرب للطيور منها للديناصورات، وكان فكه العلوي يتحرك بشكل مُستقل، وهو تكيُّف متميز للطيور سمح لها بالإمساك بفرائسها بدقة”.
لكن، كيف كان مظهر الطيور الأخرى التي كانت تعيش في تلك الحقبة؟ يُجيب “بهولار” قائلاً: “إن الطيور فقدت أسنانها بشكل مُتكرر خلال العصر الجوارسي والطباشيري، وربما ظهرت الطيور ذات المنقار الحقيقي -دون أسنان- في بداية العصر الطباشيري”، مشيرًا إلى أنه “بينما كان لدى طيور أقدم مثل الكونفيوشسورنيس، التي كانت تعيش قبل 125 مليون عام، منقار عادي، فقد كان منقار الإكثور أصغر، كما كان أول منقار ذو خصائص حديثة مثل طرف كالكماشة تتمتع به طيور في العصر الحديث لمساعدتها على الإمساك بالأشياء وتحريكها بمهارة وأيضًا النقر”.
تُظهر الدراسة أن عملية التطور “معقدة وأنيقة” على حد قول الباحث الرئيسي، الذي يُضيف أن “التحولات المتكاملة الضخمة تحدث عبر عقود طويلة، والسجلات الأحفورية المحفوظة في باطن الأرض لا يزال لديها الكثير للبوح به، وما يفعله علماء التطور هو مواصلة اكتشاف أجزاء من ماضي حياتنا البيولوجية كمحاولة لفهم الحياة الحالية والمستقبل”.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.