يساعد على معرفة أصل الطيران وفهم التحولات الكبرى المرتبطة بتطور الفقاريات
تمكَّن باحثون من جامعة “هومبولت” الألمانية و”المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا” من تصميم “روبوت” يكشف النقاب عن الخطوات الأولى التي سارت بها الفقاريات رباعية الأطراف على الأرض بعد أن انتقلت من الماء إلى اليابسة قبل 300 مليون سنة.
بدأت الحيوانات المائية الانتقال إلى اليابسة قبل ملايين السنوات، ولا يعرف العلماء على وجه الدقة كيف سارت تلك الحيوانات على الأرض لأول مرة، أو إذا ما كانت تحرُّكاتها منسقة ومتوازنة أم لا. لذا، صمم الباحثون إنسانًا آليًّا يُشبه “الأمونيت”، وهي مجموعة من الحيوانات الفقارية يتم وضعها في شجرة التطور كحلقة وسيطة بين البرمائيات من جهة والزواحف والثدييات من جهة أخرى.
ويُظهر البحث المنشور في دورية “نيتشر” (Nature)، أن تلك الحيوانات الفقارية تمكَّنت من السير على الأرض بكفاءة وانتظام في وقت أبكر مما يعتقده العلماء.
صمم الباحثون الإنسان الآلي على صورة وحش قديم يعود إلى ما قبل التاريخ، ويُسمى “أوروبيتس بابيستي” (Orobates pabsti)، وهو كائن قديم يُشبه السحلية، ويُعَد مرشحًا مثاليًّا لفهم الكيفية التي تطورت بها الفقاريات الأرضية لأنه كان يعيش بين الأرض والمياه، ويضع بيضه في جحور على اليابسة ويصطاد طعامه من المحيطات والبحار والأنهار.
اختار الباحثون ذلك الكائن تحديدًا لكونه سلفًا مشتركًا بين الثدييات والزواحف، بما في ذلك جميع الديناصورات المنقرضة والبتروصورات والطيور، كما أن له سجلًّا أحفوريًّا ممتازًا يشمل مسارات متحجرة من آثار أقدامه. وشكلت تلك الآثار حصيلة معلوماتية متميزة مكَّنت الباحثين من إجراء تحليل للخطوات التي قطع بها “الأوروبتس” خطواته في بيئته المحيطة.
أنشأ الباحثون نموذجًا رقميًّا لهيكل الأوروبيتس، عبر تصوير أحافيره التي وُجدت في وسط ألمانيا بالأشعة السينية. ولكن، لمعرفة الكيفية التي تنقل بها ذلك الفقاري الصغير، نظر الباحثون إلى كائنات حية مماثلة مثل السمندل والإغوانا ونوع من التماسيح الصغيرة؛ إذ تتشابه تلك الكائنات مع جدها المنقرض في كونها زواحف رباعية الأرجل، تتحرك باستخدام أذرعها وسيقانها، بطريقة تُشبه -إلى حدٍّ ما- الطريقة التي تَحرَّك بها “الأوروبتس” قبل ملايين السنوات.
وثَّق العلماء الطريقة التي تتحرك بها تلك الحيوانات، والكيفية التي يتحرك بها عمودها الفقري في أثناء المشي، ودرجة تَمكُّنِها من ثني مرافقها وركبها في أثناء السير، ثم تم استخدام هذه البيانات لعمل محاكاة حاسوبية حركية لأسلوب المشي المحتمل لـ”الأوروبتس”.
من جهته، يقول “جون نياكاتورا” -المؤلف الأول للدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: صممنا روبوتًا أطلقنا عليه اسم “أوروبوت”، وراعينا في أثناء تصميم ذلك الروبوت أن يكون شديد الشبه بـ”الأوروبتس” من ناحية الهيكل وشكل العمود الفقري”، مشيرًا إلى أن أبعاد النموذج كانت “أطول بنسبة 60% من حفرية الحيوان المنقرض؛ إذ بلغ طول الروبوت 142.32 سنتيمترًا ووزنه 6.2 كيلوجرامات، فيما كان طول الحفرية 85.14 سنتيمترا”.
قام العلماء ببرمجة الروبوت بنتيجة المحاكاة الكمبيوترية، لحساب الطاقة التي يُمكن أن يستهلكها الحيوان المنقرض في الحركة، ورؤية أنماط المشي المختلفة التي اقترحتها المحاكاة، وحين بدأ الروبوت في التحرك، قارن الباحثون أنماط المشي المرشحة بآثار الأقدام المتحجرة للكائن المنقرض، حتى وصلوا إلى نتيجة مذهلة، بعد أن تطابقت إحدى طرق سير الروبوت تطابُقًا تامًّا مع الآثار المتحجرة.
وأوضح الباحثون أن الأسلوب الذي مشى به “الأوروبتس” يُشبه إلى حدٍّ كبير الطريقة التي يمشي بها “الكيامن”، وهو نوع من أنواع التماسيح صغيرة الحجم يعيش في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.
يضيف “نياكاتورا” أن “الدراسة استغرقت نحو 8 سنوات كاملة، ويُمكن استخدام نتائجها على أوجه متعددة، منها على سبيل المثال دراسة التحوُّلات التطورية المهمَّة، مثل أصل الطيران، أو الطريقة التي جعلت بعض الثدييات تمشي منتصبة، وليس على أربع أرجل، كما أنها يمكن أن تساعد علماء التطور على فهم التحوُّلات الكبرى المرتبطة بتطور الفقاريات”.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.