يدرس علم الوراثة التطوري البشري كيفية اختلاف الجينوم البشري، والتاريخ التطوري الذي أدى إلى ذلك، بالإضافة إلى التأثيرات الحالية لهذا الاختلاف. كما لهذه الاختلافات تطبيقات ومضامين في مجالات عديدة كعلم الإنسان والطب والتاريخ وعلم الأدلة الجنائية. كما توفر لنا البيانات الجينية لمحةً عن تطور الإنسان.
أصل القردة العليا
يصنف العلماء البيولوجيون الإنسان وعدة أنواعٍ أخرى ضمن عائلة القردة العليا. وتشمل عائلة القردة العليا اليوم نوعين من الشيمبانزي (البونوبو Pan paniscus والشيمبانزي الشائع Pan troglodytes)، ونوعين من الغوريلا (الغوريلا الغربي Gorilla gorilla والغورليلا الشرقي Gorilla graueri)، بالإضافة إلى نوعين من الأورانجوتان (إنسان الغاب البورنيوي Pongo pygmaeus وإنسان الغاب السومطري Pongo abelii).
تنتمي القردة بدورها إلى رتبة الرئيسيات (أي أكثر من 400 نوع)، بالإضافة إلى سعدان العالم القديم وسعدان العالم الجديد وغيرهم. كما تشير البيانات المأخوذة من DNA المتقدرة (mtDNA) والـ DNA النووي (nDNA) إلى انتماء الرئيسيات للرتبة العليا “فوق الرئيسيات”، وتتشارك بذلك مع القوارض وأرنبيات الشكل وجلديات القوائم وزبابيات الشجر.
التصنيف الفرعي الحيوي
تُستمد شجرة تطور السلالات عادة من تسلسل الحمض النووي أو تسلسل البروتين لدى الكائنات الحية. وغالباً ما يُستخدم تسلسل DNA المتقدرة أو الصبغي Y في دراسة الخصائص السكانية القديمة للبشر. حيث توّرَث المواضع الصبغوية للحمض النووي من الأب ولا تتعرض لإعادة تركيب جيني، باستثناءٍ واحدٍ معروف في DNA المتقدرة. وبالنسبة للأفراد الذين ينتمون إلى مناطق جغرافية متقاربة، فهم يبدون تشابهاً ملحوظاً وواضحاً أكثر من الأفراد الذين ينتمون لمناطق جغرافية متباعدة. تُستخدم هذه المسافات تقريباً في شجرة تطور السلالات للإشارة إلى:
- المسافة الجينية: أي أن الاختلاف بين الإنسان والشيمبانزي لا يتعدى نسبة 2% ، وهو أكبر بـ 3 مرات من الاختلاف بين الإنسان الحديث (والذي يقدر بنسبة 0.6%)
- البعد الزمني لآخر سلف شائع. حيث يُقدر زمن وجود السلف الأخير الميتوكوندري والأكثر شيوعاً للإنسان الحديث (أو حواء الميتوكوندرية) منذ 160 ألف سنة [6]. بينما يعود آخر أسلاف البشر والشيمبانزي لنحو 5 إلى 6 ملايين سنة.
انتواع البشر والقردة الأفريقية
أجريت دراسات عديدة وواسعة عن انفصال البشر عن أقرب أقربائهم، وهم القردة غير البشرية (كالشيمبانزي والغوريلا)، لأكثر من قرن من الزمن. وطرحت هذه الدراسة 5 أسئلة مفصلية هي كالتالي:
- ما هي القردة التي تعتبر أقرب أقربائنا؟
- متى حدث هذا الانفصال؟
- ما هو حجم التجمع الفعال للسلف الشائع قبل الانفصال؟
- هل من آثار أو دلائل عن البنية السكانية تسبق الانتواع أو الامتزاج الجزئي الذي حدث؟
- ما هي الأحداث المعينة (والتي تشمل اندماج الصبغيين 2a و2b) التي سبقت وتلت ذلك الانفصال؟
ملاحظات عامة
كما تحدثنا مسبقاً، تُظهر أجزاء مختلفة من الجينوم تفاوتاً تسلسلياً مختلفاً بين القردة المتنوعة. كما تبين أن التفاوت التسلسي بين الحمض النووي لدى البشر والشيمبانزي مختلفٌ هو الآخر بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، وُجد أن التفاوت التسلسلي يتراوح بين 0% إلى 2.66% بين المناطق الوراثية غير المشفرة وغير المكررة لدى كل من البشر والشيمبانزي. وكانت نسبة النكليوتيدات لدى الجينوم البشري (hg38) ومثيلاتها لدى جينوم الشيمبانزي (pantro6) تبلغ نحو 84.38%.
أزمنة التفاوت
إن زمن التفاوت بين البشر والقردة الأخرى أمرٌ بالغ الأهمية. حيث قاست إحدى الدراسات الجزيئية الأولى، والتي نُشرت عام 1967، المسافات المناعية بين الرئيسيات المختلفة. وقاست أيضاً قوة الاستجابة المناعية التي يستحثها مولد الضد لدى نوعٍ معين (كالزلال البشري مثلاً) في الجهاز المناعي لنوعٍ آخر (كالإنسان أو الشيمبانزي أو الغوريلا أو سعدان العالم القديم). ومن المفترض أن تمتلك الأنواع القريبة مولدات ضد متشابهة، لذا يجب أن تكون الاستجابة المناعية أضعف. عيُنت الاستجابة المناعية للأنواع بالنسبة لمولدات الضد خاصتها (إي من إنسان لآخر) بقيمة 1.
وحُددت المسافة المناعية بين البشر والغوريلا بقيمة 1.09، وبلغت القيمة 1.14 بين البشر والشيمبانزي. بينما بلغت نحو 2.46 وسطياً عند 6 سعادين مختلفة من العالم القديم، مما يشير إلى كون رابطة القرابة بين البشر وقردة أفريقيا أقوى من القرابة بين البشر والسعادين.
وقدر الباحثون زمن التفاوت بين سعادين العالم القديم والقردة بـ 30 مليون سنة (MYA والتي تعني مليون سنة مضت)، وذلك وفقاً لبيانات أحفورية. بينما لاحظوا ازدياد المسافة المناعية بمعدل ثابت. وخلصوا إلى تقدير زمن التفاوت بين البشر والقردة الأفريقية بنحو 5 ملايين سنة، وتلك نتيجة مبهرة فعلاً. حيث اعتقد الباحثون في تلك الفترة أن زمن التفاوت بين البشر والقردة كان أكبر من ذلك بكثير (حيث اعتُقد أنه 15 مليون سنة).
كانت الغوريلا أقرب للبشر من الشيمبانزي اعتماداً على معايير المسافة المناعية. لكن الفرق كان بسيطاً جداً، ولم يسمح بحسم قضية الانتواع تماماً. ولم يُعرف الانتواع بدقة إلّا عند صدور دراسات لاحقة اعتمدت على علم الوراثة الجزيئي. حيث وُجد وقتها أن الشيمبانزي أقرب للإنسان من الغوريلا وفقاً لعلم الوراثة العرقي. لكن أزمنة التفاوت التي قُدرت لاحقاً (والتي استُخدم لحسابها طرائق معقدة في علم الوراثة الجزيئي) لا تختلف جوهرياً عن تلك التي حُسبت عام 1967. هناك ورقة بحثية جديدة تقدر زمن التفاوت بنحو 11 إلى 14 مليون سنة مضت.
الاختلافات الجينية بين البشر والقردة العليا
تختلف التسلسلات القابلة للتحويل داخل جينوم البشر والشمبانزي بنحو 35 مليون بديل للنيوكليوتيدات المفردة. وعلاوة على ذلك، يختلف نحو 3% من المجينات الكاملة نتيجة الحذف والإدخال والنسخ.
قد يعمل التطور الجزيئي بطرق مختلفة، من خلال تطور البروتين وفقدان الجينات وتنظيم الجينات المتفاوتة وتطور الحمض النووي الريبي. ويُعتقد أن جميع تلك العوامل قد لعبت دوراً معيناً في تطور الإنسان.
فقدان الجينات
يمكن للعديد من الطفرات المختلفة تعطيل الجين، لكن القليل منها سيغير وظيفته بطريقة محددة. لذا ستكون تلك الطفرات إحدى وسائل عمل الانتقاء، أي يكون فقدان الجينات إحدى الآليات الشائعة للتكيف التطوري (فرضية “الأقل هو الأكثر”).
فُقد 80 جيناً في سلالة الإنسان بعد الانفصال عن آخر سلف مشترك مع الشيمبانزي، تعود 36 منها للمستقبلات الشمية. بينما ظهرت الجينات المسؤولة عن التصور الكيميائي والاستجابة المناعية بشكل مفرط.
قدرت دراسة أخرى فقدان البشر لنحو 86 جيناً.
التفاوت المتسلسل بين البشر والقردة
عندما نُشرت مسودة تسلسل جينوم الشمبانزي المشترك (Pan troglodytes) في صيف عام 2005، قاموا بتجميع وتسلسل 2400 مليون زوج قاعدي (من أصل 3160 مليون تقريباً) بشكل كاف لمقارنتها مع الجينوم البشري.
ووجد أن 1.234% من هذا التسلسل يختلف عن بدائل ذات قاعدة واحدة. بينما اعتقدوا سابقاً أن 1.06% منها تمثل فروقاً ثابتة بين الأنواع، بينما اعتبر الباقي مواقع متباينة لدى البشر والشيمبانزي.
وهناك نوعٌ آخر من الاختلاف يدعى إنديل (وهي كلمة مدمجة من كلمتي Insertion وDeletion واللتان تعنيان الإضافة والحذف)، وهذا الاختلاف مسؤول عن اختلافاتٍ أقل (نحو 15%) لكنه ساهم بنحو 1.5% في تسلسل كل جينوم، حيث يشمل الحذف أو الإضافة زوجاً أو ملايين الأزواج القاعدية.
تم نقل المقال من ويكيبيديا العربية بتصرف