تقوم مختلف الجينات بالمساهمة في عميلة تكيف الحيوانات المنزلية مع الحياة البرية أكثر من مساهمتها في عملية ترويض الحيوانات البرية لكي تعيش في المنزل. هذه هي نتائج الدراسة التي قادها باحثون في جامعةLinköping في السويد Sweden والتي نُشرت في صحيفة Nature Communications. وتساعد هذه النتائج على زيادة استيعابنا لما يحصل أثناء عملية تطور الأنواع.
هناك العديد من الاختلافات السائدة بين الدجاج المنزلي والدجاج البري. ويمكن لدراسة الاختلافات بين مادتيهما الوراثية أن تعلّمنا المزيد عن كيفية تأثير الجينات على كل من مظهر الحيوان وسلوكه. بالرغم من أن كيفية ترويض الحيوانات أمر معروف، إلا أن العملية المعاكسة غير معروفة إلا بشكل ضئيل، أي عندما تعود الحيوانات المنزلية إلى البر. لقد قمنا بدراسة هذه العملية على المستوى الجيني عندما يتم إطلاق سراح الدواجن إلى البرية. هذا ما قالهDominic Wright ، الباحث الذي قاد هذه الدراسة.
لآلاف السنين، قام البشر بتربية الكلاب، الماعز، الدجاج والكثير من الحيوانات الأخرى، وذلك لجعلها ملائمة للاستعمال كحيوانات منزلية، ضمن عملية تدعى الترويض. لقد اختار البشر الأنواع ذوات الصفات المرغوبة وقاموا بمزاوجتها مع أنواع مماثلة بحيث يتم الحصول على سلالة لها نفس تلك الصفات. ولقد طرأ على المادة الوراثية لهذه الحيوانات تغيرات جزئية أثناء انتقالها من شكلها البري إللى شكلها الأليف. كما وتحدث أيضًا العملية المعاكسة، عندما تعود الحيوانات المنزلية الأليفة لتتكيف مع الحياة البرية، هذا ما يعرف بالاستوحاش feralization . ومن خلال التحقيق في التغيرات التي تطرأ على المادة الوراثية للحيوان، يمكننا حينئٍذ أن ندرس ما إذا كان هذا الترويض الممارس من قبل البشر على الحيوان ذا تأثيرات مؤقتة أم طويلة الأمد.
فهل يمكن للتطور أن يعود بأدراجه إلى الوراء؟
أردنا أن نرى فيما إذا كانت عملية الترويض هي نفسها عملية الاستوحاش ولكن بالاتجاه المعاكس. إلا أن نتائجنا أظهرت غير ذلك. بحيث أن عودة الدواجن إلى البرية تؤثر على مجموعة مختلفة تمامًا من الجينات.
قبل30 سنة، حدثت عاصفتان استوائيتان في جزيرة Kauai في هاواي Hawaii وقد تسببتا في إطلاق سراح الدواجن إلى البرية. وعلى تلك الجزيرة، كانت توجد مجموعة من دجاج الأدغال الأحمر، إذ حدث تزاوج بينها وبين الدواجن. فالدجاج الذي يعيش حاليًا على الجزيرة ورث مادته الوراثية من كل من الدواجن ودجاج الأدغال الأحمر البري.
الحياة في حرية تجلب معها مخاطر وتهديدات كبرى من حيوانات مفترسة وأمراض، إلا أنها تترك للدجاج حرية اختيار الشريك. فالصفات التي تجعل من الفرد جذابًا، كالعرف الجميل، كلها تلعب دورًا هامًا في عملية انتقاء الشركاء.
يعد الانتقاء الجنسي أمرًا هامًا لدى الحيوانات البرية، إذن من المنطق أن الجينات التي تتحكم في حجم العرف والصفات المشابهة تتأثر عندما يعود الحيوان إلى البر. وهناك ملاحظة مثيرة للاهتمام وهي أنه على الرغم من كون الدجاج المدجن يملك أعراف كبيرة جدا، مما ينبغي أن يجعله جذاب جنسيًا، إلا أن الأعراف قد أصبحت أصغر حجمًا لدى الدجاج الذي يعيش حاليًا في جزيرة Kauai.«
أثناء عملية الاستوحاش، تغير سلوك الدجاج من حيث إنتاج البيوض وحضنها. فقام الباحثون بتحديد الأجزاء من المادة الوراثية التي تغيرت أثناء تلك العملية. ومن ثم قاموا بدراسة تلك الأجزاء بتفاصيل أكثر لدى مجموعة الدجاج الهجينة التي تمت تربيتها بالأسر باعتبارها سلالة نتجت بالعبور بين الدواجن ودجاج الأدغال الأحمر. بهذه الطريقة، تمكن الباحثون من ربط سلوك الدجاج ومظهره بمستويات التعبير عن الجينات المحددة.
تشير النتائج إلى أن الاستوحاش يؤثر على جينات مختلفة تمامًا عن تلك الجينات التي تلعب دورًا في عملية الترويض، وهي ليست مجرد قضية عكس التغيرات التي طرأت أثناء ترويض الدجاج.
وأضاف « Dominic Wright » لقد عدّ دارون عملية الترويض كنموذج من التطور يحدث في ظروف يتحكم بها البشر. ومن خلال دراسة العملية العكسية، في بيئة طبيعية وبدءًا من الشروط الأولية المعروفة، يمكننا أن نتعلم المزيد حول ما يحدث خلال تطور الأنواع.
المصدر: sciencedaily